بسم الله الرحمن الرحيم
زعم بعض الناس أن العقيدة لم يعرفها الإنسان على ما هي عليه مرة واحدة، وإنما ترقت وتطورت خلال قرون سحيقة أطلقوا عليها \" عصور ما قبل التاريخ \"، \" والعصور الحجرية \" حيث لم يعرف الإنسان البدائي في زعمهم له رباً ولا معبودا ً، ثم نشأت لديه عاطفة التدين لما رأى الحيوانات تخشى القوى الخفية، وتخاف البرق والرعد، فظل يبحث عن معبود يشعر نحوه بالولاء والتقديس مهما كانت صورة هذا المعبود الذي يتوجه إليه بالحب والرهبة، فالتمسه في الشمس والقمر والكواكب، حتى في الأشجار والحيوانات، وقد تطور من وثنية إلى وثنية إلى أن اكتشف التوحيد من تلقاء نفسه، أي أن الدين في زعم هؤلاء هو نتاج العقل البشري واختراعه.
ويفهم من هذه المزاعم:
أولاً: أن الإنسان الأول كان أقرب إلى الحيوان، وأنه خُلق خلقاً ناقصاً غير مؤهل لأن يتلقى الحقائق العظمى كاملة، وأنه طبقاً للنظرية الداروينية الفاشلة كائن تطور عن غيره، وعليه فليس لتكليف هذا الإنسان ولا لاستخلافه في الأرض معنى.
ثانياً: أنه كان مشركاً بطبيعته، والأصل في فطرته النزوع إلى الشرك والوثنية، وبناء على ذلك: زعموا أن الأصل في عقيدة البشر العقيدة الفاسدة، ثم طرأ التوحيد عليها، حيث أن الدين الداعي إلى التوحيد جاء متأخراً عن وجود الإنسان على ظهر الأرض في زعمهم.
ثالثاً: أنه سعى بجهده وعقله في البحث عن معبود، وأن أفكاره تطورت ذاتياً بناء على تجاربه دون توجيه رباني يهديه ويرشده، إلى أن اكتشف الدين بنفسه دون معلم يعلمه، وأنه كما ترقى في العلوم والصناعات، ترقى كذلك في معرفة الله - تعالى -.
رابعاً: أن قروناً طويلة مرت على البشرية وهي لا تعرف لها رباً ولا معبوداً، لكن كلما تقدم الزمن ترقت في مفهومها للدين وتطورت، وعليه فإن من جاءوا بعد آدم كانوا على دين أكمل منه، والقرون المتأخرة كانت أقرب للفهم الصحيح من الأمم المتقدمة.
[وتأسيساً على هذه المزاعم قاموا بمعالجة تواريخ الأمم التي سبقت بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بما في ذلك تاريخ أوربا على أنه تاريخ وثني جاهلي محض، لا أثر فيه لوجود الله، ولا لدين هو الإسلام طلب الله من البشرية أن تعتنقه، ولا لنظام ولا لشرع رباني طلب الله من بني آدم أن يخضعوا حياتهم له، ولا وجود لرسل أرسلوا من قِبَل الله - عز وجل -، يطلبون من الناس عبادة الله وحده بدون شريك، أي انتفاء التكليف الرباني لبني البشر.
والنموذج لذلك، يتضح لنا، من كيفية معالجة المستشرقين لتاريخ مصر والعراق وبلاد الشام والجزيرة العربية منذ أقدم الدهور، والتي أسقطت تماماً أي دعوة إلى الإسلام حملها رسل الله في حياة الأمم التي سكنت تلك البلاد، وبهذا أصبحت جميع الأمم بلا استثناء تنظر إلى هذه الفترة من تاريخها على أنها خُلِقَت وتُرِكت هملاً، فلم تكن تعرف لها رباً، ولا ترتضى لنفسها ديناً، ليس هذا فحسب، بل راحوا يرددون أن الأصل في عقيدة أهل تلك الأقطار: الوثنيةº وأنهم تطوروا في وثنيتهم من التعدد إلى التثنية إلى التوحيد، وأن أول الموحدين في مصر من تلقاء نفسه في التاريخ هو الفرعون أخناتون \" أمنحتب الرابع \" الذي كان يعبد القوى الكامنة وراء إله الشمس آتون، وأن عبادته هي الحقيقة والدين الصحيح، وأن فكرته قد انتـقلت إلى بلاد العراق حيث أقام إبراهيم دينه، أي أن إبراهيم هو مؤسس الإسلام أي أنه ليس وحياً من عند الله!!!
وتأكيداً لهذه المزاعم، حرص علماء الآثار من المستشرقين على طمس أي قرينة أثرية أو ملامح تاريخية تؤكد أن الله - سبحانه وتعالى- فطر البشرية على الإسلام، وارتضاه لها ديناً، وبه بعث الرسل، وعندما تظهر قرينة رغماً عنهم تؤكد أصالة خط توحيد الله في حياة البشر راحوا يعزونها إلى تطور الفكر البشري، فهم يزعمون أن الإنسان قد تطور في معتقده كما تطور في صناعته.
وأصحاب منطلق التجاهل والتجهيل بالإسلام لا يستندون إلى دليل سوى الجهل، والجهل لا يصلح أن يكون دليلاً]. ا هـ [انظر.. الإسلام دين الله في الأرض وفي السماء \" للدكتور جمال عبد الهادي، - حفظه الله -، ص (26)]
وفيما يلي، نلقي هذه النظرة على:
مسالك الباحثين عن نشأة التدين في الوجود
يقول الدكتور أحمد بن ناصر الحمد - حفظه الله -: \" إن الطريق الذي يسلكه جمهور الباحثين للوصول إلى هذا المطلب هو التنقيب عن أديان الأمم القديمة، أو أديان الأمم المعاصرة غير المتحضرة، ويعتبر هؤلاء نهاية ما يعلمونه في القدم من أديان البشرº وما عليه الأمم الأشد تخلفاً من ممارسات دينية صورة مطابقة لما كان عليه الإنسان الأول!
ومصادر هؤلاء في إثبات آرائهم بالنسبة للأديان القديمة النقوش والرمم التي يستوحون منها ما يزعمونه قطعياً، ولما كانت تلك مصادرهم، اختلفت آراؤهم.
فذهب فريق، إلى أن الدين بدأ بصورة الخرافة، وأن الإنسان أخذ يترقى في دينه على مدى الأجيال حتى وصل إلى الكمال فيه بالتوحيد، كما تدرج في علومه وصناعاته، حتى زعم بعضهم أن عقيدة
\" الإله الأحد \" عقيدة حديثة، وليدة عقلية خاصة بالجنس السامي، ونادى بهذه النظرية أنصار المذهب التطوري، الذي ساد في أوروبا في القرن التاسع عشر في أكثر من فرع من فروع العلم.
وذهب فريق آخر إلى القول: بفطرية التوحيد وأصالته، وأثبتوا أن عقيدة الخالق الأكبر هي أقدم ديانة ظهرت في البشرية.
وقد رد أنصار هذا المذهب على القائلين بالمذهب التطوري مع أن مسالكهما في الوصول إلى تحديد بداية الدين واحدة، وهي دراسة الشعوب المتأخرة والأمم الغابرة.
وبالنظر إلى مسالك القوم في إثبات العقيدة الدينية، يتبين خطؤها، من حيث الغاية والوسيلة، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله -: \" أما من حيث الغاية التي يهدف إليها البحث، وهي تحديد الأصل الأصيل للعقيدة والمظهر التي ظهرت به في أول الأزمنة بإطلاق، فلأن هذه المنطقة
\" البدائية المحضة \" قد اعتبرها العلم شُقّةً حراماً حظرها على نفسه، وأعلن بصراحة خروجها عن حدود عمله … ومؤرخو الديانات على الخصوص معترفون، بأن الآثار الخاصة بديانة العصر الحجري وما قبله لا تزال مجهولة لنا جهلاً تاماً، فلا سبيل للخوض فيها إلا بضرب من التكهن والرجم بالغيب.
وأما من حيث المنهج، وهو الاستدلال على ديانة الإنسانية الأولى بديانة الأمم المنعزلة المتخلفة عن ركب المدنية، فلأنه مبني على افتراض أن هذه الأمم كانت منذ بدايتها على الحالة التي وصل إليها بحثنا، وأنها لم تمر بها أدوار متقلبة، وهو افتراض لم يقم عليه دليل، بل الذي أثبته التاريخ، واتفق عليه المنقبون عن آثار القرون الماضية، هو أن فترات الركود والتقهقر التي سبقت مدنياتها الحاضرة، كانت مسبوقة بمدنيات مزدهرة، وأن هذه المدنيات قامت بدورها على أنقاض مدنيات بائدة قريبة، أو بعيدة، في أدوار تتعاقب على البشرية.. فمن العسير أن نحكم بصفة قاطعة أن الخرافات القديمة، بداية ديانات، كما يمكن أن يكون تحللاً، وتحريفاً لديانة صحيحة سابقة مزقت أهلها الحروب، أو أفسدتهم المؤثرات الاجتماعية، فقلت عنايتهم بأصول دينهم فضاع، وبقى تعلقهم بأشياء منه محرفة، أو مغلوطة، بهذا يظهر مبلغ ثبات الفرض الذي بنيت عليه البحوث الحديثة كلها، وأنها أُسست على جُرُفٍ, هارِ لا تطمئن عليه الأقدام \" ا هـ.
ومما يوضح بطلان هذه الطريقة التي سلكها أصحاب المذهبين للوصول إلى معرفة هذا الأمر المهم بالنسبة للبشرية، أن القدر الذي عرف من تاريخ البشرية وبين عصر نشأتها لا تزال الثغرة فيه واسعة لم تُسَدَّ، ولن تُسَدَّ، إذا لم يقل أحد: \" إن الوقائع المفقودة الوثائق يمكن إثباتها على وجه قاطع بمثل هذا الضرب من التخمين اعتماداً على مجرد حسن المقابلة، وجمال التناسق بينها، وبين الوقائع المعروفة \"، دون تثبت من حصول التشابه بين تلك العصور، حتى يتم القياس على وجه صحيح ودقيق.
وأما الاستدلال بالآثار من النقوش، أو الحفريات، ثم استنطاق الرمم فأمر يحتاج إلى كثير من التأمل، وكل من كان له قلب يدرك مدى اختلاف تفسيرات الناس للأشياء المعينة المشاهدة في وقت واحد، فكيف الحال بتفسيرات المتأخرين بقرون طويلة لأحوال أولئك المتقدمين وأعمالهم؟ كما أن تعبيرات الناس عن الصور الحية متباينة كل التباين، فكيف هي عنها بعد أن رَمّت؟!
هذا فيما يتعلق بمستند الرأيين على حد سواء، ويزيد المذهب التطوري في كونه مبنياً على افتراض آخر، وهو: أن الملكات والأحاسيس الروحية كالقوى البدنية، والمكتسبات العقلية، والتجريبية، فكما أن الإنسان ينتقل في نموه البدني من الضعف إلى القوة، وفي نموه العقلي من الجهالة إلى المعرفة، قد يلوح أنه بدأ حياته الروحية بالسخف والخرافة، ولم يصل إلى العقيدة السليمة إلا بعد جهد وعناء.
وقد انتُقِد هذا القياس، بأن المشاهد من حياة الناس الروحية، عدم التوافق في كل أدوارها جنباً إلى جنب مع حياتهم المادية، بل إنهما يسيران في طريقين متعارضين ككفتي الميزان لا ترتفع إحداهما إلا انخفضت الأخرى، وقليل من التأمل يهدي إلى أن محاولة قياس الأديان على الفنون والصناعات إنما هو محاولة للجمع بين أمرين لا تؤلف بينهما حقيقة نوعية مشتركة، بل تتباين طبائعهما ووسائلهما، ولقد كان مقتضى الوضع السليم في تعرف ما كانت عليه بداية الأديان فيما قبل التاريخ أن نسترشد في مقارنتها بسير الديانات المعروفة منذ طفولة التاريخ إلى اليوم، فالمعروف بالاستقراء: أن كل واحدة من هذه الديانات بدأت بعقيدة التوحيد النقية، ثم خالطتها الشوائب، والأباطيل مع تقادم زمنها، فالأشبه أن تكون هذه سنة التطور في الديانات كلها.
ومن عجيب أمر الباحثين في تاريخ الأديان: أنهم يغفلون آثار الأنبياء، ويتجاهلون كتبهم، ويتعلقون بالواهي من الأدلة، ورموز الأخبار، والآثار، وتزداد الغرابة، وتعظم المصيبة حينما يكون الباحث مسلماً، ويتابع غير المسلمين في مثل هذه الأمور التي صرحت بها الرسالات السماوية، وجَلاها الدين الإسلامي بما لا يدع مجالاً للشك، سواء بالنسبة لخلق الإنسان، أو تكوينه ونظام حياته ودينه، والحكمة من خلقه ووجوده]، والله - عز وجل - يقول: {وَلاَ تَقفُ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ} … (الإسراء: 36)، ويقول - جل وعلا -: {مَا أَشهَدتٌّهُم خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلَا خَلقَ أَنفُسِهِم وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً} … (الكهف: 51).
وإذا كنا من خلال ما سبق، قد رأينا أن وسائل العلوم التي يسلكها الباحثون في تحري الحقائق لم تقدم لنا بياناً شافياً يطمئن إليه القلب، وتسكن إليه النفس عن ديانة الإنسان الأول، فما هو المصدر الصحيح الذي يمكن من خلاله أن نستشرف هذا الغيب، ونقف على وجه الصواب فيه؟
إنه الوحي الإلهي وحده، الذي يطلعنا على حقائق الماضي والحاضر والمستقبل التي تغيب عن عقولنا وحواسنا، إنه القرآن الكريم كلام الله - عز وجل - الذي { لَا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِّن حَكِيمٍ, حَمِيدٍ,} … (فصلت: 42).
القرآن الكريم وحده يوضح تاريخ العقيدة
يقول فضيلة الدكتور عمر الأشقر - حفظه الله -: \" ليس هناك كتاب في الأرض يوضح تاريخ العقيدة بصدق إلا كتاب الله - سبحانه وتعالى-، ففيه علم غزير في هذا الموضوع.
وعلم البشر لا يمكن أن يدرك هذا الجانب إدراكاً وافياً لأسباب:
الأول: أن ما نعرفه عن التاريخ الإنساني قبل خمسة آلاف عام قليل، أما ما نعرفه قبل عشرة آلاف عام فيعتبر أقل من القليل، وما قبل ذلك فيعتبر مجاهيل لا يدري علم التاريخ من شأنها شيئاً، لذا فإن كثيراً من الحقيقة ضاع بضياع التاريخ الإنساني.
الثاني: أن الحقائق التي ورثها الإنسان اختلطت بباطل كثير، بل قل ضاعت في أمواج متلاطمة في محيطات واسعة من الزيف والدجل والتحريف، ومما يدل على ذلك: أن كتابة تاريخ حقيقي لشخصية أو جماعة ما في العصر الحديث تعتبر من أشق الأمور، فكيف بتاريخ يمتد إلى فجر البشرية؟!
الثالث: أن قسماً من التاريخ المتلبس بالعقيدة لم يقع في الأرض، بل في السماء.
لذا كان الذي يستطيع أن يمدنا بتاريخ حقيقي لا لبس فيه هو الله - سبحانه وتعالى- {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخفَىَ عَلَيهِ شَيءٌ فِي الأَرضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} … (آل عمران: 5) [العقيدة نبع التربية\" ص (68 74) بتصرف].
فإذا تأملنا القرآن المجيد تجلت لنا بوضوح الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى:
أن الله - عز وجل - خلق آدم منذ البداية خلقاً سوياً مستقلاً مكتملاً، ثم نفخ فيه من روحه، وأنه خلقه لغاية محددة وهي عبادة الله وحده، وأنه - عليه السلام - خُلق مؤهلاً لذلك، وأنه عرفه على نفسه - سبحانه وتعالى- منذ البداية، ولم يتركه لفكره، ليتعرف على ربه بطريق التفكير والتأمل وهاك بيان هذه الحقيقة: يقول الدكتور أحمد بن ناصر الحمد - حفظه الله -: \"دلت آيات القرآن المجيد على أن الله - سبحانه وتعالى- خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، فتميز على الملائكة بنوع علمه، ثم أسكنه الله - تعالى - الجنة هو وزوجه. قال - تعالى -: {وَقُلنَا يَا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنهَا رَغَداً حَيثُ شِئتُمَا وَلاَ تَقرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} … (البقرة: 35) وقال - تعالى -: {وَيَا آدَمُ اسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ الجَنَّةَ فَكُلاَ مِن حَيثُ شِئتُمَا وَلاَ تَقرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} … (الأعراف: 19).
وهل يخطر في بال عاقل أن يكون هذا المخلوق المكرم، المعلم للأسماء كلها، لم يعرف الله - تعالى - وما يجب له وما يجوز في حقه، وما هو واجب العبد تجاهه، وهو يرى الملائكة يسبحون الله ويحمدونه، لا يفترون، مع أن الله - تعالى - أمره، ونهاه، وحذره هو وزوجه عندما أمرهما بسكنى الجنة والأكل منها حيث شاءا، إلا شجرة واحدة، نهاهما عنها، وحذرهما عاقبة قربها، كما أخبر - تعالى - آدم - عليه السلام - بعدوه وعدو زوجه، إبليس ـ لعنه الله ـ وأن مغبة إطاعته، خروجهما من الجنة، وحصول الشقاء لآدم ـ علبه السلام ـ قال - تعالى -: {فَقُلنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوُّ لَّكَ وَلِزَوجِكَ فَلَا يُخرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقَى}... (طه: 117) ولم يعص اللهَ - تعالى - آدمُ - عليه السلام - متعمداً، قال - تعالى -: {وَلَقَد عَهِدنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزماً}... (طه: 115) وقال - تعالى - فيما حكى من فعل إبليس: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ, فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَت لَهُمَا سَوءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبٌّهُمَا أَلَم أَنهَكُمَا عَن تِلكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيطَآنَ لَكُمَا عَدُوُّ مٌّبِينٌ}... (الأعراف: 21 22)
وبعد مخالفة آدم وحواء نهي الله - تعالى - لهما، وطاعة عدوهما، وحصول ما حصل نتيجة المعصية من بُدُو السوأة والغواية، قال - تعالى -: {فَأَكَلَا مِنهَا فَبَدَت لَهُمَا سَوآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخصِفَانِ عَلَيهِمَا مِن وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} … (طه: 121) أدرك آدم وحواء بعد الوقوع في المنهي عنه أثر المعصية، فندما على ما حصل وتوجها إلى الله - تعالى - طالبين مغفرته ورحمته معترفين بالذنب، وبظلم النفس.
قال - تعالى - مخبراً عنهما: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ} … (الأعراف: 23) وقال - تعالى -: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ, فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} … (البقرة: 37) وتلك الكلمات التي تضرع بها إلى الله - تعالى - توبة وإنابة لا تكون إلا بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وهي طريق دعائه، ومناجاته، وكان هذا قبل أن يهبطه الله - تعالى - إلى الأرض كما هو رأي بعض العلماء.
وبعد أن أهبطه الله - تعالى - إلى الأرض، ذكره بعداوة إبليس له، وأنه مصدر شر له، وأن هداه وصلاحه لا يكون إلا من الله - تعالى -، قال - تعالى -: {ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبٌّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى * قَالَ اهبِطَا مِنهَا جَمِيعاً بَعضُكُم لِبَعضٍ, عَدُوُّ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلٌّ وَلَا يَشقَى * وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيَامَةِ أَعمَى} (طه: 122 124) وقال - تعالى - حاكياً قول إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ} … (ص: 82 83) … [\" العقيدة نبع التربية \" ص (75 78) بتصرف].
الحقيقة الثانية:
أن كل مولود يولد على فطرة التوحيد [معنى الفطرة لغة: هي من \" فطر الشيء يفطره \" يشقه، وتَفَطر: تشقق، فالفطر: الشق، وجمعه فطور، ومنه فطر ناب البعير، إذا طلع، وفي التنزيل قوله - تعالى -: {إذا السماء انفطرت} أي: انشقت، وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه) … (رواه البخاري). والفطر: الابتداء والاختراع، قال - تعالى - {الحَمدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ} … (فاطر: 1) أي خالقهما ومبتدئهما، وقال بن عباس - رضي الله عنهما - \" كنت لا أدري ما {فاطر السموات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أنا بدأتها \".
الفطرة اصطلاحاً: وردت الكلمة في القرآن الكريم في قوله: {فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا}، ووردت في التنزيل بصيغ أخرى غير الصيغة المصدر، ترجع معانيها إلى الخلق و الابتداء والتشقق، وهي معانيها اللغوية كما تقدم، والصحيح الذي تؤيده الأدلة أن الفطرة اصطلاحاً هي: الإسلام]
لقد دلتنا قصة آدم - عليه السلام - على أنه كان على عقيدة التوحيد، ودل القرآن الكريم والسنة النبوية أن هذا لم يكن خاصاً بالإنسان الأول آدم - عليه السلام -، وإنما هو عام في كل مولود.
فقد قال - تعالى -: {فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لَا يَعلَمُونَ} (الروم: 30)، وقال - تعالى -: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة: 213).
[قال ابن كثير - رحمه الله -: \" فسدد وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية، ملة إبراهيم، التي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فالله - تعالى - فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره \" أهـ.
للعلماء في تفسير {لا تبديل لخلق الله} قولان:
الأول: أنها خبر بمعنى الطلب، أي لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم.
الثاني: أنها خبر على بابه، وهو أنه - تعالى - ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بينهم في ذلك. وفسر البخاري قوله {لا تبديل لخلق الله} فقال: لدين الله، واستشهد بأن قوله - تعالى - {خُلُق الأولين} يعني دين الأولين، ثم قال: \" والفطرة: الإسلام \"].
وقال - تعالى -: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاختَلَفُوا وَلَولاَ كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُم فِيمَا فِيهِ يَختَلِفُونَ} … (يونس: 19) في هؤلاء الآيات الكريمات دلالة على أن الدين الحنيف هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك هو الدين القيم الذي كان الناس عليه قبل الاختلاف، وذكر المفسرون في تفسير قوله - تعالى -: {كان الناس أمة واحدة} أن الناس بقوا عشرة قرون على الدين الحق قبل حدوث التغيير وطروء الشرك. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ \" ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الآية)... (متفق عليه)
قوله - صلى الله عليه وسلم -: \" ما من مولود \" أي ليس مولود من بني آدم \" إلا يولد على الفطرة \" أي الخلقة الإسلامية، والمراد الدين، كما في قوله - تعالى -: {فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا}، وهذه الفطرة، قيل: هي الإيمان المعهود الذي أخذ الله به على بني آدم الميثاق يوم قال لهم: {ألست بربكم؟ قالوا: بلى} وإليها يشير قوله - تعالى -: {فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي: اثبت على إيمانك القديم الواقع منك في عالم الذر يوم قال - تعالى -: {أَلَستُ بِرَبِّكُم)؟ … (الأعراف: من الآية172) وهذه الفطرة هي فطرة الإسلام والسلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة، فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو معنى \" لا إله إلا الله \"، فالقلوب مفطورة على الافتقار إلى الله، وهي لا تقنع بمحبوب سواه ولا تطمئن ولا تطمئن إلا إليه، فإذا أحبت الله - عز وجل - ووحدتهº سكنتº واطمأنت {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطمَئِنٌّ قُلُوبُهُم بِذِكرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكرِ اللّهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ} (الرعد: 28)
[ويؤيد تفسير الفطرة بالإسلام ما يلي:
أولاً: الروايات المختلفة الألفاظ المتفقة المعاني، والتي يفسر بعضها بعضاً، مثل: (ما من مولود يولد إلا وهو على الملة)، وفي أخرى: (إلا على هذه الملة) كما في \" صحيح مسلم \" رقم (2658).
ثانياً: قول أبي هريرة في آخر الحديث: اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} مما يفيد أنه فسر الحديث بالآية وقد حكى أبو عمر بن عبد البر إجماع العلماء على أن المراد بالفطرة في الآية: الإسلام.
ثالثاً: فتوى أبي هريرة - رضي الله عنه - حين سئل عن رجل عليه رقبة مؤمنة، أيجزئ عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع؟ فقال: \" نعم، لأنه ولد على الفطرة \" أي الإسلام، وقال ابن شهاب الزهري: \" يصلي على كل مولود متوفى وإن لغيةº ـ أي من ولد الزنا ـ من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام \"، وأفتى الزهري رجلاً عليه رقبة مؤمنة أن يعتق رضيعاً لأنه ولد على الفطرة، وقال الإمام أحمد: \" من مات أبواه وهما كافران، حُكم بإسلامه \"، واستدل بحديث: \" كل مولود يولد على الفطرة \".
رابعاً: أن في قوله: \" فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه \" ذكر تغيير الفطرة إلى ملل الكفر دون ملة الإسلام، فعلم أنه يتحول عن الإسلام إلى غيره، بفعل الأبوين أو غيره.
خامساً: أن في قوله: \" هل تحسون فيها من جدعاء \" إشارة إلى أن البهيمة خلقت سليمة، ثم جُدعت بعد ذلك، فكذلك الولد يولد سليماً من الكفر، ثم يطرأ عليه الكفر بعد ذلك، فالعيب الذي طرأ على البدن، يقابله العيب الذي طرأ على الدين، وهو الكفر) ا هـ. بتصرف من مقالة بعنوان \" فطر الله الخلق على الحق \" لعثمان علي حسين، مجلة \"البيان\" العدد (57) جمادى الأولى 1413 هـ].
ومثل الفطرة مع الحق كبصر العين مع الشمس، فكل ذي عين مبصرة لو تركت عينه بغير حجاب عليها فإنه يرى الشمس، والعقائد الباطلة كاليهودية والنصرانية والمجوسية مثل الحجاب على العين فهي تحول بين البصر وبين رؤية الشمس، كما أن كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في طبيعته فساد، يجعل الحلو في فمه مراً:
ومن يك ذا فم مريض *** يجد مراً به الماء الزلالا
ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام والإيمان ـ الذي هو قول، واعتقاد، وعمل ـ بالفعل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، ولكن المراد بذلك سلامة القلب، وإرادته للحق الذي هو الإسلام، بحيث لو تُرِكَ من غير أن يخضع لمؤثر خارجي من الشياطين أو من الوالدين، أو نحو ذلكº لما كان إلا مسلماً، وهذه القوة العلمية والعملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ـ ما لم يمنعها مانع كمؤثرات البيئة وتقليد الأبوين ـ هي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وينمو الطفل رويداً رويداً تبدأ هذه الفطرة تتحرك في أعماقه، وتجذبه بكل قوة نحو الحقيقة العظمى، فمِن ثَم نلاحظ أنه في مرحلة معينة يبدأ في إلقاء أسئلة تكاد لا تنتهي على والديه عما يحيط به:
من رفع السماء؟ ولماذا هي زرقاء؟ أين تذهب الشمس ليلاً؟ لماذا لا تظهر لنا في الليل؟ أين يذهب النور حين يحل الظلام؟ لماذا تتلألأ النجوم؟ أين تنتهي الأرض؟ لماذا تفوح الروائح العطرة من بعض الأزهار دون البعض الآخر؟ من أين أتيت؟ وأين كنت قبل آن آتي إلى الدنيا؟
إنها الفطرة المغروسة في أعماق نفسه تبدأ في الاستيقاظ لتتحرك، وتتعرف على خالق الكون وما فيه، وكلما نمت ملكاته وزاد علمهº كلما اطمأن قلبه بالإيمان بالله وحده، لا شريك له.
[وذلك لأن موجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئاً فشيئاً بحسب كمال الفطرة، واستعدادها، وسلامتها من المعارض، فكل مولود يولد على الإقرار بفاطره، ومحبته، والإذعان له بالعبودية، فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة، كما قال - تعالى -: {الَّذِي أَعطَى كُلَّ شَيءٍ, خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى} … (طـه: 50)، فهو - سبحانه - خلق الحيوان مهتدياً إلى حب ما ينفعه وجلبه، وبغض ما يضره ودفعه، ثم هذا الحب والبغض يحصلان فيه شيئاً فشيئاً بحسب حاجته، لكن قد يعرض لبعض الأبدان ما يفسد ما ولد عليه من الطبيعة السليمة والعادة الصحيحة، وهكذا ما ولد عليه من الفطرة، ولهذا شُبهت الفطرة باللبن، بل كانت هي اللبن في تأويل ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرض عليه ليلة الإسراء اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له: (أصبت الفطرة) أو (هديت للفطرة) فمناسبة اللبن لبدنه، وصلاحه عليه ـ دون غيره ـ كمناسبة الفطرة لقلبه، وصلاحه بها دون غيره. أ هـ [ملخصاً من \" البيان \" العدد (57) ص (17 17)].
أما الذي تفسد فطرته بعوامل البيئة المحيطة فإنه ينشأ على عقائد منحرفة أجنبية عن فطرته السوية، قال - تعالى - في المنافقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى} (البقرة: 16)، فجعل الهدى هو رأس المال الحاصل عندهم والذي منحهم الله إياه، إلا أنهم عرضوه للزوال، وخسروه حين بدلوا هذه الفطرة المستقيمة القريبة منهم، واشتروا بها الضلالة البعيدة عنهم { فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُم وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ} (البقرة: 16)، إن ذلك الحديث الشريف المتقدم ليؤكد أن الأصل في عقيدة الإنسان هو التوحيد، وأنه يولد مهيأ للعقيدة الصحيحة في فاطره وخالقه - سبحانه وتعالى-، أما الشرك فهو انحراف يطرأ على هذا الأصل، فيفسد الفطرة، وذلك بتأثير البيئة المحيطة به، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (فأبواه يهودانه) أي يجعلانه يهودياً إن كانا يهوديين، (أو ينصرانه) أي يجعلانه نصرانياً إن كانا نصرانيين، (أو يمجسانه) أي يجعلانه مجوسياً إن كانا مجوسيين، والشاهد من الحديث أن الضلال عن فطرة الإسلام ليس من المولود بل من مؤثر خارجي، فإن بلغ الحلمº وبقي منحرفاً عن دين الفطرةº بقي معه الضلال، وإذا أسلم وجهه لله - عز وجل - انتفى عنه، وعاد إلى الفطرة الإسلامية.
وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً يؤكد معنى الحديث، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (كما تنتج) أي تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) أي تامة الأعضاء، سميت جمعاء لاجتماع أعضائها، أي أن المولود يولد على الفطرة مثل نتاج البهيمة، فإنها تولد سليمة الأعضاء كاملتها (هل تحسون) أي هل تبصرون (فيها من جدعاء) أي مقطوعة الأذن أو الأنف أو الأطراف، وإنما يطرأ عليها قطع هذه الأعضاء بعد ولادتها سليمة، كذلك الأبوان الكافران يغيران فطرة ولدهما ويحسنان له العقيدة الباطلة، وهذا الذي دل عيه الحديث النبوي الشريف دل عليه الحديث القدسي الذي رواه عياض المجاشعي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبة حاكياً عن الله - عز وجل - أنه قال: (.. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)... (رواه مسلم). فقوله - تعالى - \" حنفاء \" جمع حنيف: وهو الذي يميل إلى الشيء ولا يرجع عنه، كالحنف في الرجل، وهو ميلها إلى خارجها خلقة، لا يقدر الأحنف أن يرد حنفه، والمقصود بالحنيف هنا الذي يميل عن الأديان إلى الإسلام.
والحديث يدل على أن الأصل في الآدميين هو الفطرة والتوحيد، وان الشرك عارض طارئ
\" يتبع إن شاء الله \"
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد