من المصادر الأصلية للسيرة النبوية:
كتب الدلائل كتب الشمائل كتب السِّيرة المختصة
كتب الدلائل:
أما كتب الدَّلائل فهي تتناولُ المعجزات والدَّلائل التي تُبيِّنُ صدقَ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-.ورغم أنَّ كتب الحديث اشتملت على أبواب في علاماتِ النٌّبوةِ وآياتها ودلائلها وخصائص الرَّسُول-صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، لكن أقدمُ مَن أفردها محمَّدُ بن يوسف الفِريابيٌّ (ت 212هـ) وهو محدِّثٌ ثقةٌ ثبتٌ في كتابه (دلائل النبوة)، ثم على بن محمد المدائني
(ت 225هـ) في كتابه (آيات النَّبيِّ)، وداود بن علي الأصبهاني ( ت 270هـ) في كتابه (أعلام النبوة)، وابن قتيبة (ت 276هـ) في مؤلفه (أعلام رسول الله)، وابن أبي حاتم (ت 327هـ) في كتابه (أعلام النبوة)، وأبو بكر ابن أبي الدٌّنيا (ت 281هـ)، وأبو عبد الله بن منده (ت 395هـ)، وأبو نُعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت430هـ) وقد طُبِعَ مختصرٌ منه، وفيه رواياتٌ كثيرةٌ ضعيفةٌ، والقاضي عبد الجبار المعتزلي ( ت 415 هـ) في كتابه (تثبيت دلائل النبوة) وهو مطبوع.
وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري ( ت432 هـ)، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي(ت 458 هـ) وكتابه مطبوعٌ، ويضمٌّ أحاديث صحيحة وحسنة وأُخرى ضعيفة وموضوعة، وقد امتدح الحافظُ الذَّهبيّ هذا الكتابَ، وأبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450هـ )وكتابه مطبوع، وأبو القاسم إسماعيل الأصفهاني ( ت535 هـ)، وعمر بن علي بن الملقِّن (ت804هـ) في كتابه (خصائص أفضل المخلوقين)، وأخيراً جلال الدِّين السٌّيوطي (ت 911هـ) في كتابه (الخصائص الكبرى) وهو مطبوع ويتناول السِّيرة والدلائل والشمائل.
وكتب الخصائص كثيرة فاقتصرت على بعضها،وليست هذه القائمة مشتملة على سائر ما أُلِّفَ ,فهناك مؤلفاتٌ أُخرى في هذا الموضوع1.
كتب الشمائل
تُعتبر كتبُ الشَّمائل مصدراً من مصادرِ السِّيرة النَّبَويَّة، وعلى الرغم من أنَّ معظم الأحاديث المتعلِّقة بشمائلِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- مثبوثةٌ في ثنايا كتب الحديث, فقد أفرد لها بعضُ أهلِ الحديثِ كُتُباً وأبواباً في مُصنَّفاتِهم. ومثالُ ذلك أنَّك تجدُ في \"صحيح البُخاريّ\" ما يُسمَّى بـ (كتاب الأدب)، و(كتاب الاستئذان) و(كتاب اللباس)، وتجد في \"صحيح مسلم\" (كتاب البر والصلة والآداب)، و(كتاب فضائل النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-)، و(كتاب اللباس والزينة) و(كتاب الزٌّهد والرقائق)، وتجد في \"سنن التِّرمذيّ\" (أبواب البر والصلة) و(أبواب الاستئذان)، وتجد في \"سنن ابن ماجه\" (كتاب الأدب) و(كتاب الزهد).
ومن أهل الحديث مَن أفرد شمائلَ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- بالتَّصنيفِ, مثل ما فعل الإمامُ التِّرمذيّ، حيث ألَّف كتاب \"الشمائل\"، الذي اختصره وحققه الشَّيخُ ناصر الدِّين الألبانيٌّ، وحققه مِن قبلِهِ الأستاذُ الدَّعَّاس، ومثل كتاب \"أخلاق النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وآدابه\" لأبي الشَّيخِ، و\"الأنوار في شمائل النَّبيِّ المختار\" للبغوي، وغيرهم2.
وكتب الشمائل تتناولُ أخلاقَ وآدابَ وصفات النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وأقدمُ مَن أفردها: أبو البختري وهب بن وهب الأسدي (ت 200هـ) في مؤلَّفِهِ (صفة النَّبيِّ)، ثم أبو الحسن علي بن محمد المدائني (ت 224هـ) في كتابه (صفة النَّبيِّ)، ثم داود بن علي الأصبهاني (ت 270هـ) في كتابه (صفة أخلاق النَّبيِّ)، كما ذكر ابنُ النديم. والحافظُ التِّرمذيّ ( ت 279هـ) في كتاب (الشمائل النَّبَويَّة والخصائص المصطفوية) وهو مطبوع.
ثم أبو الشَّيخ عبد الله بن محمد بن حيان الأصبهاني ( ت 369هـ) في كتابه (أخلاق النَّبيِّ وآدابه) وهو مطبوع.
ثم أبو سعيد عبد الله بن محمد النيسابوري (ت 406هـ) في كتاب (شرف المصطفى). ثم أبو العباس المستغفري (ت 432هـ) في كتاب (شمائل النَّبيِّ).
ثم القاضي عياض ( ت 544هـ) بعنوان (كتاب الشِّفا بتعريف حُقُوقِ المصطفى) وهو مطبوعٌ –أيضاً-، وهو كتاب جامع.وخرَّجَ أحاديثَهُ الحافظُ السٌّيوطيٌّ ( ت 911هـ) في كتابه (مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا) وهو مطبوع، وشرحه عددٌ من العلماء ,منهم: علي القاري ( ت 1014هـ) في (شرح الشفا) مطبوع، والخفاجي (ت 1069هـ) في كتابه (نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض)، ثم صنَّف الحافظُ ابنُ كثير ( ت774هـ) كتابَهُ (شمائل الرَّسُول) وهو مطبوع3.
كتب السِّيرة المختصة
أمَّا كتبُ السِّيرةِ المختصَّة فإنَّها تلي -مِن حيثُ الدِّقَّة- القرآنَ الكريمَ و الحديثَ الشَّريفَ، ومما يُعطيها قيمةً علميةً كبيرةً أنَّ أوائلَها كُتبت في وقتٍ, مُبكِّرٍ, جِدَّاً، وعلى وجه التَّحديدِ في جيلِ التَّابعين حيثُ كانَ الصَّحابة موجُودين فلم يُنكروا على كُتَّابِ السِّيرةº مما يدلٌّ على إقرارِهم لما كتبوه، وكانت محبتُهم للرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- وتعلَّقَهم به ورغبتَهم في اتباعِهِ وأخذهم بسنتِهِ في الأحكامِ سَبَباً في ذُيوعِ أخبارِ السِّيرةِ ومذاكرتهم فيها وحفظهم لها، فهي التطبيقُ العمليٌّ لتعاليمِ الإسلامِ.
وكذلك فإنَّ التبكيرَ في كتابة السِّيرةِ قلَّل إلى حدٍّ, كبيرٍ, من احتمالِ تعرضها للتحريف أو للمُبالغةِ والتَّهويلِ أو للضياعِ4.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ معظمَ أصل مادة كتب المغازي والسير، هي مروياتٌ مبثوثة في كتب السنة، حتَّى إن المحدِّثين عندما عَرَّفوا السنة، جعلوا السِّيرة جُزءاً منها. فقالُوا: (إنها كل ما أُثِرَ عن الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- من قولٍ, أو فعلٍ, أو تقريرٍ, أو صِفةٍ, خَلقيةٍ, أو خُلُقيةٍ, أو سيرةٍ,).
وكما ذكرنا عند الكلام عن كتب الحديث باعتبارِها من مصادر السِّيرةِ، لمسنا ما تُكوِّنُهُ مادةُ السِّيرةِ من أجزاء في كتب الحديث. وكشأن العلومِ الإسلاميةِ المختلفةِ التي أخذت تنفردُ بالتَّخصصِ في جوانبَ مُعيَّنةٍ,، فقد أخذَ بعضُ العلماءِ – وهم أصلاً محدثون- في إفراد السِّيرةِ باهتمامٍ, خاص وكتب خاصة.
ومن أبرز المصادرِ التي وصلت إلينا في السِّيرة:
(سيرة ابن هشام): وهي تهذيبٌ لسيرة ابن إسحق، حيث حذف ابنُ هشام منها كثيراً من الإسرائيلياتِ والأشعارِ المنتحلةِ, وأضاف إليها معلوماتٍ, في اللٌّغةِ والأنساب، مما جعلها – بعد التهذيب- تنالُ رِضا جمهورِ العلماء، فليس من مؤلَّفٍ, بعده إلا كان عِيالاً عليه. والحقٌّ أنَّ الصٌّورةَ التي تُعطيها مغازيه عن حياةِ الرَّسُولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- تقتربُ إلى حدٍّ, كبيرٍ, مما أوردتهُ كتبُ الحديثِ الصَّحيحةِ, مما يُعطي سيرتَهُ توثيقاً كبيراً. وقد شرح سيرةَ ابنِ هشامٍ, الحافظُ السٌّهيليٌّ (ت 581هـ) في كتابِهِ (الرَّوضُ الأُنُف) وهو مطبوع.
ومنها (جوامع السِّيرةِ) لابن حزم الظاهري (ت 456هـ): وقد تخلَّى عن طريقةِ ذكر الأسانيد، ولم يُشر إلى مصادرِه، ورجَّح بين الرِّوايات ,وأثبتَ في كتابِهِ ما اختارَهُ وحقق في تواريخِ الأحداثِ, وغلبت عليه طريقةُ التلخيصِ فجرَّدَ السِّيرةَ من الأشعارِ والقصصِ.
ومنها (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) لابن سيد الناس (ت 734هـ): وهو مُحدِّثٌ ثِقةٌ، وثَّقَهُ الذَّهبيٌّ وابنُ كثيرٍ,، وقد أكثرَ فيه النَّقلَ عن كتب الحديثِ إلى جانبِ كتب المغازي التي سبقتهُ، وقد ذكر مصادرَهُ في مُقدمةِ كتابِهِ.
ومنها (زاد المعاد في هدي خير العباد) لابن قيم الجوزية (ت 751هـ): وهو من أعلام العلماء في عصرِهِ، وكتابُهُ نفيسٌ في الشَّمائلِ والآدابِ والفقه والمغازي، فهو مزيجٌ من ذلك كلِّه.
ومنها (السِّيرة النَّبَويَّة) للحافظ الذَّهبيّ (ت 748هـ): وهو مؤلِّفٌ ثِقةٌ يمتلك عقليةً ناقدةً جيدةً ,وخاصة في استخدامِ قواعدِ المحدِّثين التي يُعتبر من أهلِ الاستقراءِ التامِّ فيها، وقد اقتصر على نقدِ بعضِ الرِّواياتِ في كتابِهِ هذا.
ومنها (إمتاع الأسماع) للمقريزي: وهو ثقةٌ، وقصدَ الاختصارَ وتخلَّى عن ذكرِ الإسناد، وقال السخاويٌّ -عن (الإمتاع)- : (فيه الكثيرُ مما يُنتقد).
ومنها (المواهب اللدنية بالمنح المحمدية) لأحمد بن محمد القسطلاني (ت 923هـ).
ومنها (شرح المواهب اللدنية) لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت 1122هـ).
والمواهبُ وشرحُهُ من الكتبِ الجامعةِ في الشَّمائلِ والسِّيرةِ.
ومنها (السِّيرة الحلبية) لبرهان الدِّين الحلبي (ت 841هـ): فيه حشوٌ وقصصٌ إسرائيليُّ. وقد حذفَ أسانيدَ الرِّواياتِ, واكتفى بذكرِ راوي الخبر, وشرح بعض الغريب وإضافة تعليقاتٍ, أُخرى.
ومنها (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد) لمحمد بن يوسف الدمشقي الشامي (ت 942هـ): انتخبها من أكثر من 300 كتاب.
هذا أهمٌّ ما وصل إلينا من مصادرِ السِّيرةِ، وهي كما ذكرتُ تلي من حيث الدِّقة القرآنَ الكريمَ، والحديثَ الشَّريفَ، ولكن هذا لا يعني أنَّ كلَّ ما أوردتهُ كتبُ السِّيرةِ له نفس القيمةِ من حيث الصِّحَّة، بل ولا يُشترط أن يكونَ كلٌّه صحيحاً، بل فيه الصَّحيحُ والضَّعيفُ، وينبغي عندَ دراسةِ السِّيرةِ الاعتمادُ على الصَّحيحِ أولاً ,ثم استكمال الصٌّورة بما هو حَسَنٌ أو مقاربٌ للحسن، ولا يُلجأ إلى الضَّعيف فيما له أثرٌ في العقائد أو التشريع، ولا بأسَ من الأخذِ به – عندما لا نجدُ غيرَهُ من الرِّواياتِ القوية- قيما سوى ذلك من أخبارٍ, تتعلَّق بالحثِّ على مكارمِ الأخلاقِ أو وصفٍ, لعمران أو صناعات أو زرع، أو ما شاكل ذلك.
وهذا المنهج اتبعه أهلُ الحديث أنفسُهم، قال عبدُ الرحمن بن مهدي (ت 197هـ) ((إذا روينا عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- في الحلال والحرام والأحكام شدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا في الرِّجال، وإذا روينا في الفضائلِ والثَّوابِ والعقاب سهَّلنا الأسانيدَ وتسامحنا في الرِّجال)5.
1 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (51/52).
2 - السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية د. مهدي رزق الله أحمد.ص( 19).
3 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (52/53).
4 - انظر السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة د.أكرم ضياء العمري (53).
5 - انظر:\" السِّيرة النَّبَويَّة الصحيحة\" د.أكرم ضياء العمري (53- 70).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد