تأملات على ضفاف سورة الحجرات ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:ـ

 

إضاءة:ـ حينما يبحر المرء في هذا البحر الزاخر الذي يشع نوراً وإشراقاً وجمالاً من جميع جوانبه. انظر إلى الأعماق ألا تشدك الرغبة إلى أن تصل إلى الأعماق؟ إذا نظرت إلى جماله أخذتك الدهشة من روعة بيانه. وإذا نظرت إلى آياته عاد إليك الطرف حسيراً بعدما انبهر بتكامل صوره وبيانه.. مهما قلنا في هذا البيان فقولنا يضل عاجزاً.. وقوتنا تبقى عاجزة أن تصل إلى ذرات إبداعاته.. كيف لا.. وهو كلام من بيده القدرة والإعجاز الذي إذا أراد أمراً قال له: كن فيكون.. ونحن في هذه الحلقات سنحاول أن نبحر على مركب صغير باتجاه إحدى سورهº فلعلنا أن نرسو على ضفاف سورة الحجرات لنقطف من ثمارها اليانعة وننهل من عذب مائها.. ونحوز من جواهرها وأصدافها.. ونقف مع بعض معانيها لتكون علامات تضيء الطريق للسالكين.. فيا رب أنت المعين افتح علينا وألهمنا وعلمنا.. فنعم المولى أنت وأنت نعم النصير…

هذه السورة اسمها الحجرات.. لورود هذه المفردة ( الحجرات) في ثنايا النص الكامل, ولهذه الحجرات قصة سنقف عندها في مكانها رقم هذه السورة (49) وصفحتها في المصحف الكريم (515)

مدخل للحديث:ـ هذه السورة, سورة الحجرات نزلت في المدينة فهذا له دلالة معينة, فهي من السور ذات الرموز البنائية التربوية التعاملية التي تحتاجها الأمة، والمتأمل للسور المدنية يجدها هكذا. فبعد الانتهاء من البناء العقدي للنفوس في المرحلة المكية, وصار لديها استعداد لتقبل وتنفيذ أمر الله بكل طواعية وتلقائية وانقيادية لان ذرات الإيمان قد امتزجت مع خلايا الدم في عروق المؤمنينº فصاروا أداة لينة في تقبل التكاليف التي أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصار لديهم استعداد للتضحية, والدليل أنهم قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل من أمنوا به - سبحانه وتعالى - لهذا صار لابد من اكتمال المشروع الإسلامي خلال المرحلة الثانية منه وهي: المرحلة المدنية, فلقد تم البناء الأول في المرحلة المكية، وهي ترسيخ أسس هذا الدين وهو التجرد من شوائب التبعية للقبيلة والأسياد والسجود للأصنام, إلى صرف السجود والخضوع لرب واحد بدلاً من الأرباب, بكل عفوية ومجبة وخوف ورجاء وتلقائية واندفاع. فصاروا بعد هذا بحاجة ماسة إلى البناء الأخر وهو البناء التعاملي لأن هذا الدين وأتباعه ينتظرهم دور خطير على مسرح الحياة لإنقاذ البشرية من دياجير الظلمات، وإخراجهم إلى ساحات النور والهدى. فلا بد أن يعد هؤلاء الإعداد المتكامل لحمل المشعل، ويقدموا الصورة الحقيقية لهذا الدين كما أراده الله له أن يكون. وصلى الله على نبينا محمد…

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply