بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
كنت أظن أني اليوم سأقف كما يقف كل خطيب في يوم الجمعة ليحدّث عن أحكام شرعية أو سنن مهجورة أو موعظة ترقّق القلوب، ولكن أنَّى لي أن أتكلم وأقول: لقد قال لنا نبينا... ونحن نسمع شتيمته ونرى رسومات تنشر وهي تسخر منه، بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام؟! فكيف - يا تُرى - يطيب لنا حال ويهدأ لنا بال؟! فمعذرة يا رسول الله، ما عرفوك حق معرفتك، وما قدروك حقّ قدرك، وما أنزلوك منزلتك ومكانتك.
فحبّك ليس درسًا نتعلّمه، ولا قولاً نردّده، وليس شيئًا نتصنَّعه، بل يكفي لمن عرفك أن يؤمن بك و يحبك ويفديك بنفسه ومالهº لا تحصى فضائله، ولا تعد مزاياه، فهو خير خلق الله إنسانا، ما من صفة كمال في الناس إلا اتصف بها، ولا قبيحة إلا وتبرّأ منها، أحبه من سمع عنه، فكيف بمن عايشه وصاحبه؟!
قال ابن إسحاق: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية مستنصلاً من الصف فطعن في بطنه بالقدح وقال: \"استو يا سواد\"، فقال: يا رسول الله، أوجعتني وقد بعثك الله بالحقّ والعدل، قال: فأقدني، فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه، وقال: \"استقد\"، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: \"ما حملك على هذا يا سواد\"، قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخير.
وفي البخاري عن سهل بن سعدٍ, قال: جاءتِ امرأةٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ببُردةٍ, فقالت: يا رسولَ الله، أكسوكَ هذهِ، فأخذَها النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها فلبِسَها، فرآها عليه رجلٌ من الصحابةِ فقال: يا رسولَ الله، ما أحسَنَ هذهِ، فاكسُنيها، فقال: \"نعم\"، فلما قامَ النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - لامَهُ أصحابهُ فقالوا: ما أحسَنتَ حينَ رأيتَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أخذَها مُحتاجًا إليها ثم سأَلتَهُ إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسألُ شيئًا فيَمنَعُه، فقال: رجوتُ برَكتَها حين لَبِسَها النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - لعلِّي أُكفَّنُ فيها.
وعن جابر بن عبدِ اللهِ قال: كان جِذعٌ يقومُ إِليه النبيٌّ ، فلما وُضِعَ له المنبرُ سمعنا للجِذعِ مثلَ أصواتِ العِشارِ، حتى نَزلَ النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - فوَضَعَ يدَهُ عليهِ.
وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاء بعير فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول الله، تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: \"اعبُدوا رَبَّكُم، وَأَكرِمُوا أخاكُم، ولو كنتُ آمِرًا أَحَدًا أَن يَسجُدَ لأحَدٍ, لأمَرتُ المرأةَ أَن تَسجُدَ لِزَوجِها\" رواه الإمام أحمد.
وكان ثابت البناني - رضي الله عنه - إذا قابل أنس بن مالك - رضي الله عنه - قبَّل يده وقال: يد مسَّت يد رسول الله.
ويقول جابر بن سمرة - رضي الله عنه وأرضاه-: خرجت في ليلة قمراء مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى القمر وأنظر رسول الله ، فلهو عندي أبهى من القمر.
ووقف الصديق - رضي الله عنه وأرضاه - بعد عام من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - يحدث، ثمَّ غلبته العبرة فقطع حديثه ثلاث مراتº لا يستطيع أن يقول: قال رسول الله.
لنا الحق أن نحبه وأن نفخر باتباعه بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أحبك الصغار والكبار، والأحياء والجمادات، فماذا عسانا أن نقول؟!
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
في الجمعة الماضية تكلّمنا عمّن أساء إلى الرسول، ودعونا الله أن يشفي صدور قوم مؤمنين، ولا أستبعد أن يكون منكم مجابَ دعوة قد أمّنها.
فهذه بشائر الخير تطرق أسماعنا ابتداءً من خادم الحرمين الشريفين وفقه الله الذي استدعى السفير السعودي في الدنمارك إلى البلاد، اللهم اجزه عن أمة الإسلام خيرًا، ومتعه بموفور الصحة والعافية في طاعتك، واجعله ذخرًا للإسلام والمسلمين. ولعلَّ الكثير قد هبَّ من تجار المسلمين وآحادهم وأفرادهم لمقاطعة من اعتدوا على رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم -، فبدأت تتفاقم خسائرهم ويُراجعوا حساباتهم حرصًا على دراهمهم، فهم عُبَّاد مال.
أيها المسلمون، انصروا نبيكم، وأظهروا مناقبه وآثاره وسننه فيكم، اتبعوه تفلحوا، اقتدوا به تجدوه ينتظركم على حوضه.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمر ابتدأه بنفسه، وثنى بملائكته العالية في قدسه، وأنهى بكم أيها المؤمنون فقال: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا} لأحزاب:56.
اللهم أنت رب العالمين، أنت الواحد الأحد الفرد الصمد، أهلكت الأباطرة، وخضعت لك القياصرة، أسميت نفسك بالقهار، وأسميت نفسك بالجبار، زمام الأمور بيدك، يا من هو على نصر المؤمنين قدير، يا من لا يعلم جنده إلا هو، اللهم إنّ زرع الباطل قد نمى وحان حصاده، اللهم قيض له من الحق يدًا حاصدة تقتلع جذوره وتنتهك شروره، اللهم من سخر برسولك فاجعلهم أسفل سافلين، واجعل تجارتهم في بوار، اللهم أرسل عليهم القحط والجوع، اللهم خذهم بالسنين ونقص الأموال والأنفس، اللهم اجعل تجارتهم في بوار، أذقهم أليم عذابك وشديد عقاب، واشف صدور قوم مؤمنين...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد