تأملات على ضفاف سورة الحجرات ( الحلقة 17 )


 بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأحبة: وقفنا في الحلقة السابقة عند الآية الكريمة: ( فأولئك هم الظالمون )، وبه نبدأ هذه الحلقة, بتأمل هذا المقطع نجده يتكون من كلمتين.. أولئك.. الظالمون.. بينهما ضمير.. هم.. وهو للتخصيص ـــ والله أعلم  ــــ, وكلمة أولئك تعطيك إشارة الى أن المقصود تلك الفئة التي سبق ذكرهم في أول الآية، وهذا ظاهر لاشك فيه, ثم كلمة الظالمين.. فما أيشع أن يوصف المرء بالظلم؟ والظلم هو تجاوز الحد في الشيء الممقوت أو المرفوض أو المؤلم, وهو فعل يترتب عليه جزاء وعقاب.. وتجاوز الحد في الخير محمود ـــ مثل الإكثار من النوافل ـــ، ويترتب عليه ثواب. وكلمة الثواب تقترن مع فعل الخير, كما أن كلمة العقاب تقترن مع عمل المعصية أو الشر أو ما يندرج تحته. نخلص الى أن من يطلق العنان للسانه في الغمز واللمز والتنابز والتنقص ثم لم يتب من فعله فهو ظالم. فقد ظلم نفسه أولاً, بأن جعلها مرهونة بحق قد تعذب بسببه. وظلم غيره بأن أطلق عليه أمواج التحقير والتنقص والازدراء, فهو قد ظلمه, وأحياناً يسمع أو يعلم المحتقر ولكن قد يكون ضعيفاً ولا يستطيع أن يأخذ حقه أو يرد عن عرضه وسمعته, لماذا؟ لأن الغامز قد أوتي سلطاناً أو نفوذاً وجاهاً, فهذا أشد ظلماً.. وقد لا يدري المغموز والمحتقر بما قال, ولكن من يعلم السر والنجوى قد سمعه وعلم بما قاله، وكتب عليه حال قوله به, ـــ ولأنه سبحانه قد كرم عباده المؤمنين، ورفع قدرهم، ومنع احتقارهم ـــ فهو إذن قد تكفل بالانتصار لهم، ومحاسبة من يفعل ذلك.. فهذا قد ارتكب ظلماً, والظلم شنيع وعقابه أليم.

ومن رهبة الظلم أن الله قد تكفل بإجابة دعوة المظلوم الذي لا يقوى على دفع الظلم عنه.. فالمظلوم الذي قد انقطعت به السبل بعدما يظلم ويقهر، ولا يملك حولاً ولا قوةً بعدما يلتفت يميناً وشمالاً يبحث عن ناصر له فلا يجد إلا السراب أو الخوف, فيرفع بصره إلى ربه ومولاه الذي أيقن بالإيمان به بأنه هو القادر على كل شيء، فيطلب عونه برفع الظلم عنه فهو قد آمن بأن الله قد أقسم بعزته وجلاله ـ سبحانه وعظيم ـ سلطانه حيث قال: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين).. فلو أن كل مظلوم ضعيف لجأ إلى القوي العزيز الذي ينتصر لأوليائه إذا داهمتهم الخطوبº لانقشعت سحائب الظلم عنهم، ووجدوا الفرج نصب أعينهم.. وقد ورد كثير من النصوص في كتاب الله - سبحانه - وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - تتوعد الظالمين على اختلاف ممارساتهم ابتداءاً بمن يحكمون الناس وانتهاءاً بالعجماوات.. تأمل هذا المقطع. قال – تعالى -: ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.. الآية) بما تملك من إيمان وثقة بربك القوي العزيز، ألا تطمئن بعد هذا الوعد؟ و تأمل هذا الحديث القدسي: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ..الحديث ). فهذا الحديث القدسي العظيم يوضح بأن الله قد نزه نفسه - سبحانه - عن هذه الخصلة الذميمة.. وتأمل قوله – سبحانه -: ( إني حرمت الظلم على نفسي ) فهل ربنا بحاجة لنا بأن يخبرنا بذلك؟ كلا وألف كلا.. فربنا غني بذاته قوي عزيز حكيم، وهو غني عنا، ونحن الفقراء إليه – سبحانه -..

وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply