الإجلال لفوائد وتأصيلات من كتاب \ ميزان الاعتدال \


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعد:

إن من الكتب التي يشار إليها بالبنان في الجرح والتعديل كتاب \" ميزان الاعتدال في نقد الرجال \" للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 هـ).

 

فقد حوى هذا الكتاب إلى جانب علم الجرح والتعديل فوائد جمة، وتعليقات نفيسة للحافظ الذهبي.

 

يقول الإمام الذهبي عن كتابه \" ميزان الاعتدال \" (4/616):

ألفته في أربعة أشهر إلا يومين من سنة أربع وعشرين وسبع مئة ثم … عليه غير مرة وزدت حواشي في أربع سنين. ا. هـ.

 

وقد وجدت من خلال قراءتي للكتاب فوائد كثيرة أحببت وضعها لكي يستفيد منها طلبة العلم وغيرهم.

 

ورتبت هذه الفوائد حسب سير الكتاب من المجلد الأول، وقد يكون هناك تعليق على بعض ما يورده الإمام الذهبي - رحمه الله -.

 

مقدمة الكتاب:

ثناء الإمام الذهبي على بعض الكتب المؤلفة في الضعفاء:

قال الذهبي (1/2): … والعقيليº وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء.ولأبي حاتم بن حبان كتاب كبير عندي في ذلك.

 

ولأبي أحمد بن عدي كتاب الكاملº هو أكمل الكتب وأجلها في ذلك، وكتاب أبي الفتح الأزدي، وكتاب أبي محمد بن أبي حاتم في الجرح والتعديل، والضعفاء للدارقطني، والضعفاء للحاكم، وغير ذلك.

 

وقد ذيل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي بكتاب لم أرَه، وصنف أبو الفرج بن الجوزي كتابا كبيرا في ذلك كنتُ اختصرته أولا، ثم ذيلت عليه ذيلا بعد ذيل. ا. هـ.

 

وأسماء الكتب التي أشار إليها الذهبي مع أسماء المؤلفين كما يلي:

1 - كتاب \" الضعفاء الكبير \" لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي (ت 322 هـ) مطبوع.

 

2 -كتاب \" المجروحين من المحدثين \" للحافظ محمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) مطبوع.

 

3- كتاب \" الكامل في ضعفاء الرجال \" للإمام الحافظ أبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني (ت 365 هـ) مطبوع.

 

4- كتاب \" الضعفاء \" لمحمد بن الحسين أبي الفتح الأزدي (ت 367 هـ).

 

5- كتاب \" الضعفاء والمتروكين \" لعلي بن عمر الدارقطني (ت 385 هـ) مطبوع.

 

6- كتاب \" الضعفاء \" لمحمد بن أحمد بن أبي أحمد الحاكم (ت 378 هـ).

 

7- كتاب \" الذيل على الكامل \" لمحمد بن طاهر أبي الفضل المقدسي (ت 507 هـ).

 

8- كتاب \" الضعفاء والمتروكين \" لعبد الرحمن بن علي أبي الفرج بن الجوزي (ت 597 هـ) مطبوع.

 

9- كتاب \" ذيل ديوان الضعفاء والمتروكين \" للذهبي مطبوع.

 

حرف الألف:

1 - كلام الذهبي في أبي الفتح الأزدي:

قال الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن إسحاق المدني (1/5):

… وقال أبو الفتح الأزدي: متروك.

قلت: لا يترك، فقد وثقه أحمد والعجلي، وأبو الفتح يسرف في الجرح، وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين، جمع فأوعى، وجرح خلقا بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المتكلم فيهº وسأذكره في المحمدين. ا. هـ.

 

والحافظ الذهبي تكلم في أبي الفتح الأزدي في ميزان الاعتدال، ومواضع من كتبه الأخرى.

 

قال الذهبي عن كتابه في الميزان (3/523): وله كتاب كبير في الجرح والضعفاء، عليه فيه مؤاخذات. ا. هـ.

 

وقال في السير (16/348): وعليه في كتابه \" الضعفاء \" مؤاخذات، فإنه ضعف جماعة بلا دليل، بل قد يكون غيره وثقهم. ا. هـ.

 

وقال في تذكرة الحفاظ (3/967): له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قوي النفس في الجرح، وهى جماعة بلا مستند طائل. ا. هـ.

 

وقال في ميزان الاعتدال (1/61): لا يُلتف إلى الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقا. ا. هـ.

 

وقال في السير أيضا (13/389) في ترجمة الحارث بن محمد بن أبي أسامة وقد ضعفه الأزدي: وهذه مجازفة، ليت الأزدي عَرَف ضعف نفسِه. ا. هـ.

 

2 - ضعف حديث: \" استَحيُوا مِن اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ... الحديث \".

قال الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن إسحاق المدني (1/5):

 

عَن بنِ مَسعُودٍ, قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : استَحيُوا مِن اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ... الحديث. أخرجه الترمذي، والصباح واهٍ,. ا. هـ.

 

أخرجه الترمذي الترمذي (2458)، وأحمد (1/387).

 

قال الترمذي عقب الحديث: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، إِنَّمَا نَعرِفُهُ مِن هَذَا الوَجهِ مِن حَدِيثِ أَبَانَ بنِ إِسحَقَ عَن الصَّبَّاحِ بنِ مُحَمَّدٍ,. ا. هـ.

 

والصباح بن محمد قال عنه ابن حبان في المجروحين (1/377): كان ممن يروي عن الثقات الموضوعات.

 

وقال عنه الذهبي في \" الميزان \" (2/306): رفع حديثين هما من قول عبد الله. ا. هـ.

 

ومقصوده هذا الحديث، وحديث آخر وهو: إن الله قسم بينكم أخلاقكم.

 

والحديث حسنه الألباني كما في صحيح الترغيب والترهيب (1724، 2638، 3337).

 

وضعفة العلامة أحمد شاكر في تخريجه للمسند (3671).

 

فـائـدةٌ:

قال الشيخ العلامة أحمد شاكر (5/246 ح 3671):

ورواه الحاكم في المستدرك ولكن سمى رواية \" الصباح بن محارب \"! وهو خطأ عجيب، فليس للصباح بن محارب رواية في هذا الحديث، ولا هو من هذه الطبقة، بل هو متأخر عن الصباح بن محمد، ثم الحديث حديث الصباح بن محمد دون شك. وأعجب منه أن يوافقه الذهبي على ذكر \" الصباح بن محارب \" وعلى تصحيح الحديث. ا. هـ.

 

3 - حكم رواية المبتدع، والتفصيل فيها:

قال الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن إسحاق المدني (1/5، 6):

فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع وحَـدٌّ الثقة العدالة والإتقان؟

 

فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة؟

وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق. فلو رُدَّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويةº وهذه بينة.

 

ثم بدعة كبرىº كالرفض الكامل والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة.

 

وأيضا فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأموناº بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارُهمº فكيف يُقبل نقلُ من هذا حاله! حاشا وكلا.

 

فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا - رضي الله عنه -، وتعرض لسبهم.

 

والغالي في زماننا وعُرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال مُعَثّر. ا. هـ.

 

رواية المبتدع فصل فيها الشيخ عبد الكريم الخضير في كتابه \" الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به \" (ص 159 165) وأنقله بنصه:

اختلف العلماء في الرواية عن المبتدعة كالمرجئة، والقدرية، والخوارج، والرافضة، وغيرهم، وفي الاحتجاج بما يروونه على أقوال:

- الأول: يرى جماعة متن أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقاº وذلك لأنهم إما كفار، وإما فساق بما ذهبوا إليه، وكل من الكافر والفاسق مردود الرواية.

 

وقد روي هذا القول عن الإمام مالك، والقاضي أبي بكر الباقلاني، واختاره الآمدي، وجزم به الحاجب.

 

واحتج لهذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجا لأمره، وتنويها بذكره.

 

وقد رد الحافظ ابن الصلاح هذا الرأي، وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة.

 

- الثاني: يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة، سواء كانوا فساقا أو كفارا بالتأويل.

 

واختار هذا القول أبو الحسين البصري معللا بأن الظن بصدقه غير زائل.

 

وقال الحافظ ابن حجر: التحقيق أن لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ ذلك على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف.

 

- الثالث: يرى بعض أهل العلم التفصيل.

ونقل الشيخ تفصيل الذهبي الآنف الذكر.

 

- الرابع: تفصيل أيضا: إن كان داعية إلى مذهبه لم يقبل، وإلا قبل إن لم يرو ما يقوي بدعته، وهو مذهب أكثر العلماء، ونسبه الخطيب البغدادي لإمام أحمد، ورجحه ابن الصلاح.

 

لكن يضعف هذا الرأي رواية البخاري عن عمران بن حطان، الذي قال فيه المبرد: كان عمران رأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم. وقال ابن حجر: إنه داعية إلى مذهبه.

 

- الخامس: تفصيل أيضا: وهو إن المبتدع يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل، وإلا قبل، لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه.

 

وممن قال بهذا القول الإمام الشافعي، فقد روى عنه الخطيب البغدادي قوله: وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم.

 

وحكاه الخطيب عن ابن ليلى، وسفيان الثوري، وأبي يوسف القاضي. ونسبه الحاكم لأكثر أئمة الحديث، وقال الفخر الرازي: إنه الحق.

 

لكن قال الشيخ أحمد شاكر: وهذا المذهب فيه نظر، لأن من عرف بالكذب ولو مرة واحدة لا تقبل روايته، فأولى إن ترد رواية من يستحل الكذب.

 

والراجح:

بعد استعراض الأقوال السابقة، وما علل به أصحاب كل قول لرأيهم تبين لي رجحان ما اعتمده الحافظ ابن حجر، وهو: أن الذي ترد روايته من أنكر أمرا متواترا من الشرع، معلوما من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه. فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع قبوله. ورجحه الشيخ أحمد شاكر، وقال إنه الحق بالاعتبار، ويؤيده النظر الصحيح. ونحوه عن الشيخ محمد بخيت المطيعي، وقال: إن كان كذلك، كان كافرا قطعا. اهـ.

 

4 - معنى قول البخاري: منكر الحديث:

قال الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي (1/6):

وقال البخاري: منكر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه. ا. هـ.

 

قال ابن دقيق العيد في كتاب \" الإمام \" (2/178):

إذ فرق بين أن يقول: \" روى أحاديث منكرة \" وبين أن يقول: \" إنه منكر الحديث \"، فإن هذه العبارة تقتضي كثرة ذلك منه حتى تصير وصفا له، فيستحق بها أن لا يحتج بحديثه عندهم. ا. هـ.

 

5 - منهج الذهبي في كتابه لمن قال فيه: \" مجهول \":

قال الإمام الذهبي في ترجمة أبان بن حاتم الأملوكي (1/6):

ثم اعلم أن كل من أقول فيه مجهول ولا أسنده إلى قائلٍ, فإن ذلك هو قول أبي حاتم فيهº وسيأتي من ذلك شيء كثير جدا فاعلمه، فإن عزوته إلى قائله كابن المديني وابن معين فذلك بين ظاهرº وإن قلت: فيه جهالة أو نكرة، أو يُجهل، أو لا يُعرف، وأمثال ذلك، ولم أعزه إلى قائل فهو من قِبَلِي، وكما إذا قلت: ثقة، وصدوق، وصالح، ولين، ونحو ذلك ولم أضفه. ا. هـ.

فمن يقرأ كتاب \" الميزان \" فليتذكر منهج الذهبي في المجهول.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply