بسم الله الرحمن الرحيم
{إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة: 36].
كما في آية سورة براءة، وهذه الأشهر هي الأشهر القمرية، المقدرة بسير القمر، لا بسير وطلوع الشمس، بدءا من المحرم إلى ذي الحجة، كذا أجمع عليه المسلمون جيلا بعد جيل. اقتفاء لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه هذا وإن من العقائد الجاهلية، والعوائد الفاسدة البدعية، والظنون الكاذبة، اعتقاد الشؤم بزمان كيوم أو شهر أو سنة، أو اعتقاد الشؤم والتطير ببعض الناس كالأعمى والأبرص والأعور أو بعض المخلوقات كالغراب والبوم من الطيور، أو العقرب والفار من الزواحف، أو الهواء والبرد والحر ونحو ذلك.
ومن الناس من يتعلق قلبه بالتشاؤم من يوم الجمعة، لأنه يتلوه يوم السبت وفيه العمل والدراسة، أو يتشاءم من يوم السبت كون أول أيام الوظائف في الأسبوع.
وهذا كله مخالف للعقيدة الإسلامية، باعتقاد التطير والتشاؤم من الأزمان أو بعضها أو من المخلوقات.
ولقد كان من عوائد الجاهلية الأولى التطير واعتقاد الشؤم والنحوس بشهر صفر بعد شهر الله المحرم فيحرم، وكان لهم في شهر صفر فعلان محذوران، يقدحان في إيمانهم بالله وبقضائه وقدره، والتوكل عليه:
1- أولهما: أنهم كانوا يؤخرون وينسؤون شهر الله المحرم إلى شهر صفر ليحلوا شهر الله المحرم ويذهبوا عنه حرمته على الشهور، فيقعوا في ظلم أنفسهم، وظلم غيرهم، وظلم ربهم، وهو ما عابه الله عليهم بقوله - تعالى -من سورة التوبة: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين} [التوبة: 37].
2- والمحذور الثاني من فعل الجاهلية، أنهم كانوا يتشاءمون من شهر صفر وأنه شهر مشؤوم، فكانوا يمنعون السفر فيه، أو الحرب فيه، وأن من سافر فيه لقي حتفه أو ما يضره. وقد أبطل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر). فقال أعرابي: يا رسول الله: فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: فمن أعدى الأول؟
والتشاؤم بشهر صفر أو بيوم الجمعة أو يوم السبت أو غيره من الأوقات أو بالمخلوقات أو بالطيور كله من جنس الطيرة والتطير التي نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعدها شركا، كما في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل) رواه أهل السنة إلا النسائي، وروى الإمام أحمد وغيره عن أن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)، قال: وكفارة ذلك أن يقول أحدهم: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك.
أو يقول كما جاء في حديث عروة بن عامر - رضي الله عنه - قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أحسنها الفأل، ولا ترد مسلما، فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه أبو داود والبيهقي والبغوي، وغيرهم وصححه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيره.
وما هذا العلاج والدواء بهذين الدعائين الجامعين منه - صلى الله عليه وسلم - إلا لعلاج ما قد يطرأ على الخاطر من أمر التطير والتشاؤم، فيدافع بالاعتقاد الحق في الله وقدره، وتبرك الحول والقوة بغيره - سبحانه -، والواقع أن الذنوب أعظم شؤم وأعظم خطرا ويجب على المسلم أن يحفظ دينه وقلبه وعقيدته من هذه القوادح والخوارم التي تخرم إيمانه وتوحيده الله، كما ويجب عليه أن يصحح قصده وتعلقه بربه من شوائب الجهل والعوائد الفاسدة، ويتواصى بذلك مع أهله وإخوانه المسلمين، دعوة ونصحا ومجاهدة لما يرد من هذه البدع والمخالفات وفق الله المسلمين لذلك، وأعاننا وإياهم على حسن عبادته وكمال التعلق به، وحذرنا من ضد ذلك مما يقدح في مقاصدنا وأقوالنا وأفعالنا به، وهو - سبحانه - ولي التوفيق.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد