مقدمة في مناهج المؤلفين في السيرة النبوي


 بسم الله الرحمن الرحيم
 
 

لقد شُغِلَ المسلمون منذُ الأيامِ الأُولى للإسلامِ بسيرةِ الرَّسُولِ مُحمَّدٍ, -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ- فاعتنَوا بتسجيلِ وقائِعها، وحرِصُوا على نقلِها دقيقةً مُوثَّقةً سواء في كتبِ الحديثِ النبويِّ أو في كتبِ السِّيرة أو كتبِ التَّاريخ العَامَّةِ. وقد اختلفت مَنَاهِجُ العُلماءِ باختلافِ عُصُورِهم وتخصصهمº فللمُحدِّثينَ منهجٌ يَتَّسِمُ بالضَّبطِ الشَّديدِ والتَّحرِّي الدَّقيق لكلِّ ما نُسِبَ إلى الرَّسُولِ-صلى الله عليه وسلم- مِن قولٍ, أو عملٍ,.

 

وللمُؤرِّخينَ وكتَّابِ السِّيرةِ النَّبَويَّة مناهجُ مُستقاةٌ مِن مناهجِ المحدِّثينº ولا غَرَابَةَ في هذا, فإنَّ دراسةَ التَّاريخ قد نشأت في بيئةِ أهلِ العلمِ التي كان قِوَامُ اهتمامِها الحرصَ على جمعِ الحديثِ النبويِّ والسِّيرةِ العطرةِ . ولذا احتكمَ الإخباريونَ والمُؤرِّخونَ إلى مناهجِ المحدِّثين وأساليبِهم في نقلِ الوقائعِ والأحداثِ التَّاريخيةِ مُعتمدِينَ على الأسانيدِ والرِّواياتِ، ولكن على نحوٍ,ٍ, يختلفُ في تفاصيلِهِ وظروفِ تطبيقِهِ ودوافعِهِ عن مناهجِ أهلِ الحديثِ.

 

ولاشكَّ أنَّ السِّيرةَ النَّبَويَّة مِن أهمِّ مجالاتِ الدِّراسةِ التي عُنِيَ بها المسلمونَ قديماً وحديثاً، وستظلٌّ موضعَ عنايةٍ, بإذنِ اللهِº لأنَّ سيرتَهُ -عليه الصَّلاة والسَّلام- تنفيذٌ عمليُّ للتشريعِ الرَّبانيِّ وبيانٌ لأحكامِهِ. ومِن هُنا تعددتِ المصادرُ التي نَقَلَت السِّيرةَ النَّبَويَّة وتنوَّعت مناهجُها. وظهرت في كلِّ عصرٍ,ٍ, دراساتٌ في السِّيرةِ النَّبَويَّة تتخذُ طوابعَ مختلفةًº فمنها ما يَحرِصُ على اختصارِ السِّيرةِ، ومنها ما يُعنَى بالدٌّروسِ الدِّينيةِ والتَّربويةِ المُستقاةِ منها، ومنها ما يطمحُ إلى التحققِ من بعضِ الوقائعِ والأقوالِ والأحوالِ .... إلى غيرِ ذلكَ.

إنَّ غِنَى السِّيرةِ التي تُسجِّلُ حياةَ خيرِ البشريةِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ذُو أثرٍ, واضحٍ, في تنوعِ النَّظراتِ والمناهجِ والاستنباطاتِº فكلٌّ قارئٍ, للسِّيرةِ يجدُ فيها من جوانبِ الإعجازِ النبويِّ ما يروقُهُ. ولِذا فسوفَ تظلٌّ السِّيرةُ مَعِيناً لا ينضبُ مهما كَثُرَ عليه الواردونَ، ونهَلَ من نبعِهِ النَّاهِلونَ 1.

 


 


1 - انظر تقديم كتاب \"السِّيرة النَّبَويَّة في ضوء المصادر الأصلية\" للدكتور مهدي رزق الله أحمد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply