قتل بعض المشركين في بدر


 بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نهي النَّبيِّ أصحابَهُ عن قتلِ ناسٍ, من المشركينَ:
 

قَالَ ابنُ إسحَاقَ:وحدَّثني العبَّاسُ بن عبد الله بن معبد،عن بعضِ أهلِهِ,عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ,: أنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,قَالَ لأصحابِهِ يومئذٍ,:\"إني قَد عرفتُ أنَّ رَجِالاً مِن بني هاشمٍ, وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً،لا حاجةَ لهم بقتالِنا،فَمَن لَقِيَ منكم أحداً من بني هاشمٍ,،فلا يقتلهُ,ومَن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث ابن أسد فلا يقتلهُ،ومَن لقي العبَّاسَ بن عبد المطلب،عمَّ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-فَلَا يقتله، فإنَّه إنَّما أُخرِجَ مُستكرهاً \".  ذكره ابن كثير في تفسيره(2/327).   قال:فقال أبو حُذَيفة:أنقتلُ آباءَنا وأبناءَنا وإخوتنَا وعشيرتَنا،ونتركُ العبَّاسَ، والله لئن لقيتُهُ لألحمنَّهُ السَّيفَ قال ابنُ هشام: ويُقال: لألجمنه  السيف،قال:فبلغت رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-،فقال لعمرَ بن الخطَّاب: يا أبا حفصٍ,قال عمر: والله إنَّه لأولُ يومٍ, كَنَّاني فيه رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بأبي حفصٍ,،أيُضرَبُ وجه عمِّ رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- بالسيف ؟!،فَقَالَ عُمَرُ:يا رَسُول اللهِ،دعني فلأضرب عنقَهُ بالسَّيفِ،فو الله لقد نافق. فكان أبو حُذيفة يقول:ما أنا بآمنٍ, من تلك الكلمةِ التي قلتُ يومئذٍ,،ولا أزالُ منها خائِفاً،إلا أن تُكفِّرَها عنِّي الشَّهادةُ. فقُتِلَ يوم اليمامة شهيداً.قَالَ ابنُ إسحَاقَ:وإنَّما نَهَى رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-عَن قتلِ أبي البختريºلأنَّه كانَ أكفَّ القومِ عَن رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,وهو بمكة،وكَانَ لا يُؤذيهِ، ولا يبلغُهُ عنه شيءٌ يكرهه،وكان مِمَّن قَامَ في نقضِ الصَّحيفةِ التي كتبت قُرَيشٌ على بني هاشم وبني المطلب. فلقيه المجذَّرُ بن زياد البَلَويٌّحليف الأنصار،ثم من بني سالم بن عوف،فقال المجذر لأبي البختري: إنَّ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-قَد نهانا عن قتلِكَومع أبي البختري زميلٌ, له قد خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد،وجنادة رجل من بني ليث.واسم أبي البختري العاص،قال: وزميلي؟ فقال له المجذَّر: لا والله،ما نحن بتاركي زميلك،ما أمَرَنَا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-إلا بكَ وحدكَ،فقال:لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعاً،لا تتحدث عَنِّي نساءُ مكَّةَ أنِّي تركتُ زميلي حِرصَاً على الحياةِ.فَقَالَ أبو البختري-حين نازله المجذَّر،وأبى إلا القتالَ-يرتجزُ:

 

لن يُسلمَ ابنُ حرةٍ, زميلَه

 

  حَتَّى يموتَ أو يَرَى سبيلَه

فاقتتلا، فقتله المجذِّرُ بن زياد، وقال المجذِّرُ بن زياد في قتله أبا البختري:

 

 

إمَّـا جهلــتَ أو نسيتَ نسبي

***

فأثبــت النسبــةَ أنِّي مِن بَلـي

الطــــاعنين برمـاحِ اليزني

***

والضـاربين الكبـشَ حَتَّى يـنحني

بشِّر بِيُتـــمٍ, مَن أبوه البختري

***

أو بـشـرن بمثـلِهـا منـِّي بنـي

أنـا الذي يُقال أصلـي مِن بَلِي

***

أطعــنُ بالصَّعــدة حَتَّـى تنثنـي

وأعبِطِ القـِرنَ بعضبٍ, مشـرفي

***

أرزم للمــوتِ كـإرزام المــري

 

فــلا ترى مجـــذِّراً يفـــري فري

 

قال ابن هشام: \"المري \" عن غير ابن إسحاقَ. والمري: الناقة التي يستنزل لبنها على عُسرٍ,.  قَالَ ابنُ إسحَاقَ: ثم إنَّ المجذِّر أتى رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,فَقَالَ:والذي بعثك بالحقِّ، لقد جهدت عليه أن يستأسرَ,فآتيك به، فأبى  إلا أن يُقاتلني،فقاتلتُه فقتلته.قال ابن هشام: أبو البختري: العاص بن هشام بن الحارث بن أسد.

 

مقتل أُمية بن خَلَف:

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: حدَّثني يحيى بن عُباد بن عبد الله بن الزٌّبير،عن أبيه،قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وحدَّثنيه أيضاً عبدُ الله بن أبي بكر وغيرُهما، عن عبد الرَّحمن بن عوف قال: كان أُميةُ بن خَلَف لي صديقاً بمكة، وكان اسمي عبدَ عمرٍ,و، فتسميتُ حين أسلمتُ \" عبد الرحمن\"، ونحن بمكة فكان يلقاني إذ نحن بمكةَ فيقول: يا عبد عمرو، أرغبتَ عن اسم سمَّاكه أبواك؟ فأقول: نعم، فيقول: فإنِّي لا أعرفُ \"الرحمن\"، فاجعل بيني وبينك شيئاً أدعوك به،أمَّا أنتَ فلا تُجيبني باسمِكَ الأول،وأمَّا أنا فلا أدعوك بما لا أعرفُ،قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو،لم أُجبه. قال: فقلتُ له: يا أبا علي,اجعل ما شئتَ، قال: فأنتَ عبدُ الإله،قال: فقلت: نعم،قال: فكنتُ إذا مررتُ به، قال: يا عبدَ الإله، فأُجيبه فأتحدث معه.حَتَّى إذا كان يومُ بدرٍ,، مررتُ به وهو واقفٌ مع ابنِهِ عليِّ بن أُمية آخذٌ بيدِهِ، ومعي أدراعٌ قد استلبتُها،فأنا أحملُها.فلمَّا رآني, قال لي: يا عبد عمرو،فلم أُجبه، فقال: يا عبدَ الإله ؟ فقلت: نعم، قال: هل لك فيَّ ؟ فأنا خيرٌ لك من هذه الأدراعِ التي معك؟ قال: قلت: نعم، ها الله ذا. قال: فطرحتُ الأدراعَ مِن يدي،وأخذتُ بيده ويدِ ابنه،وهو يقولُ: ما رأيتُ كاليوم قَطٌّ، أما لكم حاجةٌ في اللبنِ؟ قال: ثم خرجتُ أمشي بهما.قال ابنُ هشام: يُريد باللبن: أنَّ مَن أسرني افتديتُ منه بإبلٍ, كثيرة اللبن.قَالَ ابنُ إسحَاقَ:حدَّثني عبدُ الواحد بن أبي عون,عن سعد بن إبراهيم,عن أبيه عبدٍ, الرحمن بن عوف،قال: قال لي أميةُ بن خَلَف،وأنا بينه وبين ابنه آخذٌ بأيديهما:يا عبدَ الإله، مَنِ الرَّجُلُ منكم المعلَّم بريشةِ نعامةٍ, في صدرِهِ ؟قال: قلتُ: ذاك حمزةُ بن عبد المطلب،قال: ذاك الذي فعلَ بنا الأفاعيلَ.قال عبد الرحمن: فو الله إني لأقودُهما,إذ رآه بلالٌ معي- وكان هو الذي يُعذِّبُ بلالاً بمكةَ على تركِ الإسلامِ،فيُخرجه إلى رمضاءِ مكة إذا حميت، فيُضجعُهُ على ظهرِه ثم يأمر بالصخرةِ العظيمة فتُوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا أو تفارق دينَ محمدٍ,، فيقول بلالٌ: أحد أحد-قال: فلمَّا رآه، قال: رأسُ الكفر أُميةُ بنُ خَلَف،لا نجوتُ إن نَجَا.قال: قلتُ: أيُ بلالُ، أبأسيري؟،قال: لا نجوتُ إن نَجَا.قال: قلتُ: أتسمعُ يا ابنَ السَّوداءِ، قال: لا نجوتُ إن نَجَا.قال: ثم صرخَ بأعلى صوتِهِ، يا أنصارَ الله،رأسُ الكفرِ أُميةُ بنُ خَلَف،لا نجوتُ إن نَجَا.قال: فأحاطُوا بنا حَتَّى جعلونا في مثلِ المِسكةِ، وأنا أذبٌّ عنه.قال: فأخلف رجلٌ السَّيفَ فضرب رجلَ ابنِهِ، فوقع وصاح أُميةُ صيحةً ما سَمعتُ مثلَها قطٌّ.قال: فقلتُ: انجُ بنفسِكَ،ولا نجاءَ بك،فو اللهِ ما أُغني عنكَ شيئاً. قال: فهبروهما بأسيافِهم حَتَّى فرغُوا منهما. قال: فكان عبدُ الرحمن يقول: يرحمُ الله بلالاً،ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.

 

مقتلُ أبي جهلٍ,:

قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وأقبل أبو جهل يومئذٍ, يرتجزُ، وهو يُقاتِلُ ويَقُولُ:

 

مـا تنقم الحربُ العوانُ منٍّ,ي

 

 بازلُ عامينِ حديـــثٌ سنّــــٍ,ى

 

لمثلِ هــذا ولـدتنــــِي أُمّــِي

قال: وضربني ابنُهُ عِكرِمَةُ على عاتقي، فطرح يدي، فتعلَّقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي، وإني لأسحبُها خلفي، فلمَّا آذتني، وضعتُ عليها قدمي،ثم تمطيتُ بها عليها حَتَّى طرحتها.قَالَ ابنُ إسحَاقَ: ثم عاش بعد ذلك حَتَّى كان زمان عثمان.ثم مرَّ بأبي جهل وهو عقير، معوِّذ بن عفراء، فضربَهُ حَتَّى أثبته، فتركه وبه رَمَقٌ. وقاتل مُعوِّذٌ حَتَّى قُتِلَ، فمرَّ عبدُ الله بن مسعود بأبي جهل،حين أمر رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- أن يُلتمسَ في القتلى،وقد قَالَ لهم رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-فيما بلغني-:\"انظروا-إن خفي عليكم في القتلى- إلى أثرِ جُرحٍ, في ركبته،فإنِّي ازدحمتُ يوماً أنا وهو على مأدبةٍ, لعبدِ اللهِ بن جدعان ونحن غُلامان،وكنت أشفَّ منه بيسيرٍ,، فدفعتُه فوقعَ على رُكبتيه فجُحِشَ في إحداهما جَحشاً لم يزل أثرُه به \".  تاريخ الطبري(2/36).  قال عبد الله بن مسعود: فوجدتُه بآخرِ رَمَقٍ,، فعرفتُهُ فوضعتُ رجلي على عُنُقه-,قال: وقد كان ضبث بي مرةً بمكةَ فآذاني ولَكَزني،ثم قلتُ له: هل أخزاك اللهُ, يا عدوَّ اللهِ؟ قَالَ:وبماذا أخزاني،أعمد من رجل قتلتمُوه،أخبرني لمنِ الدَّائرةُ اليومَ؟ قال: قلتُ: للهِ ولرسولِهِ.قَالَ ابنُ هشامٍ,: ضبث: قبض عليه ولزمه.قال ضابئ بن الحارث البُرجميٌّ:

 

فأصبحتُ مما كان بيني وبينكم

 

من الود مثلَ الضابث الماء باليد

 قال ابنُ هشامٍ,: ويُقال: أعارٌ على رجلٍ, قتلتموه، أخبرني لمن الدائرة اليوم ؟

 قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وزعم رجالٌ من بني مخزوم أنَّ ابنَ مسعود كان يقول: قال لي: لقد ارتقيتَ مُرتقى صعباً يا رُويعيَّ الغَنَمِ، قال: ثم احتززتُ رأسَهُ ثم جئتُ به رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,فقلتُ: يا رَسُولَ اللهِ،هذا رأسُ عدوِّ اللهِ أبي جهلٍ,، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-:\"آلله الذي لا إله غيره؟ \"- قال: وكانت يمينَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,قال: قلت: نعم، والله الذي لا إله غيره، ثم ألقيتُ رأسَهُ بين يدي رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- فحمدَ الله.

قال ابنُ هشام: وحدَّثني أبو عبيدة وغيرُه من أهل العلم بالمغازي: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب,قال لسعيد بن العاص ومرَّ به: إني أراك كأنَّ في نفسك شيئاً،أراك تظنٌّ أني قتلتُ أباك،إني لو قتلتُه لم أعتذر إليك مِن قتله،ولكنِّي قتلتُ خالي العاص بن هشام بن المغيرة،فأمَّا أبوكَ فإني مررتُ به،وهو يبحثُ بحث الثور بروقِهِ، فحدتُ عنه،وقصد له ابنُ عمِّه عليُّ فقتله.

قَالَ ابنُ إسحَاقَ:فلمَّا فرغَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-مِن عدوِّه,أمرَ بأبي جهلٍ, أن يُلتمسَ في القتلى.وكان أول مَن لقي أبا جهل كمَّا حدَّثني ثورُ بن يزيد،عن عكرمة، عن ابن عبَّاس،وعبد الله بن أبي بكر-أيضاً-قد حدَّثني ذلك,قَالَا:قَالَ مُعاذ بن عمرو بن الجَمُوح-أخو بني سلمة-:سَمِعتُ القومَ وأبو جهل في مثلِ الحَرَجةقال ابنُ هشام: الحَرَجة: الشَّجَرُ الملتفُ،وفي الحديث عن عمرَ بن الخطَّاب: أنَّه سأل أعرابياً عن الحَرَجة،فقال: هي شجرةٌ من الأشجار لا يُوصَل إليها-,وهم يقولون: أبو الحكم لا يُخلَص إليه. قال: فلمَّا سمعتُها جعلته من شأني، فصمدتُ نحوه فلمَّا أمكنني، حملتُ عليه فضربتُه ضربةً أطنَّت قدمَهُ بنصفِ ساقِهِ،فو الله ما شبهتُها حينَ طاحت إلا بالنَّواةِ تطيحُ من تحتِ مرضخةِ النَّوَى حين يُضرَبُ بها.

والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply