الحمدُ للهِ وبـعدُº
إن مما ابتليت به الأمة في هذه الأيام كثرة انتشار الأحاديث الضعيفة والمكذوبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذب عليه فقال: \" مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِن النَّارِ \" رواه البخاري ومسلم.
ومن هذه الأحاديث المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث يتبادله كثير من الناس فيما بينهم عن طريق البريد الإلكتروني، وقد أرسل لي أحد الأحبة الحديث عن طريق البريد الإلكتروني وقال لي: ما رأيك فيه؟
قرأت الحديث ووجدتُ فيه عجباً، وعلامات الكذب ظاهرة واضحة عليه.
وهذا بحث في بيان الحديث، وعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلى جانب التحذير منه ومن أمثاله من الأحاديث المكذوبة الموضوعة على النبي صلى الله.
وعلى المسلم أن يتأكد من ثبوت ما ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه يقول - صلى الله عليه وسلم -: كَفَى بِالمَرءِ كَذِبًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ. رواه مسلم.
نَـــــصُ الـــــحَـــــدِيــــثِ:
عن خالد بن الوليد - رضي الله عنه - قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله: جئت أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سل عما بدا لك. قال: أريد أن أكون أعلم الناس. فقال: - صلى الله عليه وسلم - إتق الله تكن أعلم الناس. قال: أريد أن أكون أغنى الناس. فقال: - صلى الله عليه وسلم -: كن قانعاً تكن أغنى الناس. قال: أريد أن أكون أعدل الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس. قال: أحب أن أكون خير الناس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: كن نافعاً للناس تكن خير الناس. قال: أحب أن أكون أخص الناس إلى الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أذكر الله تكن أخص الناس إلى الله. قال: أحب أن يكمــــل إيماني. فقال - صلى الله عليه وسلم -: حسن خلقك يكمل إيمانك. قال: أحب أن أكون من المحسنـين. فقال - صلى الله عليه وسلم -: اعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فأنه يراك تكن من المحسنين. قال: أحب أكون من المطيعــين. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أد فرائض الله تكن من المطيعـين. قال: أحب أن ألقى الله نقياً من الذنوب. فقال - صلى الله عليه وسلم -: اغتسل من الجنابة متطهراً تلقى الله نقياً من الذنوب. قال: أحب أن احشر يوم القيامة في النور. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تظلم أحداً تحشر يوم القيامة في النـور. قال: أحب أن يرحمني ربي يوم القــيامة. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ارحم نفسك وارحم عبادك يرحمك الله يوم القيامة. قال: أحب أن تقل ذنـــــــوبي. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أكثر من الاستغفار تقل ذنـوبك. قال: أحب أن أكون أكرم النــــاس. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تشكو من أمرك إلى الخلق تكن أكرم الناس. قال: أحب أن أكون أقوى النــــاس. قال - صلى الله عليه وسلم -: توكل على الله تكن أقوى الناس. قال: أحب أن يوسع الله في الــــرزق. قال - صلى الله عليه وسلم -: دم على الطهارة يوسع الله عليك في الــرزق. قال: أحب أن أكون من أحباب الله ورسوله. قال - صلى الله عليه وسلم -: أحب ما احبه الله ورسوله تكن من أحبابهـم. قال: أحب أن أكون آمناً من سخط الله يوم القيامة. قال - صلى الله عليه وسلم -: لا تغضب على أحد من خلق الله تكن آمناً من سخط الله يوم القيامة. قال: أحب أن تستجاب دعـــــوتي. قال - صلى الله عليه وسلم -: اجتنب أكل الحرام تستجاب دعـوتك. قال: أحب أن يسترني الله يوم القـيامة. قال - صلى الله عليه وسلم -: استر عيوب إخوانك يسترك الله يوم القيامة. قال: ما الذي ينجي من الذنوب؟ أو قال: من الخطايا؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الدموع والخضوع والأمراض. قال: أي حسنة أعظم عند الله - تعالى -؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: حسن الخلق والتواضع والصبر على البلاء. قال: أي سيئة أعظم عند الله - تعالى -؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: سوء الخلق والشح المـــطاع. قال: ما الذي يسكن غضب الرب في الدنيا والآخـرة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الصدقة الخفية وصلة الرحم. قال: ما الذي يطفئ نار جهنم يوم القـــــــيامة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: الصبر في الدنيا على البلاء والمصائب.
رواه أحمد بن حنبل.
قال الامام المستغفري: ما رأيت حديثا أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث اجمع فأوعى.
وقَـــــفَـــــاتٌ مَــــعَ الـــــحَـــــدِيــــثِ:
لنا مع الحديث وقفاتٌ ألا وهي:
الـــوَقَـــفَـــةُ الأولـــى:
إن علامات الوضع على الحديث واضحةٌ ظاهرةٌ، يقول الإمام ابن القيم في \" المنار المنيف \" (ص 102) عند ذكره الأمور التي يُعرف بها كون الحديث موضوعا:
- ومنها: 19 - ما يقترن بالحديث من القرائن التي يُعلم بها أنه باطل.
وضرب مثالا بحديث: وضع الجزية عن أهل خيبر.
ثم ذكر الأوجه في كذبه ومنها:
سادسها: أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فكيف يكون قد وقع، ولا يكون عِلمُه عند حملة السنة من الصحابة، ولا تابعين وأئمة الحديث، وينفرد بعلمه اليهود؟.ا.هـ.
وحديث الأعرابي الذي معنا ينطبق عليه كلام الإمام ابن القيم، فلم يذكره أحد من أهل الكتب المعتبرة مثل السنن، والمعاجم، وغيرها.
بل انفرد به من سنذكره في الوقفة الثانية.
الـــوَقَـــفَـــةُ الـــثَـــانِـــيـــةُ:
بعد الرجوع إلى المصادر المعتبرة للبحث عن الحديث لم نجد أحدا من أهل الكتب ذكر الحديث، وبعد بذل الوسع وجد في مصدر واحد فقط، وسأنقل نص الكلام الموجود في ذلك المصدر.
جاء في كنز العمال (رقم44154) ما نصه:
قال الشيخ جلال الدين السيوطي وجدت بخط الشيخ شمس الدين ابن القماح في مجموع له عن أبي العباس المستغفري قال: قصدت مصرا أريد طلب العلم من الإمام أبي حامد المصري والتمست منه حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة، ثم عاودته في ذلك فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد: فذكر الحديث بطوله.
وكما نرى في هذا النقل من المؤخذات ما يلي:
1 - عدم عزو صاحب كنز العمال الحديث إلى مصدر من مصادر السنة المعتبرة.
2 - الرجال المذكورون في السند بعد الرجوع إلى تراجمهم في كتب الرجال لم أجد إلا ترجمة المستغفري فقط.
قال الإمام الذهبي في السير (17/564):
الإمام الحافظ المُجَوِّد المصنف، أبو العباس، جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح بن إدريس، المستغفري النَّسَفي.
... وكان محدثَ ما وراء النهر في زمانه.
مولده بعد الخمسين وثلاث مئة بيسير.
ومات بنسف سنة اثنتين وثلاثين وأربع مئة عن ثمانين سنة، - رحمه الله -. ا. هـ.
وقال الذهبي عنه في تذكرة الحفاظ (3/1102):
... وكان صدوقا نفسه لكنه يروي الموضوعات في الأبواب، ولا يوهيها... ا. هـ.
فالمستغفري متكلم فيه، فلو لم توجد إلا هذه العلة لكفى!!! ولكن هناك علل أخرى كما سيأتي.
3 - أمرُ الصيامِ للمستغفري من قِبل أبي حامد المصري لمدة سنة، وهذا أمر غريب، وأخشى أن يكون من عمل الصوفية.
4 - لم يذكر لنا المستغفري رجال السند من عند شيخه أبي حامد المصري إلى خالد بن الوليد لكي يُحكم عليهم من كلام أئمة الجرح والتعديل.
الـــوَقَـــفَـــةُ الـــثَـــالــــثــــةُ:
عزو الحديث إلى مسند الإمام أحمد بن حنبل لا يصح أبدا، بل لا يصح في أي كتاب من كتب الإمام أحمد الأخرى، والله أعلم.
الـــوَقَـــفَـــةُ الــــرَابِــــعَــــةُ:
قول المستغفري: ما رأيت حديثا أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث اجمع فأوعى. ا. هـ.
نعم، الحديث جمع محاسن الدين ولكن لا بد من ثبوت هذه المحاسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس المسألة مسألة الإعجاب بعبارات الحديث بل الأهم من ذلك كله هل ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟؟؟
وإلا لو كان الإعجاب بعبارات الأحاديث، هناك أحاديث موضوعة فيها من المعاني العظيمة ما يجعلنا نقبلها مباشرة، ولكن أحاديث النهي عن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - تجعلونا لا نقبلها ولا نعمل بها البتة.
الـــوَقَـــفَـــةُ الــــخَــــامِــــسَــــةُ:
لا يمنع أن يكون في الحديث بعض الألفاظ التي جاءت عن النبي صلى الله في أحاديث أخرى، وكذلك لا يمنع أن يكون الحديث تجميع لعدد من الأحاديث بعضها صحيح والآخر ضعيف أو موضوع، ويقوم بهذا التجميع بعض الوضاعين والقُصاص.
أرجو بعد هذه الوقفات أن أكون قد وفقت في بيان كذب الحديث على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن كان له إضافة، أو تعليق، أو تعقيب فأكون له من الشاكرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد