ومن ذلك ما أورده الدكتور زكي مبارك في كتابه (النثر الفني) من أنه كان للعرب في الجاهلية نهضة علمية, وأدبية, وسياسية, وأخلاقية, واجتماعية, وفلسفية, كان الإسلام تاجاً لها أي أن الإسلام كان نتيجة وتاجاً لتلك النهضة لا سبباً لها. يقول: لأنه لا يمكن لرجل فرد مثل النَّبيّ محمد-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-أن ينقل أمة كاملة من العدم إلى الوجود، ومن الظلمات إلى النور, ومن العبودية إلى السِّيادةِ القاهرةِ، كل هذا لا يمكن أن يقع من دون أن تكون هذه الأمة قد استعدت في أعماقها, وفي ضمائرها, وفي عقولها بحيث استطاع (رجل واحد) أن يكوِّن منها (أمة متحدة) وكانت قبائل متفرقة، وأن ينظم علومها وآدابها بحيث تستطيع أن تفرض سيادتها, وتجاربها, وعلومها على أجزاء مهمة من آسيا, وأفريقيا, وأوروبا, في زمن وجيز, ولو كان يكفي أن يكون الإنسان نبياً ليفعل ما فعله النَّبيّ محمد-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-لما رأينا أنبياء أخفقوا ولم يصلواº لأن أممهم لم تكن صالحة للبعث والنهوض.
وهذا واحد من اتهامات التغريب والاستشراق المسمومة حملها قلم رجل مسلم اعتقد هذا الاعتقاد وتعلم في الغرب، يحاول أن يرد نهضة العرب بعد الإسلام لا إلى النبوة والرسالة وما أنزل الله على الرَّسُول من دين, ولكن إلى علوم, وآداب, وتجارب, كانت عند العرب, وأن كل ما فعله النَّبيٌّ هو أنه نظمها حَتَّى استطاع أهلها أن يسُودوا في القارات الثلاث في زمن وجيز.
يقول الدكتور \"محمد أحمد الغمراوي\": إن تاريخ العلوم في الأمة العربية بعد الإسلام معروف كما أن مقاومة العرب للنَّبيِّ ودعوته، ومحاربتهم له ولها معروفة ولكن الرجل ينكر التاريخ ويفتري تاريخاً آخر، ويزعم زعماً لا يجوز ولا يستقيم في منطق أو تفكير إلا إذا كان القرآن كلام النَّبيّ، كلام محمد العربي، لا كلام الله. عندئذٍ, فقط يعقل أن يكون العربُ على ما وصف الدكتور من نهضة, وعلم, وأدبº لأن القرآن أكثر من نهضة وعلم, وأدب, ولا يعقل إن كان كلام بشر أن يأتي صاحبه في أمة جاهلة كالتي أجمع على وجودها قبل الإسلام مؤرخو اللغة العربية من شرقيين ومستشرقين ومؤرخو الإسلام.
وهكذا نجد الدكتور \"زكي مبارك\" يهدر مقام النبوة الإسلاميّة بمقاييس المادية البحتة التي صورت له كما صورت للمستشرقين أنه من المستحيل أن تؤدي رسالة النَّبيّ محمد-صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ-في خلال بضعة عشر عاماً إلى قيام هذا الملك الباذخ، وهذا هو إنكار المعجزات, والغيبيات في فهم السِّيرة النَّبَويَّة وتاريخ الإسلام.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد