الكُتّاب والسّياسة في العصر العباسيّ الأوّل – الجزء الثاني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الكُتّاب والسّياسة في العصر العباسيّ الأوّل – الجزء الثاني

 

وكان اهتمام الكتّاب في مجال السياسية منصبّاً على الناحية العملية لنظام الحكم والإدارة، أكثر من الاهتمام بالجانب الفلسفي العلمي، كما هي الحال عند الفلاسفة في (السياسة المدنية)، أو الجانب الديني الذي يُقَيّد السياسة بالشريعة، في (السياسة الشرعية).

وحاولوا أن يمزجوا بين أسس الدين ومبادئه في الحكم، وبين المعارف المستمدة من الأمم الأخرى، وكذلك بين متطلبات السياسة العمليةº إذ أن لها تقاليدها المتوارثة وأصولها الخاصة، التي يجدر بالحاكم أن يعلمها، ولذلك يزخر أدبهم بفيضٍ, من الحكم والنصائح والوصايا المبثوثة في الرسائل والخطب والعهود السياسية والمؤلفات المختلفة، التي تدور في فلك السلطان وما يتصل به من بقاء المُلك والحفاظ عليه وعدل الحاكم، وإحسانه إلى رعيته، والتزامه بالأخلاق الواجبة لاستمرار حكمه، من مثل: تأخير العقوبة والأناة والصبر ومنح العطايا وسياسة الجند وما إلى ذلك، كما يتوجّه أدب الكتّاب إلى الكتّاب أنفسهم فيوصيهم بالسلوك السوي تجاه حكّامهم مما يكفل لهم علوّ المنزلة ودوامها، وكذلك الأمر فيما يخصّ الحجّاب والوزراء والقوّاد ومن لفّ لفّهم من رجال الدولة.

وأيّاً كان الأمر، فإن الفكر السياسي الذي قدّمه الكُتّاب كان من أهم الأزواد الثقافية للخلفاء والولاة والأمراء، كما كان تحصيله وَكدَ الكاتب وغايته الأساسية قبل أن يرشّح نفسهº لكي يكون كاتباً في الدواوين، وبعد أن يصبح كاتباً أيضاًº ليدلّ بسعة معرفته، ومدى كفايته، في هذا الميدان، وشعوبية على العرب في أحايين أخرº إذ يعتدّ بعض الكتّاب الفرس وعهودهم ووصاياهم وأخبار ملوكهمº إشارة منهم إلى أنهم أصحاب حضارة ضاربة الجذور، عميقة الفِكر. كما ألف بعضهم في مثالب العرب، وتتبع نقائصهم وعيوبهم، كما في كتابات أبي عبيدة، معمر بن المثنى (ت 210 هـ)، والهيثم بن عدي (ت نحو 207 هـ)(44).

وتجدر الإشارة إلى أن الكتابات التي يطلق عليها (مرايا الأمراء) تأتي في طليعة الفكر السياسي الذي أبدعه الكتّاب في هذا العصر، أو قبله بقليل، ويقصد بها النصائح السياسية التي يُسديها الكاتب إلى الحاكم أو وليّ عهدهº لكي يكون سياسياً ناجحاً وتقوم على قاعدة أخلاقية، مرتبطة بالدين، وتلقى هذه الكتابات احتفاء بالغاً،

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply