بسم الله الرحمن الرحيم
هذهِ تجربةٌ رائعةٌ مذهلة، أسوقها هاهنا بعد مرورِ أكثر من ثلاثينَ شهراً، من تتبع صداها وبركتها لدى كثيرين ممن عُرضت عليهم، وشاركوا فيها، ولعلي أسوق نماذجَ من تلكَ النتائجِ لترى العجب، كملحقٍ, على هذا الموضوعِ..
فاقرأ، وتأمل، وشمر، واعمل على نشر الفكرة على آخرين وآخرين وآخرين
لعلك تحظى بأجور أولئك الذين ستفتحُ لهم بوابةَ السماءِ، وتشدهم إلى ربهم من أقرب طريق وأرقاه وأقواه.. استعن بالله ولا تعجز..
قال الراوي:
أحسبُ أني كنتُ شديد الظمأ لمثلِ هذا الدرسِ، الذي يسرهُ اللهُ للشيخِ هذهِ الليلة، وقد أحسنَ وأجادَ وأفاد وتألقَ، وأفاض وأطنبَ وأطربَ..
واستطاعَ بفضلِ اللهِ أن يحركَ ما كانَ ساكناً في أعماقي من جذوةِ الشوقِ إلى الله، وأن يهيجَ ما كانَ كامناً تحتَ رماد الغفلاتِ من همةٍ, نائمةٍ,!!
**
كانَ الشيخُ المباركُ يفيضُ بكلامٍ, من نورٍ, عن القرآنِ الكريمِ، وكنوزه وبركته، وفضله، وروعةِ الإقبال عليه، وثمراتهِ الهائلةِ التي زرعها في وجهِ هذه الدنيا، فأخرجَ أناساً لا يشبههم إلا..... إلا الملائكة!!!
**
وعرجَ يتحدثُ عن إقبالِ الصحابةِ والتابعين والصالحين في كل عصر، على هذا الكتاب الكريم، وقصّ وحكى، وروى وبكى وأبكى!
وأفاضَ وأطنبَ وعرضَ نماذجَ كثيرةَ، من روائعِ إقبالهم على هذا الكتابِ السماوي الذي يصنعُ الحياة... للحياة!!
ويسمو بالإنسانِ الخامل، فإذا هو سماءٌ في السماء... !!
* *
قال الراوي:
كنتُ أرى نفسي ضمن جمهرةٍ, غفيرةٍ, من أبناء وبناتِ المسلمينَ يعيشونَ في مهبِ الريحِ، والعجبُ أنهم يحسبونَ أنهم على شيءٍ,.. !!
تجدهم يغردونَ خارجَ السربِ، السرب الذي يسبحُ لله أناءِ الليل وأطراف النهار، فأصبحوا نغمةً نشازاً في هذا الكون الخاشعِ لله - عز وجل -، ومع هذا يحسبون أنهم.. وأنهم.. وأنهم... !!!
كذلك كنا من قبلُ... فمنّ الله علينا، وهدانا..
فوجدنا الفارق الهائل بين حياة كالديدان، وحياة كحياةِ أهلِ السماء.. !
**
قال الراوي:
وخرجتُ من درسِ الشيخِ غير الإنسانِ الذي دخلَ إليه، ومضيتُ أذرعُ الأرضَ بخطواتي، وعقلي يطوفُ مع ما سمعتُ من نماذجَ، وما صنعَ بها هذا القرآنُ الكريم من أعاجيبَ، ثم أعقدُ مقارنةً بين ما سمعتُ، وما أرى نفسي عليه من هجرٍ, للقرآن، وحالةِ جفاء معه، وأنا الذي أشكو أحوالي النفسيةَ وأضيق بها، ثم لا أتناول العلاج من مظانه!!
نعم.. كانت مقارنةً شديدة المرارةِ وأنا أرى تلك الصورة الوضيئة هناك،
وما عليه نفسي من هوانٍ, وامتهانٍ, وضيعةٍ, وحقارة هنا!!
حينَ حاولتُ أن أتذكرَ متى كانَ آخر عهدي بالقرآنِ - كقراءةٍ, كاملةٍ, للمصحف - خانتني ذاكرتي تماماً، لطولِ العهدِ بهذا الأمر!!
أعني أنه قد مرّ سنةٌ كاملةٌ، على آخرِ مرةٍ, ختمتُ فيها كتاب الله كاملاً، لأنني ممن يحرصونَ على ختمِ القرآنِ في شهر رمضان، ولكن ماذا بعد رمضان؟!! تلك قصةٌ أخرى!!
ربما يمرُ الشهر وراء الشهر وراء الشهر، ثلاثة أهلةٍ, لا أقرأ فيها سوى صفحاتٍ, معدودةٍ, من كتابِ الله جل في علاه!!!!!
* *
وعدتُ إلى مكتبتي، وما أكثر الكتب التي تتكدسُ في رفوفها، حتى تراكم عليها الغبارُ، غير أن كلامَ الشيخِ الليلةَ دفعني إليها دفعاً قوياً، لأنفض عنها هذا الغبار، واشرعُ أبحث عن الكتبِ التي سمّاها في درسهِ، فقد تذكرتُ أنها بحوزتي، للزينةِ فحسب!!
كان من تلك الكتبِ التي ذكرها : كتاب صفةِ الصفوة، وكتاب حليةِ الأولياء.
ومن عجبٍ, أني وجدتُ نفسي كالعطشان يشربُ ولا يرتوي!
ولا يزال قلبه يقولُ: هل من مزيد! هل من مزيد!!
ونقلتني هذه الكتبُ من عالمي الذي أنا فيه، إلى عالمِ آخرَ أكثر رحابةٍ,، وأفسح مدى، وأروع صورة..
أهٍ,.. ! لقد مضى زمنٌ طويل، لم تتحرك فيه الدماءُ في عروقي على هذا النحو الذي أجدهُ هذه الساعة، وأنا أعيشُ هذهِ الأجواءَ مع هؤلاء الصفوة من خلقِ الله، وكان لساني يلهجُ وأنا أتقلبُ في أجواءِ كلّ منهم، أن يحشرني معهم، ويجمعني بهم، في مستقر رحمته!!!
وعلى روعةِ ما كنتُ أمرّ به في عباداتهم المختلفةِ، غير أني كنتُ أتتبعُ بتركيزٍ,، أحوالهم مع القرآنِ الكريم، وأبادرُ إلى وضعِ علاماتٍ, جانبية أمام تلك الزهرات، لأعودَ إليها بعينها دونَ غيرها، حالما أنتهي من قراءة هذه الكتبِ..
ورأيتُ ثمّ رأيتُ عجائبَ تتوالى تجعلُ إنسانَ هذا العصرِ يتقزمُ أمامَ هؤلاء العمالقة!!
وكثيراً ما كنتُ أمرّ بعيني على الحروفِ، ويرنُ في سمعي صوتُ الشيخِ، وهو يقصّ هذه القصةَ أو تلك، ويقدمُ هذا النموذج أو ذاك!!
فيكون لذلك وقعه الواضح على قلبي.. !
قال الراوي:
كانَ كثيرونَ منهم يختمونَ القرآنَ كله في عشرة أيام، ومنهم في أقلّ من ذلك......
وشعرتُ أنه قد تولدَت في عروقي همةٌ ماضية، لم أكن أعهدها في نفسي..
ووجدتُ نفسي أرددُ قول القائل:
إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا ** إن التشبهَ بالكرامِ فلاحُ!
وأدركتُ البونَ الشاسعَ بيننا وبين أولئكَ الرجال، الذين صنعَ اللهُ على أيديهم نهارَ هذه الأمة!!
كانوا يتقدمونَ باتجاه الشمسِ، ليتجاوزوها إلى الفردوسِ، حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. !!
وأدركوا أن أقصرَ طريقٍ, يختصرُ لهم كل المسافات، ويوصلهم إلى اللهِ من أقربِ سبيل، هو الإقبالُ على هذا الكتاب السماوي والعيش معه، والتفاعل مع آياته، ومحاولة أن يكونوا ترجمة عملية لمعانيه وتوجيهاته.. !
قال الراوي:
وعزمتُ أن أراجعَ نفسي، وأن أقفَ معها وقفةً جادةً، وشرعتُ أديرُ فكري المرةَ بعد المرةِ، لأصلَ إلى طريقةٍ, تعينني على إعادة المياه إلى مجاريها بين قلبي والسماء!!
قال الراوي:
وتذكرتُ كلامَ الشيخ في خاتمةِ درسهِ المبارك، وهو يقسمُ باللهِ العظيم، أنّ من حافظَ على قراءةِ خمسة أجزاء يوميا، فلا تستطيع عليه شياطينُ الأنس ولا الجن!!!
وعززَ كلام الشيخِ أني نقلتُ هذا القسم إلى أحد طلابِ العلمِ ممن أثقُ بهم، فإذا هو يطلق دفعةً من التسبيحات والتهليل والتكبير!!
ثم قال: أتعرف أن شيخنا (غير الشيخ السابق) كان يحدثنا أيضا قبل أيام، عن القرآنِ الكريم، وأقسم في ثنايا كلامهِ بالله العظيم، أن من حافظَ على قراءةِ خمسة أجزاءِ يومياً، فلا يصيبهُ همٌ ولا غمٌ، من هموم الدنيا، التي تسحقُ الإنسان تحتَ رحاها، بل يجعلها الله عليهِ بردا وسلاماً..!!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد