ولاية النقابة وأنواعها


 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله


نقابة الأنساب - مقدمات في النقابة
لما كانت النقابة من أمر الخلافة ورسمها ، كانت لابد أن تستمد شرعيتها من خليفة الوقت ، ولهذا ارتبطت دوماً بالخلافة عبر مر العصور في الدولة المسلمة إلى أن زالت الخلافة عن أهل الاسلام ، فلما زالت زال كثير من توابعها وأنظمتها ، ومن ذلك أمر نقابة الأنساب ، حتى لم يعد لها ذكر أو خبر عند آل البيت فضلاً عن غيرهم من عامة الناس .
وقد تكلم الفقهاء عن الجهة التي تستمد النقابة منها التولية الشرعية ، وذكروا أنها تصح من إحدى ثلاث جهات : \"
1- إما من جهة الخليفة المستولي على كل الأمور .
2- وإما ممن فوض إليهه الخليفة تدبير المور ، كوزير التفويض ، أو أمير الإقليم .
3- وإما من نقيب عام الولاية ، استخلف نقيباً جعله خاص الولاية . \" أهـ[1] .

و إذا رضي الخليفة عن النقيب فإنه يجدد له عادة بتوقيع خاص يصله من الخليفة . قال القلقشندي :\" فإن كتب بذلك لنقيب الأشراف ، كتب :\" توقيع شريف أن يستقر المجلس السامي الأميري الفلاني فلان : أدام الله تعالى علوه في نقابة الأشراف بالديار المصرية على عادة من تقدمه وقاعدته … \" أهـ[2] . ونقابة الأنساب على نوعين : نوع خاص ، و نوع عام ، يشتركان في بعض الحقوق والمهام ، ويختلفان في البعض الآخر على حسب قوة الولاية ونفوذها .

- \" النوع الأول : النقابة الخاصة \" : وهي \" أن يقتصر نظر النقيب على مجرد النقابة من غير تجاوز لها إلى حكم ، وإقامة حد ، فلايكون العلم معتبراً في شروط هذا النوع من النقابة \" . ويُلزم الفقهاء صاحب النقابة الخاصة من الحقوق على أهله من آل البيت ما يلي :\"
1- حفظ أنسابهم من داخل فيها وليس منها ، أو خارج عنها وهو منها º فيلزمه حفظ الخارج منها كما يلزمه حفظ الداخل فيها ، ليكون النسب محفوظاً على صحته ، معزواً إلى جهته .
2- أن يميز بطونهم ومعرفة أنسابهم حتى لايخفى عليه منهم بنو أب ، فيذكره على تمييز أنسابهم .
3- معرفة من يولد من ذكورهم وإناثهم ، فيثبته . ومعرفة من مات منهم فيذكره حتى لايضيع نسب المولود إن لم يثبته ، ولايدعي نسب الميت غيره إن لم يذكره .
4- أن ياخذهم من الآداب بما يضاهي شريف أنسابهم وكريم محتدهم ، لتمون حشمتهم في النفوس موفورة ، وحرمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم محفوظة .
5- أن ينزههم عن المكاسب الدنية ، ويمنعهم من المطاعم الخبيثة حتى لايستفل منهم متبذل ، ولايستضام منهم متذلل .
6- أن يكفهم عن ارتكاب المآثم ، ويمنعهم من ارتكاب المحارم ليكونوا على الدين الذي نصروه أغير ، وللمنكر الذي أزالوه انكر ، فلاينطلق بذمهم لسان .
7- أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم ، والتشطط عليهم لنسبهم ، فيدعوهم ذلك إلى المقت والبغض ، وويبعثهم على المناكرة والبعد . ويندبهم إلى استعطاف القلوب ، وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى ، والقلوب لهم أصفى .
8- أن يكون لهم عوناً في استيفاء الحقوق حتى لايضعفوا عنها ، وعوناً عليهم في اخذ الحقوق منهم حتى لايمنعوا منها ، ليصيروا لهم بالمعونة منتصفين ، وبالمعونة عليهم منصفين ، لأن من عدل السيرة فيهم : انصافهم وانتصافهم .
9- أن ينوب عنهم في المطالبة بحقوقهم العامة : من سهم ذوي القربى في الفيء والغنيمة الذي لاختص به أحدهم حتى يقسم بينهم بحسب ما أوجبه الله تعالى لهم .
10- أن يمنع الأيامى من نسآئهم أن يتزوجن بغير الأكفاء ، صيانة لأنسابهن ، وتعظيماً لحرمتهن أن يزوجن غير الولاة أو ينكحهن غير الكفاة .
11- أن يُقَوِمَ ذوي الهفوات منهم فيما سوى الحدود ، بما لايبلغ به حداً ، ولا ينهر به دماً . ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ، ويغفر بعد الوعظ زلته .
12- مراعاة وقوفهم بحفظ أصولها ، وتنمية فروعها ، و إذا لم ترد إليه جبايتها راعى الجباة فيما اخذوه ، وراعى قسمتها إذا قسموه ، وميز المستحقين لها إذا خصت ، وراعى أوصافهم فيها إذا شرطت ، حتى لايخرج منها مستحق ، ولايدخل فيها غير محق .\" أهـ[3] . تلك هي النقابة الخاصة وحقوقها على متوليها كما يقوله بعض الفقهاء ، من الحنابلة والشافعية ، وقد نقلت هذه الحقوق في كذا مرجع ، وعدَّدَها كذا مؤلف ، مما يدل على تلقي أمرها بالقبول ، وهي حقوق تجري مع حاجة آل البيت في ذلك الوقت ، فإن الادعاء لنسبهم قد كثر بشكل واضح ، وفي نفس الوقت كثرت أوقافهم وغلاتهم ، و ظهر من الأمور والمسآئل التي يحتاج آل البيت إلى العناية بها الشيء الكثير ، كانتحال طوآئف من الملاحدة الباطنية والروافض لحبهم والاعتقاد فيهم ، لقضاء مآربهم وأطماعهم . ومن هنا يُلزم العلماء متولي النقابة أن يحفظ أنسابهم ويقوم تصرفاتهم ، ويأخذهم بالآداب الشرعية ، ويحذرهم من طرق البدع المحدثة ، وينوب عنهم في حقوقهم ومطالبهم التي يستحقونها لدى الخلافة أو لدى عامة الناس .

وقد تتغير صيغة هذه الحقوق المفترضة على النقيب بحسب تغير الأحوال والأزمان ، ولاينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان كما هو مقرر في محله من كتب الفقه . وإذا غابت النقابة في زمن من الأزمان أو مكان من الأمكنة فإن المتعين على نجبآء آل البيت أو غيرهم أن يقوموا بمهامها الشرعية ، وهذا من فروض الكفاية التي قد يأثم فيها من يتوجه عليه التكليف بواجبها إذا تعطلت ، ويدخل في هذا الاعتناء بأنسابهم وضبطها ونحو ذلك ، فإن كثيراً ممن يتعانى الاشتغال بذلك ليس على ولاية من حاكم شرعي ، وإنما هو يقوم بفرض كفآئي - فإذا توفرت فيه أهلية القيام بالفرض الكفآئي أثيب على قدر النية - ، وليس هذا مختصاً بآل البيت ، بل ينبغي أن يكون هذا شأن أهل الاسلام ، إذا طُعِن لهم في نسب ، أو التاط بأنسابهم دعيُّ ، أو ضاع لهم حق من حقوقهم أو اعتدي على شيء منها ، وجب أن تكون هناك طآئفة من أهل الأهلية ممن يتعين عليهم الفرض الكفآئي كما هو مقرر في كتب الأصول ، تقوم بالمحافظة على أنساب أهل الاسلام وأعراضهم ، وارجاع الحقوق أو ما استطاعوا منها إلى أهلها ، ويأثم الجميع إلم ينبر أحد لذلك ، \" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طآئفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون \" ، والمحافظة على الأنساب والأعراض من الضرورات الخمس . 2-\" النوع الثاني : النقابة العامة \" : وهي ما تكون أعم ولاية ونفوذاً من سابقتها ، فيسند إليها من قبل الخليفة أو الوزير المفوض حقوقاً أخرى بالاضافة لما سبق من الحقوق التي تكون لصاحب النقابة الخاصة ، وكل ذلك مما يزيد في قوة متوليها و نفوذ سلطانه .

ومن تلك الحقوق التي تتميز بها النقابة العامة ما يلي : \"
1 - الحكم بين الطالبيين أو العباسيين فيما تنازعوه .
2 - الولاية على أيتامهم فيما ملكوه .
3 - إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه .
4 - تزويج الأيامى اللآئي لايتعين أولياؤهن ، أو قد تعينوا فعضلوهن .
5 - إيقاع الحجر على من جن منهم أو سفه ، وفكه إذا أفاق أو رشد .\" [4] . فيصير بهذه الخمسة حقوق عام النقابة ، وواضح من هذه الحقوق أنها لاتعطى إلا لمن ملك الأهلية ، والأهلية في الحكم والقضاء ونحو ذلك لابد فيها من اشتراط العلم بالدين والفقه بالشرع . يقول القاضي أبو يعلى عن شرط ولاية النقابة العامة :\" فيعتبر حينئذ في صحة نقابته وعقد ولايته : أن يكون عالماً ، من أهل الاجتهاد ، ليصح حكمه ، وينفذ قضاؤه \" .أهـ [5] .

وهذا لايشترط في صاحب النقابة الخاصة لعدم توقف أمرها على العلم بالشرع .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply