الحمد لله رب العالمين.. والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين.. وبعد :-
فلقد سرني التفاعل من الأحبة الكرام الذين اطلعوا على الحلقة الأولى من هذه التأملات على ضفاف هذه السورة الكريمة.. وهذا مما يزيد من المسؤولية.. فأسأل الله المعونة وان يفتح علينا.. ويلهمنا فهم كتابه, الذي بحق هو بحر زاخر لا حد له.. ولا يسبر غوره.. ولا يوصل لمنتهاه.. انس التالين.. وشفاء المهمومين والمغتمين.. دليل الحيارى والتائهين.. اللهم اجعله لنا شافعاً يوم نقدم عليك فرادى.. وأنيسا في رحلة الوحشة حينما نسل في الأجداث, ويعلونا التراب… وينسانا الذاكرون… يا حي يا قيوم..
وبعد :-
إكمالا لما سبق.. من التأملات على ضفاف هذه السورة.. العلاقات الإنسانية والاجتماعية من أهم القنوات التي تسير من خلالها الدعوة إلى توحيد الله – سبحانه - وعبادته والإيمان به... فمن خلالها يسلك الطريق المؤدي إلى القلوب وهي المقر الرئيسي للعواطف والنزعات.. والقلب إذا اندفع إلى شيء لا تستطيع قوة أن تقهره أو تمنعه.. فكيف نصل إلى هذه الجارحة الخطيرة القلب..؟ عن طريق بعض الممارسات الاجتماعية والعلاقات العامة التي تفتح مغاليق وسراديب هذا القلب.. فجاءت هذه السورة الرائعة العظمة في هذا الوقت بالتحديد ليكتمل بها عقد البناء الإسلامي, الذي فاق كل ما أنتجته العقول البشرية من نظم وقوانين ونظريات.....
بداية السورة... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم... ( يا أيها الذين آمنوا ..) تأمل أخي المسلم الكريم هذا النداء .. ألا يلفت نظرك لشيء.؟ انه نداء خاص جداً.. لطائفة خاصة جداً.. من هم؟ إنهم المؤمنون به - سبحانه - مؤمنون بوحدانيته وإلاهيته وربو بيته,, التي بشر بها رسوله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -.. بغض النظر عن اللون أو الموطن أو اللغة.. فهو نداء وخطاب عام وخاص في نفس الوقت.. وهذا من عظمة كلام الله - سبحانه -.. أن يجمع بين مختلفين ليكونا متطابقين منسجمين لا تناقض ولا تعارض.. فهو خاص بالمؤمنين بغض النظر عن الهوية واللون واللغة, بشرط أن يدخل تحت خيمة الإيمان,, وهو الإيمان بالله وحدة... كيف يكون الإيمان بالله..؟ الله - سبحانه - له صفات عظيمة.. وله أفعال حكيمة.. وله أقوال بليغة.. وله مخلوقات مغيبة ومرئية.. فيلزم الإيمان المطلق بالمغيبات التي لم تر,, كما يلزم الإيمان بالمرئيات.. هذا الإيمان يجب أن يغلفها التقديس و التعظيم وتأسره المحبة والخشوع والرجاء.. وهذا يخرج ما في الأنفس من شك وريبة لأمور قد لا يستوعبها العقل.. فتحدث الحيرة.. ويظهر التردد على سطح التعامل مع أركان هذا الدين... فلله صفات عظيمة يختص بها - سبحانه وهو لها أهل - وتليق به - جل وعلى -: ( هذه الصفات لا يعتريها النقص أو الذبول أو الفناء أو العجز أو الغفلة ) فهي وحدة متكاملة متجانسة لا تناقض فيها ولا خلل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وهذه الصفات معلومة لكل مسلم مؤمن بالله. مع تقديسها والوقوف عند أسوارها الخارجية دون الدخول إلى أعماقها لتحليلها أو تشبهها أو تمثيلها أو حتى تخيلها.. فهي فوق الاستيعاب البشري أو التصور العقلي.. مع ملاحظة أن بعض الطوائف حاولوا ذلك.. لوصفها أو تخيلها أو تجسيمها. فتاهوو في سراديب الخيال والتخبطات والتصورات العقلانبة الناقصة فضلوا وأضلوا.. وهذه الصفات الربانية العظيمة مبسوطة في كتاب الله بمواضع مختلفة وأماكن متفرقة.. وقد وضع بعض العلماء الذين وثق بعلمهم قاعدة عظيمة للتعامل مع الحيرة والشك الذي يطراء على قلب المسلم وخاطره عن كنه هذه الصفات وكيفيتها. فقالوا :ـ نثبت لله ما أثبته هو لنفسه في كتبه التي انزلها على أنبيائه ورسله أو ما أثبته له نبيه - صلى الله عليه وسلم - دون التدخل في التكييف وتعسف التأويل أو التمثيل. لان ذلك خارج عن نطاق الفهم والعقل والمشاهدة لأننا إن تأملنا ذلك نكون قد تجاوزنا الحد المتاح لنا في التصور العقلي الذي لم نؤمر به أصلا ويخترق جدار الانقياد الذي امرنا به أيضاً.. فمهما بلغ العقل من الذكاء فلن يصل إلى جزئية لا ترى بالعين المجردة من صفات الله - سبحانه وتعالى -.. إذاً نحن نرتكب خطاءاً فادحا إن فعلنا ذلك... للحديث بقية في الحلقة الثالثة ...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد