هذه عقيدتنا


 بسم الله الرحمن الرحيم




مقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسيلماً كثيراً إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

فهذه رسالة في بيان بعض ما يعتقده أهل السنة والجماعة، جمعتها من كتب السلف الكرام، ولخصتها في أوراق قليلة، حتى يتسنى لإخواني الاطلاع عليها والانتفاع بها، فأسال مولانا جل جلاله أن لا يحرمنا وإياكم أجرها، إنه سميع مجيب.

إن أعز ما يملكه المسلم هو عقيدته وتوحيده، فمن سلم له توحيده وصفت له عقيدته، فاز ونجا، ومن علقت به بعض أدران الشرك، أو حلت به بعض شوائب البدع، فإنه على شفا جرف هار. فالنجاة النجاة قبل حلول الأجل. ولا يقول قائل نحن في بلاد التوحيد، أو نحن على الفطرة، أو يركن إلى رحمة الله وعفوه، ثم يُعرض عن تحقيق توحيده، وصفاء عقيدته. فإن إبراهيم الخليل- عليه السلام - وهو من أعظم الموحدين قال: (واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام). وإذا كان خليل الله قال ذلك، وهو رسوله إلى الخلق بالتوحيد وعبادة الله ونبذ عبادة غيره، فنحن من باب أولى أن لا نغفل عن تحقيق توحيدنا، وتنقية عقيدتنا من الشوائب التي تخدش فيه.

وفي هذه الأزمان المتأخرة، ومع تقارب البلدان، وتنوع وسائل الإعلام وقدرتها على النفاذ بدون رقيب، استطاعت تلك الوسائل أن تؤثر على عقائد كثير من الناس في سائر البلدان، فضعف جانب الولاء والبراء عند كثيرٍ, منهم، بل إن بعض المفكرين المحسوبين على هذه الأمة لا يكل ولا يمل أن يسمي اليهود والنصارى بإخواننا. والله يقول في حق المشركين-بلا استثناء-(فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين). ومفهوم المخالفة، فمن لم يتب ولم يقم الصلاة ولم يؤت الزكاة فليس بأخٍ, لنا في الدين. ولكن الضعف والخور وغيبة الولاء والبراء وعدم الشعور بعزة الإسلام وراء ذلك كله.

ومن آثار ضعف العقيدة عند بعض الناس، أن بعضهم أصبح يشك هل للسحر وجود، وهل هو حقيقة أم أن ذلك من جملة الخرافات، وكذلك الجن هل لهم وجود، وهل يتلبسون بالإنسي حقيقة؟.وهذا غيض من فيض، ولو سقنا آثار ضعف العقيدة عن الناس لطال بنا المقام، ومن أجل هذا كان لابد لنا من بيان عقيدة السلف، عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي عقيدتنا التي ندين الله بها ونؤمن بها، وهي عقيدة الفرقة الناجية التي تدخل الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة.قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.



1- فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يقولون: بأن الإيمان قول وعمل واعتقادº قول باللسان وعمل بالجوارح وعقد بالجنان. يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

قال - تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5]. فجعل الله - سبحانه وتعالى -- الإخلاص، والصلاة، والزكاة من الإيمان.

- وقال - صلى الله عليه وسلم -: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق). فجعل - صلى الله عليه وسلم - شهادة أن لا إله إلا الله وهي قول باللسان من شعب الإيمان، وجعل إماطة الأذى عن الطريق وهي عمل الجوارح من الإيمان.

وقال - صلى الله عليه وسلم - لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تؤدوا من المغنم الخمس)



- وقال - تعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤمِنِينَ لِيَزدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِم} [الفتح: 4]

وهذا دليل على أن الإيمان يزداد بالطاعات، فإذا ثبتت الزيادة في الإيمان، ثبت النقصان. فإذا كانت الطاعات تزيد الإيمان، فمن لازم ذلك أن المعاصي تنقص الإيمان.



2- فمن معتقد أهل السنة والجماعة: أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

والإيمان بالله يتضمن، الإيمان بأنه الخالق الرازق المحيي المميت المتصرف… الخ. وهذا ما يسمى بتوحيد الربوبية-أي توحيد الله بأفعاله-، وهذا لم ينازع فيه أحد، ولم ينكره منكر، حتى فرعون الذي قال: (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري). كان يعلم في قرارة نفسه أن هناك رباً هو المستحق للعبادة وليس هو، ولذا قال له موسى- عليه السلام -: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً). والإيمان بالله يتضمن توحيد الله بأفعالنا -توحيد الألوهية-، وهو إفراد الله بالعبادة، وصرف العبادات كلها له، لأنه هو المستحق لها فمن كان خالقاً رازقاً محيياً مميتاً معطياً مانعاً، كان هو الذي يجب أن تُصرف له سائر العبادات، كالدعاء، والاستغاثة، وتقديم القرابين، والصلاة، وسائر العبادات، وصرفها لغيره ظلمٌ وبغيٌ وعدوان.

والإيمان بالله يتضمن أيضاً- توحيده بأسمائه وصفاته، فنثبت صفات الله وأسمائه الحسنى على ما يليق به - تعالى -على وجه الكمال، ونثبت لله ما جاء في كتابه وما صحَّ من سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا نعطل ولا نكيف ولا نمثل ولا نحرف ولا نؤول شيئاً من صفاته وأسمائه الحسنى.

ونؤمن بملائكته، وأنهم مخلوقون من نور، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم كثير ولهم مهام كثيرة، فجبريل - عليه السلام - وهو أعظمهم كان ينزل على الأنبياء والرسل بالوحي، وميكائيل للنبات والقطر، وإسرافيل للنفخ في الصور، ومالك خازن النار، ويقال إن رضوان خازن الجنة، وملك الموت لم يصح أن اسمه عزرائيل. وهناك ملائكة خلقهم الله للعبادة فهم منقطعون لها، وهناك ملائكة لحمل عرشه، وهناك ملائكة يحصون أعمال العباد، وهناك ملائكة يحفظون العباد بأمر الله، وهناك ملائكة لا نعلمهم، الله يعلمهم.

والإيمان بالملائكة إذا تمكن في نفس المسلم، أشعره بعظمة الله الذي خلقهم، وجعله يحرص على عمل الصالحات لأنه يعلم أن أعماله مسطورة (يعلمون ما تفعلون). ثم هو يُشعر المسلم برحمة الله الواسعة أن جعل له ملائكة يحفظونه بأمره.

والإيمان بالكتب، هو أن تؤمن بأن الله أنزل كتباً من عنده ليبين للناس دينهم، وليسيروا على صراطه المستقيم، فالصحف على إبراهيم، والزبور على داود، والتوراة على موسى، الإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين. وهذه الكتب ما عدا القرآن أصابها التحريف والتبديل، لأن الله أوكل حفظها لهم، وأما القرآن الكريم فقد تكفل الله بحفظه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ولذا فنحن نؤمن بنزول الصحف، والتوراة، والزبور، والإنجيل، ولكن لا نعمل بها لأن القرآن ناسخٌ لها، ولأنها أصابها التحريف والتبديل.

والإيمان بالرسل، هو أن تؤمن بأنهم بشر- لا يستحقون العبادة- اختصهم الله ومنَّ عليهم بالرسالة والنبوة: (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشرٌ مثلكم ولكن الله يمُنُ على من يشاء من عباده). فيعتريهم ما يعتري البشر من النسيان والسهو، ولكن لا يخطئون أو يتطرق إليهم النسيان إذا كانوا يبلغون شرع الله، وإن نسوا أو اخطأوا لا يقرون على ذلك بل يذكرهم الله أو يصوبهم. وأما في أمورهم وحياتهم العادية فهم كالبشر سواء. ولذلك يُعدُ صرفُ العبادة لهم أو جزء منها قدحاً فيهم، وظلم لهم، ورفعهم فوق مرتبتهم التي أنزلهم الله إياها. فلهم منا الإيمان برسالتهم، وتعزيرهم ونصرهم، لا عبادتهم ودعائهم من دون الله. وأول نبي هو آدم - عليه السلام - وهو نبي مكلم. وأول رسول هو نوح - عليه السلام -، وآخر الأنبياء والرسل هو نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهو سيد ولد آدم. ومقام النبوة والرسالة أعلى المقامات، لا كما يعتقده غلاة الرافضة حيث جعلوا الإمامة منصب إلهي كالنبوة يختارهم الله من سائر البشر، وهم معصومون من الكبائر والصغائر، ولا كما يعتقده الصوفية الغلاة، حيث يقول قائلهم:

مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي

حيث جعل الولي أعلى من مرتبة النبوة والرسالة، وهذا من الضلال المبين نسأل الله العافية.

والإيمان بالقدر خيره وشره، أن تؤمن بأن كل شئ بقدر، وأن ما شاء الله كان ومالم يشاء لم يكن، وأن ما أصابك من نعمة فمن الله تفضل بها عليك، وما أصابك من بلوى ومصيبة فبسبب ذنوبك ومعاصيك: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك). وهي بقدر الله وتحت مشيئته.

وضلت في باب القدر فرقتان: القدرية والجبرية، وهدى الله أهل السنة والجماعة فقالوا: إن للعبد مشيئة وإرادة، ولكنها خاضعة لمشيئة الله وإرادته. (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).

والإيمان باليوم الآخر، يتضمن الإيمان بكل ما نطق به الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة من أخبار اليوم الآخر، ومما يكون من أمر المعادº فنؤمن بالشفاعة العظمى لنبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، ونؤمن بحوضه وأنه ترد عليه أمته ويذاد عنه المحدث في دينه، ونؤمن بالصراط، والميزان التي توزن فيه أعمال العباد، ونؤمن بنزول الجبار جل جلاله للفصل بين الناس، ونؤمن بأن الناس ينقسمون إلى فريقين، فأهل السعادة في الجنة جعلنا الله وإياكم منهم-، وأهل الندامة في النار-أعاذنا الله وإياكم منها-، ونؤمن بأن الجنة والنار باقيتان لا تفنيان، فأهل الجنة في نعيم دائم، وأهل النار في عذاب دائم. ونؤمن بأن أهل الجنة يرون ربهم وهو أعظم نعيم الجنة وأعلاه (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، (وجوهٌ يؤمئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).

اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلي لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زيّنا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين. آمين.



3- ونعتقد بأن اليهود والنصارى وسائر المشركين، كفار لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً حتى يسلموا ويدينوا بدين محمد- صلى الله عليه وسلم -.

لقوله - تعالى -: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. و لا يقبل الله من الناس إسلامهم بعد بعثة محمد- صلى الله عليه وسلم - إلا الإسلام الذي جاء به نبينا - عليه أفضل الصلاة والسلام -، فدينه ناسخٌ للأديان كلها، ودعوى اليهود والنصارى أنهم مسلمون مردودٌ عليهم، لأن كتبهم المنزلة عليهم أمرتهم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply