ألا فقئت أعين الظالمين !!


بسم الله الرحمن الرحيم

اطلعت على كتيب بعنوان \"ثورة في السنة النبوية\" لأديب وشاعر – لم يتخصص في علم الحديث النبوي أو علم الشريعة – تطرق في كتابه لبعض الأحاديث النبوية وقام بالتعليق عليها واستنباط بعض الفوائد الفقهية والشرعية منها!!! وحصل منه – الكاتب – بعض الهفوات والأخطاء فيما يتعلق بالحجاب الشرعي للمرأة المسلمة، وهذه نتيجة طبيعية فكما أن كل عاقل لا يرضى أن يأخذ الطب والهندسة والميكانيكا من العامي الجاهل بها، فكذلك لا يؤخذ العلم الشرعي من عوام الناس أو من غير المتخصصين فيه الذين أولوه اهتمامهم وعنايتهم، وصدق من قال: من تحدث بغير فنه أتى بالعجائب... وأحب أن أقف مع الكاتب بعض الوقفات:

الأولى/ أورد الكاتب في ثنايا تعليقه على حديث أم حرام بنت ملحان – في ذكر قصة من سيغزون على البحر من أمته – صلى الله عليه وسلم – وأنها – أم حرام – سألت الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعلها منهم فدعا لها إلى آخر القصة المشهورة – وهي في الصحيحين – ثم تحدث عن حجاب المرأة المسلمة وتطرق لذكر خلاف أهل العلم فيه ورجح القول بعدم وجوب تغطية الوجه والكفين!!! بكل تجرؤ وثقة!!! بل وتجاوز الحد المعقول والمشروع حينما ذكر أن الخلاف في المسألة ليس في حكم تغطية الوجه والكفين بل الخلاف في أمور عديدة تتعلق بالمرأة ونسب – ظلماً وجوراً وبهتاناً – إلى القائلين بوجوب ذلك أنهم يرون ما يلي:

1- أن النساء مخلوقات دون الرجال!!!

2- ليس لهن من دور سوى الإنجاب!!

3- لا يجب أن يتحركن من دار الأب أو الزوج إلا إلى القبر (ودفن البنات من المكرمات)!!

4- ثم قال: \"وفي تراثنا بيت شائع كثيراً ما يشتهد به المستشهدون، يذهب إلى أنه ليس للمرأة من حق سوى أن تجعل الرجل ينام على جنابة!!\".

5- ثم قال بعد ذلك ساخراً من العلماء القائلين بوجوب تغطية الوجه والكفين على المرأة المسلمة: \"أما الذين يرون الرأي الثاني – جماعة الجنابة – فينزعون إلى أن يحرِموا عقل المرأة من كل علم، وفكرها من كل ثقافة وأن يشلوا كل ما منحها الله سبحانه وتعالى من طاقات وإمكانيات ومواهب لتبقى تمارس دوراً يتيماً يبدأ بالجنس وينتهي بالجنس!!!.

6- ثم لمز القائلين بوجوب تغطية الوجه والكفين على المرأة المسلمة أنهم \"يرون أن في الاعتراف بحقوق المرأة إلغاء لفحولتهم!!! كما ذكر أن الجدال بين الفريقين ليس جدالاً فقهياً بقدر ما هو نزاع نفسي/ سياسي/ اجتماعي/ حضاري\"!!!.

وهذا – لعمري – جناية عظيمة على الدين وأهله بل وتطاول على شرع الله وتعدي عليه واستهزاء صارخ بأهل الفتوى في هذا البلد – الذين نصّبهم ولي الأمر – حيث أجمعوا – قاطبة – على وجوب تغطية الوجه والكفين على المرأة المسلمة كما لا نعلم بينهم خلافاً في رد ما نسبه إليهم هذا الكاتب – هداه الله – من القول بالأمور السالفة الذكر، وإني لألمس منه لغة السخرية والاستهزاء والتهكم حينما لمز أهل العلم القائلين بوجوب الحجاب على المرأة المسلمة بأنهم: (جماعة الجنابة)!!!.

والعجب لا ينقضي حينما نقف – مليّاً – مع لمز الكاتب القائلين بذلك أنهم يرون أن تبقى المرأة تمارس دوراً يتيماً يبدأ بالجنس وينتهي بالجنس!!!.

ولست أدري هل من يرى هذا الأمر هم من وقفوا صمام أمان أمام نساء المسلمين أن تنتهك حرماتهنّ فحرسوا الفضيلة وحموا الطهر وصانوا الأعراض فصنفوا الكتب وأصدروا الفتاوى وأقاموا الخطب؟ أم هم من دونوا الدواوين وألفوا القصائد في الغزل والغرام والحب والهيام فوصفوا جسد المرأة ووجهها وجيدها ونحرها وأعضائها بل وصلوا إلى أسفل وأرذل من ذلك عندما قصوا قصصهم البطولية مع كأس الخمر والغانية والليالي الحمراء، وجعلوا همهم الأول وغايتهم السامية: أن تخرج تلك المرأة العفيفة من مخدعها وخدرها، وحيائها وسترها وعفافها، وأن تكون سلعة رخيصة تتبع كل ناعق ويتمتع بها كل مشتهي ويعبث بها كل صاحب هوى!!! وأن تتبذل وتتعرى وتتكشف للغادي والرائح والعابر والمار؟؟ بل وأن تخالط الرجال الأجانب وتصاحبهم وتخادنهم في ميادين العمل المختلط فتتخذ هذا صديقاً وهذا زميلاً وذاك...؟؟

إننا يوم نطالب بحراسة الفضيلة وحماية الطهر والعفاف لنسائنا وبناتنا لسنا ندعو إلى كتب حرية المرأة المسلمة أو مصادرة حقوقها وتهميش جانبها كما يدّعي هذا الكاتب وأمثاله من المستغربين المخدوعين... لكننا نطالب بذلك لأنه هو مقتضى الغيرة الدينية والشهامة والرجولة، وقبل ذلك كله هو من التسليم الحق لله رب العالمين.

ولئن كان خلاف أهل العلم قديماً في هذه المسألة فإنه لم يحمل بعضهم على تسفيه بعض أو الحط من قيمته وشأنه كما صنع الكاتب – هداه الله – كما أن أهل العلم الذين جانبوا الصواب في هذه المسألة وأفتوا بجواز كشف الوجه واليدين لا يرون كشفه لأهاليهم وناتهم ومحارمهم ويلزمونهن بالتغطية والستر غيرة وحرصاً وخوفاً وتحسباً، بل حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن تغطيتهما – الوجه والكفين – واجبة في حال تغير الزمان وكثرت الفتن.

الثانية: استنبط الكاتب من الحديث السابق بفهمه الدقيق المتجرد من الهوى!! أن الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى دور المرأة في المجتمع (والعسكرية) ثم قال: \"وأنا به – عليه السلام – من المقتدين، ولو رغمت أنوف\" ويا ليت شعري ما أحوجنا إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع أمور حياتنا في ظاهرنا وباطننا في أقوالنا وأفعالنا وفي ذلك العز والشرف، لكن لا يمكن أن يجتزأ من هذه القصة ما يدندن حوله هذا الكاتب وغيره من الدعوة إلى إيجاد المرأة العسكرية أي: (تجنيد النساء) حيث لا يخفى ما في هذا من التعدي والمجاوزة للشرع والعقل، ويا ترى أين الصحابة والسلف عن تجنيد نسائهم وبناتهم؟؟ ولماذا تركت أمهات المؤمنين وفضليات الصحابة التجند ومصافة الرجال في المعارك والحروب أهو ترك لعمل الخير؟ وهل هذا التجنيد خير سبق الكاتب به أولئك القوم؟!! ويا ترى من المرأة العسكرية التي ينادي بها هذا الكاتب ويدعو إليها؟؟ ثم ألم يتلفت بمنة ويسرة وينظر ما حال المرأة العسكرية في الغرب؟ وكيف خسرت أنوثتها ثم خسرت بعد ذلك شرفها وعرضها فصارت ألعوبة بأيدي المعتدين أو هي تحت الابتزاز والتحرش؟؟ إن النسب المرعبة لمن فقدن شرفهن من العسكريات – وغيرهن من العاملات في الميادين المختلطة – في الغرب لتهول منها العقول وتشيب منها الرؤوس وليس هذا مقام سردها وبسطها وهي نتيجة طبيعية لا تخفى على عاقل!!! لكن كما قيل: \"الهوى يعمي ويصم\" ثم أين هو – الكاتب – عن عشرات النصوص الدالة على عدم وجوب الجهاد على المرأة المسلمة.. ألا ما أبعد فهمه عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ادعى أنه به من المقتدين!!!

ومن النصوص المبينة لهذا الأمر أنه – عليه الصلاة والسلام – استأذنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الجهاد فقال: جهادكن الحج\" رواه البخاري، وجاء فيه – أيضاً – أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: \"يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث\"؟ فأنزل الله: (وَلا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ,) (النساء: من الآية32). فدلت هذه النصوص وغيرها على عدم وجوب الجهاد على النساء، كما أن المرأة لو خرجت متطوعة مع المجاهدين فإنها ينطبق عليها ما ينطبق على المسافرة من وجوب المحرم وتحريم الاختلاط بالأجانب والخلوة بهم بالإضافة إلى الاحتشام والتستر والحياء الذي يلازمها أين ذهبت وأنّى سارت.
وإني لأعجب أن تأتي هذه الدعوة إلى (عسكرة النساء) وشباب المسلمين اليوم لم يجدوا من الوظائف والأعمال ما يسد حاجتهم ويكفل معيشتهم!!! فهلا كانت المطالبة بتوظيف الشباب وفتح المجالات العسكرية وغيرها لهم بدل هذه الدعوة الغريبة!!.

الثالث: أورد الكاتب (الفقه المحدث)!!! في ثنايا كتابه جملة من الأحاديث مدارها على بيان جواز فقء عين المطلع على عورات البيوت والناظر من فتحات الأبواب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: \"من اطلع على بيت قوم بغير إذن فقد حل لهم أن يفقئوا عينه\" وغيره من الأحاديث الصحيحة لكنه أساء إليها بتعليقه السقيم المبني على فهمه الفاسد وظنه السيئ فقال: \"ويعج العالم الإسلامي بجماعات تحطم الأبواب وتدخل المنازل عنوة بحجة منع الرذيلة والدفاع عن الفضيلة من دون أن تجد من يعاتبها فضلاً عمّن يفقأ عيونها\"!!! ولا أحسب عاقلاً يقرأ هذا الكلام ويشك أنه موجه إلى حماة الفضيلة وحراس العفاف ودعاة الطهر (رجال الحسبة) – حرسهم الله من كل سوء ووفقهم وسددهم – وقد اعتدنا أن نسمع ونقرأ مثل هذا من أصحاب الشهوات ولكن ما حاله وحالهم إلا كما قال الأول:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يصبها وأوهى قرنه الوعل
وإنني أنتهز هذه الفرصة لألفت نظر كل كاتب ومؤلف إلى أن يراقبوا واحداً إن أغفلوا مراقبته عاقبهم ولكن ليس بالفصل من العمل أو النقل من موقع إلى آخر!! لا ليس شيئاً من ذلك إنما هو بالعقاب العاجل في الدنيا، والآجل يوم يقفون بين يديه سبحانه حفاة عراة غرلاً على حد قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ) (النور:19).
وتذكر يا من سطرت مقالك بيراعك قول الأول:
وما من كاتب إلا سيفـنى
ويبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء
يسـرك في القيـامة أن تراه

أسأل الله جل وعلا أن يهدينا سبل الهدى وأن يجنبنا مواقع الردى وأن يرد إليه ضال المسلمين وأن يبطل كيد المفسدين والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply