تأملات على ضفاف سورة الحجرات ( 6 )


بسم الله الرحمن الرحيم

عندما كان الإسلام قليل المنعة وأتباعه قليلون في مكة وأول أيام العهد المدني وكان الكفار لهم صولة وضجيج, وكانوا يؤثرون في سير الأحداث حتى إنهم حالوا بين الضعفاء وإعلان إسلامهم, ولكن عندما قويت شوكة الإسلام والمسلمين في العهد المدني, خاصة بعد معركة بدر وعرف المشركون مدى التأثير والتغير الذي طرأ على هؤلاء مع نبيهم محمد ـ  صلى الله عليه وسلم ـ ارجفوا وزلزلوا زلزالاً شديداً

لذلك اندس أناس يسكنون المدينة ويتعايشون مع المسلمين جنباً إلى جنب وبما أن الشوكة للمسلمين ظهر ما يسمى بمفردة النفاق وهو إخفاء وإظهار - ولا يتصف بها إلا الحاقد اللئيم الجبان الغدار - فأظهروا الإسلام وأخفوا في جوانح أنفسهم الكفر المبطن بالحقد وهو أخطر من الكفر, والعجب أنه لم يظهر في مكة لأن أهل مكة في ذلك الوقت لا يخجلون من إظهار كفرهم ويرون أن المسألة تحدي مع محمد - صلى الله عليه وسلم- وأنهم كفرسي رهان, ولكن تاهوا في غيهم وتكبروا وظنوا أنهم على هدى مبين, وسرعان ما ذهبت أحلامهم أدراج الرياح يوم عاينوا الحقيقة وعرفوا من هو الذي على حق، وذلك بعد معركة بدر الفاصلة التي قلبت موازين القوى لصالح المسلمينº فالذين قتلوا من المشركين جاءتهم الطامة والصاعقة عندما أحاطت بهم الملائكة تقطف رؤوسهم وأرواحهم, وعندما ألقيت أجسادهم في ذلك القليب، ولكن لم ينفعهم أن عاينوا الحقيقة لأن المهلة المتاحة لهم قد انتهت.

أما الذين لم تنتهي مهلتهم ولم يقتلوا فمنهم من أسلم ونجا، ومنهم من أذعن واستسلم لقوة الإسلام

أما تلك الشرذمة في المدينة فإنهم أجبن وأحقر من إظهار ما يعتقدونº لذلك شربت نفوسهم الخبيثة التكتم والتلون، ولكن سيماهم في وجوههم من أثر النفاق, وبدأوا يحيكون الدسائس والخداع للنيل من المسلمين، وعلى رأسهم نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهذا كان المسلمون بحاجة إلى التذكير عن هؤلاء من أجل أخذ الحيطة والحذر، وعدم الانسياق وراء الأخبار الوافدة, فجاء الخطاب موجهاً للمؤمنين فقط - وهذا خاص لهم - قال تعالى: ( يا أيها الذين ءآمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا) ما أجمل هذه الآية وبحق تعتبر استراتيجية في التعامل مع الأحداث, خاصة وقت الأزمات التي يكثر فيها الهرج والمرج والإرجاف, فقد يأتيك شخص بخبر ويوهمك أنه يريد الإصلاح, بينما هو غير ذلك, فإذا عرفت حال الناقل تعامل مع خبره على أساس معرفة حالة, فإذا جاءك الفاسق بخبر فلا تهمله مطلقاً ولا تقبله مطلقاً .

 للحديث بقية في الحلقة السابعة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply