زين العابدين علي بن الحسين


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله


نسبه رضي الله عنها
هو ابن الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه. جدته هي سيدة نساء هذه الأمة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها إبنة خير خلق الله محمد نبي الله صلى الله عليه و سلم
.
و أمه هي السيدة سلافة بنت يزدجر (آخر ملوك فارس و كانت قد اسرت هي و أختان لها في غزوة للجيش الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و حين زوجها الإمام علي بن ابي طالب لابنه الحسين رضي الله عنه قال له : \"خذها فستلد لك سيداً في العرب و سيداً في العجم و سيداً في الدنيا و الآخرة\"

مولده رضي الله عنه
ولد علي بن الحسين رضي الله عنه يوم الخميس السابع من شعبان عام 27 هــ في بيت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت الرسول صلى الله عليه و سلم

و قد سماه جده الإمام علي بن أبي طالب و يقال انه حين ولد فرح به و تهلل و أذن في أذنه كما أذن في أذن ابيه الحسين رضي الله عنه

نشأته رضي الله عنه
نشأ علي بن الحسين رضي الله عنه في بيت جدته فاطمة الزهراء و نال من رعاية جده الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه و عطفه و تعلقه به فقد كان الإمام علي رضي الله عنه حريصا على ان يبقى نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم متصلا مستمرا فكان يخشى عليه من المعارك الضارية و في معركة \"صفين\" لم يسمح الإمام علي رضي الله عنه لابنه الحسين بالاندفاع به نحو الموت

لم يكد يبلغ الرابعة من عمره حتى تعهده أبوه الحسين و عمه الحسن يحفظانه القرآن والأحاديث الشريفة و قد حفظ القرآن كاملاً في سن صغيرة ثم تعلم علوم الفقه و الدين حتى ضرب المثل بعلمه و فقهه فقد قال عنه علي بن سعيد : \"إنه أفضل هاشمي فقهاً و ورعاً \"

يوم كربلاء
كان علي بن الحسين رضي الله عنه هو الوحيد من ذكور آل البيت الذي نجا يوم كربلاء و به استمر نسل النبي صلى الله عليه و سلم فحسبك ان تعرف انه ما من أحد ينتسب الى الحسين رضي الله عنه الى يومنا هذا إلا و كان من نسل علي بن الحسين

و قد كاد جنود يزيد ان يقتلوا علي بن الحسين و هو مريض فقد أراد شمر بن ذي الجوشن ان يقتله لولا ان قال له حميد بن مسلم : سبحان الله أتقتل الصبيان و جاء عمر بن سعد و قال : لا يدخلن بيت النسوة أحد و لا يتعرض لهذا الغلام المريض أحد


وفي الكوفة أرادوا قتل علي بن الحسين رضي الله عنه خشية أن يكون شوكة في نحورهم في يوم من الايام، وفي هذا الموقف الصعب تتجلى شجاعة السيدة زينب التي احتضنت ابن اخيها و قالت لابن زياد : حسبك يا ابن زياد ما رويت من دمائنا و هل ابقيت على احدا غير هذا ؟ و الله لا افارقه فإن قتلته فاقتلني معه

و هنا يرد علي بن الحسين بشجاعة تليق بآل بيت النبي صلى الله عليه و سلم : أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة و كرامتنا الشهادة ؟

و ينكس والي الكوفة رأسه امام هذه الشجاعة النادرة و يقول للسيدة زينب رضي الله عنها : عجبا لصلة الرحم و الله إني أظنها ودت لو اني قتلتها معه، دعوه ينطلق مع نسائه فإني أراه لما به مشغولاً

قدومه رضي الله تعالى عنه الى مصر
عندما عادت السيدة زينب رضي الله تعالى عنها عقيلة بني هاشم إلى المدينة المنورة ومعها سيدات أهل البيت بالإضافة إلى الزهرة التي بقيت من صلب الإمام الحسين، علي الملقب زين العابدين رضي الله تعالى عنهما ضيق عليها الأمويون الخناق في المدينة المنورة، وخيّروها أن تذهب في أرض الله الواسعة، فاختارت مصر داراً لإقامتها ومقامها، لما سمعته عن أهلها الكرام وعن محبتهم لأهل البيت رضوان الله عليهم.

ومنذ ذلك التاريخ كانت السيدة زينب رضي الله عنها ولا تزال قبساً من نور النبوة في مصر، وما فعله أهل مصر مع السيدة زينب فعلوه مع تلك الأغصان من الدوحة النبوية المباركة،

زواجه رضي الله عنه
لما بلغ علي بن الحسين السابعة عشر من عمره تزوج من فاطمة بنت عمه الحسن بن علي بن أبي طالب و أنجبت له من الذكور : زيد و الحسن و الحسين الأصغر و عبد الرحمن و سليمان و علي و محمد الباقر و عبد الله الباهر و من الإناث \" خديجة و فاطمة و عليه و أم كلثوم

أخلاقه وفضائله وشخصيته وطباعه:

كان أفضل أهل زمانه و أعلمهم و أفقههم و أورعهم و أعبدهم و أكرمهم و أحلمهم و أصبرهم و أفصحهم ، و أحسنهم أخلاقا، و أكثرهم صدقة، و أرأفهم بالفقراء، و أنصحهم للمسلمين ، و كان معظما مهيبا عند القريب و البعيد و الولي و العدو، حتى إن يزيد بن معاوية لما أمر أن يبايعه أهل المدينة بعد وقعة الحرة على أنهم عبيد رق له لم يستثن من ذلك إلا علي بن الحسين ، فأمر أن يبايعه على أنه أخوه و ابن عمه.

ضرب الناس المثل في العلم و الحلم بزين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وكذلك في بره بوالديه و في عبادته رضي الله تعالى عنه

في طبقات ابن سعد : قالوا كان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عليا رفيعا ورعا .

و كان يحسن إلى من يسيء إليه.كان هشام بن إسماعيل أمير المدينة يسيء إليه و يؤذيه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فمر به و سلم عليه و أمر خاصته أن لا يعرض له أحد، و كان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه و يعطيه الدنانير ليلا و هو متستر فيقول لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع و يصبر فلما مات انقطع عنه فعلم أنه هو الذي كان يصله، و لما طرد أهل المدينة بني أمية في وقعة الحرة ، أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله فلم يقبل أحد أن يكونوا عنده إلا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله و أحسن إليهم مع عداوة مروان المعروفة له و لجميع بني هاشم و عال في وقعة الحرة أربعمائة امرأة من بني عبد مناف إلى ان تفرق جيش مسرف بن عقبة


قال ابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز : أن علي بن الحسين كان في مجلس عمر بن عبد العزيز يوما و قد قام من عنده فقال عمر من أشرف الناس؟ فقالوا أنتم، فقال كلا فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس أن يكونوا منه و لم يحب أن يكون من أحد.

عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه.

قصة:
وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل و أنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه قال فقالوا له نفعل و لقد كنا نحب أن نقول له و نقول قال فأخذ نعليه و مشى و هو يقول ( و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين) فعلمنا أنه لا يقول شيئا قال فخرج إلينا متوثبا للشر و هو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا و قلت و قلت فإن كنت قد قلت ما في فأنا أستغفر الله منه و إن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قال فقبل الرجل بين عينيه و قال بل قلت فيك ما ليس فيك و أنا أحق به.


و في بر الوالدين فقد قيل له : \"إنك أبر الناس بأمك و لسنا نراك تأكل معها في صفحة واحدة\" فقال : \"أخاف أن تسبق يدي إلى ما تسبق إليه عينها فأكون قد عققتها\"


و روى أحمد بن حنبل عن محمد الباقر أن علي بن الحسين كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة في كل بيت جماعة
وكانوا لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتى مات فانقطعت الأرزاق فعرفوا أنه هو ووجد مغسله على ظهرة بقعة سوداء من أثر الكيس الذي كان يحمله على ظهره.

يقول ابن عائشة : سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر إلا بعد موت علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه

و قال محمد ابن إسحاق : كان الناس من اهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم و مأكلهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يأتي ليلاً الى منازلهم فقد كان علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه يحمل جراب الخبز على ظهره في الليل ليتصدق به

و عن حلمه رضي الله تعالى عنه ان الجارية سكبت له الماء ليتوضأ فسقط الابريق من يدها على وجهه فشجه و سال الدم فقالت : إن الله يقول \"و الكاظمين الغيظ\" فقال لها : قد كظمت غيظي فقالت : \"و العافين عن الناس: فقال: عفا الله عنك فقالت : \" و الله يحب المحسنين\" فقال : \" أنت حرة لوجه الله\"

و كان يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت فأسأل الله أن يغفر لي و إن لم أكن كما قلت فأسأل الله أن يغفر لك، و حج على ناقته عشرين حجة لم يضربها بسوط، و كان لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتى إذا كان آخر شهر رمضان جمعهم و قررهم بذنوبهم و طلب منهم أن يستغفروا له الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم و يجزيهم بجوائز و ما استخدم خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أول السنة أو وسطها أعتقهم ليلة الفطر و استبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، و لقد كان يشتري السودان و ما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج فإذا أفاض أعتقهم و أجازهم

كان لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه و يشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه و قال لهم هذا علي بن الحسين فوثبوا إليه فقبلوا يده و رجله و قالوا يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا إليك يد أو لسان أما كنا قد هلكنا؟ فقال إني سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله صلى الله عليه وآله ما لا أستحق فصار كتمان أمري أحب إلي.

كان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد و كان يستقي الماء لطهوره و يخمره ( أي يغطيه) قبل أن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته و كان لا يدع صلاة الليل في السفر و الحضر، و كان يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، و كان يقول لبنيه يا بني ليس هذا عليكم بواجب و لكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها و كان إذا أتاه السائل قال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، و كان إذا مشى لا تجاوز يده فخذه و لا يخطر بيده و عليه السكينة و الوقار


حب الناس له رضي الله عنه
و مما يذكره التاريخ عن زين العابدين رضي الله عنه أنه لما حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه لكثرة الناس.

ثم اقبل علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه فافسح الناس له الطريق، ونصب لهشام منبر فقعد عليه فقال له أهل الشام : من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه فقال الفرزدق : لكني أعرفه هذا علي بن الحسين :

 



هذا الذي تعرف البطحاء وطأته**** و البيت يعرفه و الحل و الحرم

هذا ابن خير عباد الله كلهم **** هذا التقي النقي الطاهر العلم

يكاد يمسكه عرفان راحته **** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياء و يغضى **** من مهابته فما كلم إلا حين يبتسم

أي الخلائق ليست في **** رقابهم لأولية هذا أو له نعم

من يعرف الله يعرف أولية **** ذا فالدين من بيت هذا ناله الأمم

إذا رأته قريش قال قائلها **** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

و يضيف قائلاً:

بجده أنبياء الله قد ختموا فهذا ابن فاطمة إن كنت جاهله



فلما سمع هشام القصيدة غضب و سجن الفرزدق فلما علم علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه أرسل إليه بأربعة آلاف درهم فردها الفرزدق قائلاً: إنما امتدحتك بما أنت أهله

فردها زين العابدين رضي الله تعالى عنه قائلاً : خذها و تعاون بها على دهرك فإننا آل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده. عند ذلك قبل الفرزدق الدراهم

و عن إيمانه رضي الله تعالى عنه ان حريقا شب في بيته و هو ساجد يصلي فجعل من في البيت يصيحون : \" النار النار\" فما رفع رضي الله تعالى عنه رأسه حتى اطفئ الحريق فقيل له : \"أشعرت بالنار ؟\" فقال : ألهتني عنها النار الكبرى

روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن صالح بن حسان قال رجل لسعيد بن المسيب : ما رأيت أحدا أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين ؟ قال لا، قال: ما رأيت أورع منه. و في مرآة الجنان : روي عن جماعة من السلف أنهم قالوا ما رأينا أورع من علي بن الحسين منهم سعيد بن المسيب .

و عن حكمته رضي الله تعالى عنه فإن له الكثير من المقولات التي تنبض بالحكمة و منها \"من قنع بما قسم له فهو أغنى الناس\"
\"الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين\"

علي بن الحسين ووقعة الحرة:
و ذلك أن أهل المدينة وفدوا على يزيد بن معاوية بالشام فلما رأوا من أعماله و تهتكه واستهانته بالدين ما رأوا عزموا على خلعه فلما عادوا إلى المدينة أظهروا خلعه و أخرجوا عامله عليها عثمان بن محمد بن أبي سفيان و حصروا بني أمية في دار مروان ثم أخرجوهم من المدينة

قال الطبري فوجه يزيد إليهم اثني عشر ألفا مع مسلم بن عقبة المري فإن هلك فالحصين بن نمير السكوني و قال له إذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا و أنظر علي بن الحسين فاكفف عنه و استوص به خيرا و ادن مجلسه فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه و علي لا يعلم بشيء مما أوصى به يزيد بن معاوية.

مسلم بن عقبة قال و قد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشام آوى اليه ثقل مروان بن الحكم و امرأته عائشة بنت عثمان بن عفان و قد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد و بني أمية من المدينة كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن يفعل و كلم مروان علي بن الحسين و قال يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك قال افعل فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه و حرم مروان حتى وضعهم بينبع ثم إن عائشة بنت عثمان زوجة مروان خرجت إلى الطائف فمرت بعلي بن الحسين و هو بمال له إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية أن يشهد شيئا من أمرهم فأرسل زين العابدين ولده عبد الله معها إلى الطائف محافظة عليها فبقي معها حتى انتهت الوقعة فشكر له مروان ذلك و هذا منتهى مكارم الأخلاق و المجازاة على الإساءة بالإحسان و لا عجب إذا جاء الشيء من معدنه:



وفاته رضي الله تعالى عنه
الثابت انه رضي الله تعالى عنه دفن في البقيع في المدينة المنورة

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply