الحرب بين كِنَانةَ وقُرَيش،وتحاجُزُهم يومَ بدرٍ,:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ: ولمَّا فرغُوا من جهازهم,وأجمعوا المسير،ذكروا ما كان بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحربِ, فقالوا: إنَّا نخشى أن يأتونا مِن خلفنا،وكانت الحربُ التي كانت بين قُرَيش وبين بني بكر- كما حدثني بعض بني عامر بن لؤي، عن محمد بن سعيد بن المسيب- في ابنٍ, لحفصِ بن الأخيف أحدِ بني معيص بن عامر بن لؤي،خَرَجَ يبتغي ضالةً له بضَجَنان(2)، وهو غلامٌ حَدَثٌ في رأسه ذُؤابةٌ،وعَلَيهِ حُلةٌٌ له،وكَانَ غُلَاماً وَضِيئَاً نَظِيفَاً،فمرَّ بعامر بن يزيد بن عامر بن الملوح-أحدِ \" بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة \"-,وهو بضَجَنان,وهو سيد بني بكر يومئذٍ,،فرآه فأعجبه،فقال: مَن أنتَ يا غلام ؟ قال: أنا ابنٌ لحفصِ ابن الأخيف القرشيِّ. فلمَّا ولَّى الغُلَامُ، قال عامر بن زيد: يا بني بكرٍ,,ما لكم في قُرَيشٍ, مِن دَمٍ, ؟ قالوا: بلى,والله إنَّ لنا فيهم لدماءً، قال: ما كانَ رجلٌ ليقتل هذا الغلامَ برجلِهِ,إلا كان قد استوفى دَمَهُ.قال: فتبعه رجلٌ من بني بكرٍ,,فقتله بدمٍ, كان له في قُرَيش،فتكلَّمت فيه قُرَيش،فقال عامر بن يزيد: يا معشرَ قُرَيشٍ,،قد كانت لنا فيكم دماءٌ,فما شئتُم، إن شئتُم فأدوا إلينا ما لنا قبلكم،ونُؤدِّي ما لكم قبلنا،وإن شئتم فإنَّما هي الدِّماءُ، رَجُلٌ برجُلٍ,,فتجافوا عمَّا لكم قبلنا،ونتجافى عمَّا لنا قبلكم,فهان ذلك الغُلَامُ على هذا الحي من قُرَيشٍ,،وقالوا: صَدَقَ، رَجُلٌ برجُلٍ,.فلهَوا عنهºفلم يطلبوا به. قال: فبينما أخوه\" مكرز بن حفص بن الأخيف\" يسير بمرِّ الظَّهران، إذ نظر إلى\" عامر بن يزيد بن عامر بن الملوح\" على جَمَلٍ, له،فلمَّا رآه أقبل إليه حَتَّى أناخ به، وعامرٌ مُتوشِّحٌ سيفَهُ,فَعَلاه\"مكرز\" بسيفِهِ حَتَّى قتلَهُ،ثم خاض بطنه بسيفِهِ,ثم أتى به مَكَّةَ ،فعلَّقه من اللَّيلِ بأستارِ الكعبةِ. فلمَّا أصبحت قُرَيشٌ رأوا سيفَ\"عامر بن يزيد بن عامر\"مُعلَّقاً بأستارِ الكعبةِ،فعرفوه,فقالُوا:إنَّ هذا لسيفُ \"عامر بن يزيد\" عَدَا عليه\"مكرز بن حفص\",فقتله،فكانَ ذلكَ مِن أمرِهم.فبينما هم في ذلكَ من حربِهِم، حَجَزَ الإسلامُ بينَ النَّاسِ,فتشاغلُوا به,حَتَّى أجمعتِ قُرَيشٌ المسيرَ إلى بدرٍ,, فذكروا الذي بينهم وبين بني بكرٍ, فخافُوهم.
إبليس يُغري قُرَيشاً بالخروج:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وحدثني يزيد بن رومان،عن عُروة بن الزٌّبيرِ، قال: لمَّا أجمعت قُرَيش المسيرَ، ذكرت الذي كان بينها وبين بني بكرٍ,، فكادَ ذلك يُثنيهم،فتبدَّى لهم إبليسُ في صُورةِ\"سُرَاقة بن مالك بن جُعشَم المدلجي\"،وكانَ من أشرافِ بني كنانة،فَقَالَ لهم: أنا لَكُم جَارٌ مِن أن تأتيَكم كِنَانةُ مِن خلفِكم بشيءٍ, تكرهونَهُ,فَخَرجُوا سِرَاعاً.
خروجُ رَسُولِ اللهِِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-:
قال ابنُ هشام: خَرَجَ(يوم الاثنين)لثمان ليالٍ, خَلَون مِن شهرِ رَمَضانَ-واستعملَ عمرو بنَ أُمِّ مكتوم- ويُقَالُ اسمُهُ:عبد الله بن أم مكتوم أخا بني عامر بن لُؤي،عَلَى الصَّلَاةِ بالنَّاسِ,ثُمَّ ردَّ أبا لُبابة من الرَّوحاءِ، واستعمَلَهُ على المدينةِ.
صاحبُ اللِّواءِ:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ:ودفعَ اللِّواء إلى\"مُصعَبِ بنِ عُمَيرِ بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار\"،قال ابنُ هشام:وكانَ أبيضَ.
عددُ إبِلِ المسلمينَ:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ: وجعلَ على السَّاقةِ قيسَ بن أبي صعصعة أخا بني مازن بن النَّجَّار.
وكانت رايةُ الأنصارِ مَعَ سَعدِ بنِ مُعَاذٍ,،فيمَا قَالَ ابنُ هشامٍ,.
طريق المسلمين إلى بدر:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ:فسلك طريقه من المدينة إلى مكة،على نقب المدينة،ثم على العقيق،ثم على ذي الحُليفة، ثم على أولات الجيش.قال ابن هشام: ذات الجيش.
الرَّجُلُ الذي اعترضَ الرَّسُولَ،وجوابُ سَلَمَةَ لَهُ:
قَالَ ابنُ إسحَاقَ: ثم مرَّ على تُربان، ثم على ملَلَ، ثم غَميس الحمام من مَرَرَين، ثم على صخيرات اليمام، ثم على السيالة،ثم على فَجِّ الرَّوحاء، ثم على شنوكة، وهي الطريق المعتدلة، حَتَّى إذا كان بعرق الظبية - قال ابن هشام: الظبية: عن غير ابن إسحاقَ - لقوا رجلاً من الأعراب،فسألوه عن النَّاس فلم يجدوا عنده خبراً;فقال له النَّاس: سَلِّم على رَسُولِ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,قَالَ:أو فيكم رَسُولُ اللهِ ؟ قالوا: نعم، فسلَّمَ عليه،ثم قال: إن كنتَ رَسُولَ اللهِ، فأخبرني عمَّا في بطنِ ناقتي هذه؟!. قال له سَلَمَةُ بن سَلَامة بن وقش: لا تسأل رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,وأقبِل عليَّ،فأنا أُخبِرُكَ عَن ذلكَ،نزوتَ عليها،ففي بطنِها منك سخلةٌ(3),فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-: \"مَه،أفحشتَ عَلَى الرَّجُلِ \"، ثم أعرض عن سَلَمَةَ. سيرة ابن هشام،(3/160).
بقيةُ الطَّريقِ إلى بدرٍ,:
ونزلَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-سجسج،وهي بئرُ الرَّوحاءِ،ثم ارتحل منها،حَتَّى إذا كان بالمنصرف،ترك طريقَ مكة بيسار،وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدراً، فسلك في ناحية منها، حَتَّى جَزَعَ وادياً(4)، يُقال له رحقان،بين النازية وبين مضيق الصفراء،(ثم على المضيق)،ثم انصبَّ منه حَتَّى إذا كان قريباً من الصفراء، بعث\" بسبس بن الجهنى \"حليف بني ساعدة و\"عدي بن أبي الزغباء الجهني\" حليف بني النجار إلى بدرٍ, يتحسسان له الأخبارَ عن أبي سُفيانَ بنِ حَربٍ, وغيره.ثم ارتحل رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-,وقد قدمها.فلمَّا استقبل الصفراء،وهي قرية بين جبلين،سأل عن جبليهما، ما اسماهما ؟ فقالوا: يُقال لأحدهما،هذا مسلح،وللآخر هذا مخرئ،وسأل عن أهلهما، فقيل:بنو النار,وبنو حراق،بطنان من بني غفار,فكرههما رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-والمرور بينهما،وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما.فتركهما رَسُول اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-والصفراء بيسار, وسلك ذات اليمين على وادٍ, يُقال له ذفران،فجزع فيه ثم نزل.
استشارةُ الرَّسُولِ لأصحابِهِ:
وأتاه الخبرُ عن قُرَيش بمسيرهمºليمنعوا عيرَهم،فاستشارَ النَّاسَ وأخبرَهُم عَن قُرَيشٍ,،فقام أبو بكرٍ, الصِّدِّيقُ، فقال وأحسنَ.ثم قام عمرُ بن الخطَّاب،فقالَ وأحسنَ،ثم قام المقدادُ بن عمروٍ,,فَقَالَ:يا رَسُولَ اللهِ, امضِ لما أراكَ اللهُ،فنحنُ مَعَكَ،واللهِ لا نقولُ لكَ كَمَا قالت بنُو إسرائيلَ لموسَى:{فَاذهَب أَنتَ وَرَبٌّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} سورة المائدة (24)، ولكن اذهب أنتَ وربٌّك فقاتِلا,إنَّا معكما مُقاتلون،فو الذي بعثك بالحقِّ لو سِرتَ بنا إلى\"برك الغماد\",لجالدنا معك من دونه،حَتَّى تبلغه,فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-خَيرَاً،ودَعَا لَهُ بِهِ.
استيثاقُ الرَّسُولِ-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-مِن أمرِ الأنصارِ:
والحمد لله رب العالمين.
1 - لاط: احتبس.
2 - ضجنان: بالتحريك. ويروى بسكون الجيم. جبل على بريد من مكة وهناك الغميم في أسفله مسجد صلى فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.وقال الواقدي:وبين ضجنان ومكة خمسة وعشرون ميلاً،وهي لأسلم وهذيل وغاضرة. معجم البلدان(3/ 453).
3 - السخلة في الأصل: الصغير من الضأن,واستعارها لولد الناقة.
4 - قطعة عرضاً.