تواردت نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور، والتسابق في الخيرات، وتحذيرهم من سقوط الهمة، وتنوعت أساليب القرآن الكريم في ذلك: فمنا ذم ساقطي الهمة، وتصويرهم في أبشع صورة:
كما قص الله علينا من قول موسى- عليه السلام- لقومه:( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، وقال - تعالى -: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون).
وقال - تعالى - واصفاً حال اليهود الذين علموا فلم يعملوا:( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)، وقال في وصف أشباههم:( وعلمتم ما لم تعلموا) يعني علمتم فلم تعملوا، فما ذلكم بعلم، في حين امتدح يعقوب - عليه السلام - بقوله - تعالى -: (وإنه لذو علم لما علمناه) أي: يعمل بما علم.
وذم المنافقين المتخلفين عن الجهاد لسقوط همتهم، وقناعتهم بالدون، فقال في شأنهم: (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف)، وبين أنهم لسقوط همتهم قعدوا عن الجهاد، فقال:( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين) الآيات.
وشنع- عز وجل- على الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويجعلونها أكبر همهم، وغاية علمهن باعتبار هذا الإيثار من أسوأ مظاهر خسة الهمة، وبين أن هذا الركون إلى الدنيا تسفل ونزول يترفع عنه المؤمن: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).
وقال - تعالى -: (من كان يريد ثواب الدنيا) كالمجاهد يريد الغنيمة فليطلبهما، أو الأشرف منهما، كما قال - تعالى -: (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب).
وعاب حرص اليهود على حياةٍ, أي حياة ولو كانت ذليلة مهينة، فقال - عز وجل -: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة )، وحمل القرآن الكريم على المشركين الذين يعبدون آلهة مع الله باعتبار هذا الشرك من أجلى مظاهر دناءة الهمة وخبث النفس: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق)، وقال في عابدي المسيح: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) فكيف يُعبدان من دون الله؟
ومنها: أنه - تعالى - أثنى على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -: (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) الآية، وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم وجهادهم ودعوتهم إلى الله - عز وجل -، كما أوضحه - عز وجل - في قصص الأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - صلوات الله وسلامه - عليهم أجمعين. كما قص مواقف الهمة العالية عن المؤمنين من أتباع الأنبياء كما في قصة موسى - عليه السلام - : ( قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) الآية، وكما في قصة مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، وكما في قصة حبيب النجار في سورة يس، وكما في قصة داود وجالوت: (قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) إلى قوله - تعالى -: (فهزموهم بإذن الله) الآيات.
ومنها: أنه عبر عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف \"الرجال\" في مواطن البأس،فقال عز من قائل: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين)، وقال سبحانه: ( يسبح له فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) الآيات، وقال - عز وجل -: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).
ومنها: أنه أمر المؤمنين بالهمة العالية، والتنافس في الخيرات، فقال - عز وجل -: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين)، وقال سبحانه: (فاستبقوا الخيرات)، وقال: (ففروا إلى الله)، وقال سبحانه: (لمثل هذا فليعمل العاملون)، وقال: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، وامتدح أولياؤه بأنهم (يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون). وقال - تعالى -: ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى. وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً)، مع أن المعلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان، إلا أنه سبحانه نبه بنفي الاستواء ليذكر المؤمنين بما بينهما من التفاوت العظيم، ليأنف القاعد، ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه، وفي ارتفاع طبقته، ونحوه قوله - تعالى -: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليُهاب به إلى التعلم، ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم- أفاده الزمخشري-. أما السنة الشريفة: فحدث ما شئت عن علو همة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسابقهم إلى المعالي، كيف لا وقد أوصاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: \"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز\"، وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها\"، وروي عنه أنه كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: \"وأسألك العزيمة على الرشد\"، وكان يتعوذ بالله من \"العجز والكسل\"، وقال لأصحابه - صلى الله عليه وسلم -: \" إن الله - تعالى - يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها\"، وطمأن أهل الهمة العالية بأن الله- عز وجل- يمدهم بالمعونة على قدر سمو هممهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة\" الحديث، وبين أن أكمل حالات المؤمن ألا يكون له هم إلا الاستعداد للآخرة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \" من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، واتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له\". وامتدح - صلى الله عليه وسلم - قوماً بعلو همتهم فقال: \"لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس\". وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن وتوجهه إلى إقامة الطاعات وتجنب المعاصي والمخالفات وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر، فمن ذلك مثلاً قوله - صلى الله عليه وسلم - : \"لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً\". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها\"، وحذر من تعمد التباطؤ عن المسابقة إلى الطاعات، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وغن دخلها\". وعلمنا - صلى الله عليه وسلم - علو الهمة في الدعاء، فأمرنا أن نسأله - تعالى - من فضله، ولا نستعظم شيئاً في قدرة الله وجوده: فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا سأل أحدكم فليُكثر، فإنما يسأل ربه - عز وجل -\". وعن العرباض - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا سألتم الله - تعالى - فاسألوه الفردوس، فإنه سرٌّ الجنة\". أي: أفضل موضع فيها. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ (سكن، وسكت من الضعف) فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"هل كنت تدعو بشيء، أو تسأله إياه؟\" قال: \"نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا\"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"سبحان الله لا تطيقه، أو: لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟\". قال: فدعا الله له، فشفاه\". وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟\"، فقلت: \"أسألك أن تعلمني مما علمك الله\"، قال: فنزعت نمرة على ظهري، فبسطتها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى القمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه، قال: \"اجمعها، فصرها إليك\"، فأصبحت لا أسقط حرفاً مما حدثني\". ويروى أنه جاء رجل إلى زيد بن ثابت - رضي الله عنه -، فسأله عن شيء، فقال له زيد: (عليك أبا هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله - تعالى -، ونذكره، إذ خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى جلس إلينا، فسكتنا، فقال:\" عودوا للذي كنتم فيه\"،قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال:\" اللهم إني أسألك ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علماً لا ينسى\"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"آمين\"، فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله - تعالى - علماً لا ينسى\"، فقال: سبقكم بها الغلام الدوسي\"). وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يوماً فقال: \" عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي ومعه الرهط، والنبي وليس معه أحد، فرأيت سواد كثيراً سد الأفق، فرجوت أن يكون أمتي، فقيل: \" هذا موسى في قومه\"، ثم قيل لي: \"انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً قُدامهم يدخلون الجنة بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون\"، فقام عُكاشة بن محصن، فقال: \"ادع الله أن يجعلني منهم\" قال: \"اللهم اجعله منهم\"، ثم قام رجل آخر، فقال: \"ادع الله أن يجعلني منهم\"،قال:\"سبقك بها عُكاشة\". فهكذا كانوا-رضي الله عنه- لا تلوح منقبة أخروية، ولا فضيلة دينية إلا صعدوا إليها، واستشرفوا لها، وتنافسوا فيها. ثبت في الصحاح وغيرها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: \"لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسولهن ليس بفرار، يفتح الله على يديه\"، فبات الناس يدوكون (أي: يخوضون، ويموجون فيمن يدفعها إليه، يقال: \"وقع الناس في دوكة ودوكة\": أي في خوض واختلاط.) أيهم يُعطاهن حتى قال عمر: \"ما أحببت الإمارة إلا يومئذ\"، فلما أصبح أعطاها علياً، ففتح الله على يديه\". وعن ربيعة بن كعب - رضي الله عنه - قال: (كنت اخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاري، فإذا كان الليل أويت إلى باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبت عنده، فلا أزال أسمعه يقول: \"سبحان الله، سبحان الله، سبحان ربي\"، حتى أملن أو تغلبني عيني فأنام، فقال يوماً: \"يا ربيعة سلني فأعطيك؟\"،فقلت ك \"أنظرني حتى أنظر\"، وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة، فقلت: \"يا رسول الله أسألك أن تدعو لي أن ينجيني الله من النار، ويدخلني الجنة\" فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: \"من أمرك بهذا؟\" قلتك \"ما أمرني به أحد، ولكني علمت أن الدنيا منقطعة فانية، وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه، فأحببت أن تدعو الله لي\" قال: \"إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود\" ولفظ مسلم: \"كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته بوضوئه وحاجتهن فقال لي: \"سلني\" فقلت: \"أسألك مرافقتك في الجنة\" قال: \"أو غير ذلك\" قلت: \"هو ذاك\"، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود\". وعن عطاء بن رباح قال: \"قال لي ابن عباس - رضي الله عنهما -: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلتك بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي\" قال: \"عن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله - عز وجل - أن يعافيك\" قالت: \"أصبر\" قالت: \"فإني أتكشف،فادع الله أن لا أتكشف\"، فدعا لها). ومن تسابقهم في الطاعات الذي يعكس علو هممهم- رضي الله عنهم-: ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: (أن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا\" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تُعط \". ومن ذلك أيضاً: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: قد ذهب أهل الدثور (الدثور جمع دثرٍ,، وهو المال الكثير) بالدرجات العلى، والنعيم المقيم\" فقال: \"وما ذاك؟\" قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أفلا أعلمكم شيئاً تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟\" قالوا: بلى يا رسول الله قال: \"تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة\" قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: \"سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله\" فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء\". ويروى عن سليمان بن بلال - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما خرج إلى بدر، أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعاً الخروج معه، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهماº فقال خيثمة بن الحارث لابنه سعد - رضي الله عنهما -: \"إنه لابد لأحدنا أن يقيم، فأقم مع نساءك\"، فقال سعد: \"لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا\" فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر، فقتله عمرو بن عبد ود). وبعد: فإن من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، فكبر الهمة يجلب لك- بإذن الله- خيراً غير مجذوذ، ويُجري في عروقك دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل، فلا ترى واقفاً إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطاً يديك إلا لمهمات الأمور، \"إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها\". إن التحلي بكبر الهمة يسلب منك سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث منك شجرة الذل والهوان والتملق والمداهنة. فارسم لنفسك كبر الهمة ولا تنفلت منها، وقد أومأ الشرع إليها، في فقهيات تلابس حياتك لتكون دائماً على يقظة من اغتنامها ومنها: -إباحة التيمم للمكلف عند فقد الماء وعدم إلزامه بقبول هبة ثمن الماء للوضوء، لما في ذلك من المنة التي تنال من الهمة منالاً). - ومنها: أن الرجل لا يلزمه الحج ببذل مال غيره له، ولا يصير مستطيعاً بذلك، سواء كان الباذل قريباً أو أجنبياً لما في ذلك من المنة التي تلزمه. فهذه إشارات وعليك التقصي. قال الشنفري:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى ***** وفيها لمن خاف القلى متحول
أُديم مطال الجوع حتى أُميته***** وأصرف عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستف تُرب الأرض كي لا يرى له***** علي من الطول امرؤ متطول
نقلا من كتاب علو الهمة تأليف محمد أحمد إسماعيل المقدم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد