نحتاج إلى معجزة


 بسم الله الرحمن الرحيم

إحدى مشكلات المسلمين الكبرى في العقود الأخيرة تتمثل في الفهم القاصر للإسلام، فقد انحصر مفهومه في الأذهان ليصبح مرتبطاً بالشعائر التعبدية، أما سائر جوانب الحياة من سياسة واقتصاد وتعليم واجتماع فلم يكن له فيها نصيب.

 

ومع ظهور دعوة الإمام المجدد حسن البنا التي أحيت من جديد مفهوم شمولية الإسلام اتسع هذا المفهوم بالتدريج في الأذهان، وبخاصة في السنوات الأخيرة مع انتشار الفضائيات والشبكة العنكبوتية، ووسائل الإعلام المختلفة، ومع انتشار الصحوة الإسلامية وبلوغها الآفاق، أصبح من الطبيعي أن يدلي رجل الشارع بدلوه في كثير من القضايا، بل ويحسن الحديث عنها.

ولكن هذا التحول العظيم تجاه الفهم الصحيح للدين لم يواكبه عمل بمقتضى هذا الفهم، فالكثير يعلم ما ينبغي عليه أن يفعله لكنه لا يقدر على فعله...الكثير عنده تصور واضح عن دوره كأب، أو كزوج، أو كجار، أو كمسلم، لكنه لا يجد لديه عزيمة وهمة وقوة تدفعه لذلك، لتصبح المشكلة الكبرى التي يعاني منها المسلمون الآن هي كيفية تحويل هذا الكم من العلم إلى عمل... كيفية القيام بفعل ما يرضي الله - عز وجل -، فهو - سبحانه - يريد منا أن نغير ما بأنفسنا ليغير ما بنا ويستبدل بغضبه رضاه، ويعيد لنا مجدنا السليب.

إذن فالمطلوب الآن.. البحث عن مصدر فذ لتوليد القوة والطاقة التي تدفع صاحبها إلى تحويل العلم إلى عمل، وبالتأكيد لابد أن يكون ذلك المصدر نابعاً من داخل الشخص لا من خارجه حتى يصبح صاحبه ذاتي الحركة.

ومن خصائص هذا المصدر أنه لابد أن يسع الجميع، ويصلح للجميع باختلاف المستويات، ولا يمل منه أحد، ولا يختلف عليه اثنان.

فأين هذا المصدر؟

ألا توافقني أخي القارئ أن هذه المواصفات أقرب للخيال منها إلى الواقع... أقرب إلى المعجزة منها إلى أي شيء آخر؟

.. نعم، نحن باختصار نحتاج إلى معجزة وإلا فسيستمر الوضع على ما هو عليه، ويزداد الجانب المعرفي تضخماً، وتتسع الهوة بين العلم والعمل، وبالتالي تزداد العقوبة الإلهية علينا.

والآن هل نتضرع إلى الله ونسأله تلك المعجزة؟

وقبل أن نفعل، علينا أن نتذكر أنه قد مضى زمن المعجزات.

 

فما العمل إذن؟!

لنول وجوهنا شطر المعجزات السابقة التي أنزلها الله - عز وجل - لعل فيها ما يصلح لنا ويبث فينا الروح.. إن عصا موسى، وناقة صالح، ومعجزة عيسى - عليهم السلام - كلها معجزات مرتبطة بزمان وأشخاص وظروف أتت فيها.. ولكن بقيت معجزة واحدة لم ترتبط بزمان أو مكان أو أشخاص بذواتهم، ألا وهي القرآن، تلك المعجزة التي كتب الله لها الخلود، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وجعل سرها الأعظم في قدرتها الفذة بإذنه على بث الروح، وإحياء موات القلوب..... ألم يقل - سبحانه -: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا (الشورى: 52).

فالقرآن إذن هو الروح الذي تحتاجه قلوبنا فيوقظها من سباتها ويدفعها لفعل كل ما يرضي مولاها.

ومما يدعو للأسف أن المسلمين قد تركوا جوهر تلك المعجزة وهجروها، وانشغلوا بلفظ القرآن وشكله فقط، ولم يحاولوا الانتفاع بسره الأعظم، ولقد توارثت الأجيال هذا التعامل الخاطئ مع القرآن، لذلك فإنك لا تجد الكثير من المسلمين متحمساً ومقتنعاً بفكرة أن القرآن هو الحل لمشكلاتنا، وأنه هو الطريق الأكيد لعودة المجد للأمة، فهم يظنون أن اهتمامهم بحفظ القرآن وكثرة قراءته هو أقصى ما ينبغي عليهم فعله مع هذا الكتاب، وأن دوره الأساسي يتمثل في كونه مصدراً للثواب والبركة فقط، مع أن الأمر فوق ذلك بكثير، فدور القرآن الحقيقي شيء لا يمكن للعقل أن يدركه... إنه باختصار المصدر الذي نبحث عنه لتوليد القوة الروحية... إنه المعجزة التي ننتظرها ونبحث عنها..

فيا قومنا... يا إخواننا يا أحبابنا... القرآن بين أيدينا وينتظرنا جميعاً ليبث فينا الروح، ويدفعنا لتنفيذ برامجنا الإصلاحية.

إن القرآن نبع عظيم نحن في أمس الحاجة إليه، ولن يبخل علينا أو يحرم أحداً من بركته، ولكننا للأسف معرضون عنه، غير منتبهين لمعجزته، وإذا ما حركت أخي القارئ قدم العزم، وأقبلت على القرآن مستشعراً حاجتك إلى معجزته، وأعطيته وقتاً معتبراً من يومك، وكان هدفك من تلاوته التأثر والعمل وليس إنهاء وردك فستشعر حتماً بأثر معجزته.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply