ما هو من الأقوال ، والأعمال ، والاعتقادات كفر


 

بسم الله الرحمن الرحيم





تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيد الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته والتابعين.

وبعد..

قبل الشروع في المقصود أود التنبيه على الآتي:

أولاً: إن الإكفار 1 ملك لله ورسوله، فلا يحل لأحد أن يكفر أحداً إلا من أكفره الله ورسوله.



ثانياً: مسألة الإكفار والتفسيق والتبديع من المسائل الخطرة التي زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام، وانحرفت بسببها أقوام، لهذا لا ينبغي أن يخوض فيها إلا الراسخون في العلم، ولا يتعاطاها كل أحد من طلاب العلم، دعك عن العوام.



ثالثاً: هناك فرق بين الإكفار العام وإكفار المعين، أي بين أن تقول: هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر، أومن قال كذا فقد كفر، وبين أن تقول: فلان من الناس كافر، إذ تكفير المعين له شروط وموانع.



رابعاً: لا يكفر المعين إلا بتوفر شرطين هما:

1. البلوغ.

2. العقل.

وبانتفاء موانع هي:

1. الجهل.

2. الخطأ.

3. التأويل أو الشبهة.

4. الإكراه.

فإذا تعاطى الشخص سبباً من أسباب الكفر القولية أو العملية أو الاعتقادية، بفعل أوترك، جاداً كان أم هازلاً أم شاكاً، فأقيمت عليه الحجة، وبصِّر إن كان جاهلاً، وأزيلت عنه الشبهة، ثم أصر على ذلك، فقد كفر إن كان بالغاً، عاقلاً، طائعاً، مختاراً، غير مكره.

والتأويل منه ما هو فاسد وهذا لا عبرة به، ومنه ما هو راجح أومرجوح، وهذا لا يكفر أحد تعاطاه.

ولا تقبل دعوى الجهل لمسلم يعيش بين ظهراني المسلمين، ولكن لحديث عهد بالإسلام.



خامساً: يحكم في ذلك الفقهاء والقضاة الموثوق بدينهم وعلمهم الشرعي وعدالتهم، وينفذ الحكم ولاة الأمر وليس العامة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الحدود لا يقيمها إلا الإمام ونائبه). 2

سادساً: الإكفار منه ما هو بدعي، وهو الذي يكون بسبب اقتراف بعض الذنوب غير المكفِّرة، نحو تعاطي الخمر، والتعامل بالربا، وممارسة الزنا لمن يقر بحرمتها، أما من استحلها ولو لم يتعاطاها فقد كفر، أوبسبب الابتداع، والتعصب، والحسد، ونحو ذلكº ومنه ما هو شرعي، كالذبح لغير الله، والسجود لصنم، وإلقاء المصحف في دورة مياه مثلاً، ونحو ذلك.



سابعاً: من المسائل التي يجب على المسلم تعلمها نواقض الإسلام، وهي الأمور التي تبطل الإسلام وتفسده وتخرج المسلم من حظيرة الإيمان إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.



ثامناً: النطق بالشهادتين والدخول في الإسلام ليس عاصماً ولا مانعاً من الكفر بحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مسلماً\". 3

فقد يكون المرء مصلياً صائماً وهو متعاطي لسبب من أسباب الكفر المحبطة لأعماله الصالحة وهو لا يشعر، عقدياً كان هذا السبب، أو عملياً، أو قولياً: \"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم\".

ولا تغتر أخي المسلم بما يقوله أهل الأهواء المرجئة: \"لا يضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة\"، حيث اختزلوا كلمة التوحيد التي بها قامت السموات والأرض في التصديق بالقلب أوالنطق باللسان ولو لم يصاحب ذلك عمل بالأركان وكف عن المحرمات والآثام، أو بقول مشايخهم من الجهمية الطغام الذين قصروا الإيمان على المعرفة القلبية، ففي شرعهم فإن إبليس وفرعون مؤمنان كاملا الإيمان لمعرفتهم برب الأرباب، حيث حكى الله عن إبليس لعنه الله: \"قال رب فأنظرني إلى يوم يُبعثون\"4، وقال: \"فبعزتك لأغوينهم أجمعين\"5، وقال عن فرعون وملئه أبعدهم الله من رحمته: \"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً\". 6



بعد هذه التنبيهات والتوطئات التي لابد منها ندلف إلى ما عزمنا عليه، فنقول وبالله التوفيق:

بم يكون الكفر عند أهل السنة والجماعة؟

الكفر عند أهل السنة والجماعة، نقاوة المسلمين، الفرقة الناجية المنصورة، يكون بالقول والعمل والاعتقاد، وبالفعل والترك، وبالجد والهزل والشك، فقد يكفر المسلم بالعمل كما يكفر بالاعتقاد، وقد يكفر بالفعل كما يكفر بالترك، وقد يكفر وهو هازل مازح كما يكفر وهو جاد حازم، وقد يكفر وهو متيقن أوشاك: \"قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم\"7، وأن الكفر العملي ليس قاصراً على سب الله ورسوله ودينه.

فكما أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، فكذلك الكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد، فقد يكفر المسلم بقول أوعمل وإن كان يعتقد بقلبه خلاف ما نطق به لسانه أوكسبته يداه، إلا المكره، فقد استثناه الله - عز وجل -: \"إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان\"8.

لقد تعجبت كثيراً كما تعجب غيري من زعم البعض هدانا الله وإياهم سبل الرشاد أن الحاكم الذي يشرِّع دستوراً ويسن قانوناً على غرار دساتير وقوانين الكفار ويحكم به وينبذ شرع الله وراءه ظهرياً لا يكفر مثلاً إلا إذا اعتقد ذلك بقلبهº وكان تعجب الإمام ابن الوزير اليماني - رحمه الله - من إحدى فرق المعتزلة وهم \"البهاشمة\"9 أشد حين لم يكفِّروا النصارى الذين قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، مع نص القرآن بتكفيرهم، حيث قال: \"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة\"10، إلا إذا اعتقدوا ذلك بقلوبهم11، وأعجب من هذا وذاك نسبة هذا المعتقد لأهل السنة والجماعة.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - كما نشر في مجلة الفرقان الكويتية العدد \"94\": (الذبح لغير الله، والسجود لغير الله، كفر عملي مخرج من الملة، وهكذا لو صلى لغير الله فإنه يكفر كفراً عملياً أكبر والعياذ بالله وهكذا إذا سب الدين، أوسب الرسول، أواستهزأ بالله ورسوله، فإن ذلك كفر عملي أكبر عند جميع أهل السنة والجماعة).

وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء12 بالسعودية في رد على سؤال: اعتبار تارك الصلاة من غير جحود كافراً كفراً عملياً، والكفر العملي لا يخرج صاحبه من الملة إلا ما استثنوه من سب الله - تعالى -وما شابهه، فهل تارك الصلاة مستثنى؟ وما وجه الاستثناء؟

فأجابت: (ليس كل كفر عملي لا يخرج من ملة الإسلام، بل بعضه يخرج من ملة الإسلام).



ما هو من الأقوال والأعمال والاعتقاد كفر

عندما يُطلق الكفر يراد به الكفر الأكبر المخرج من الملة، الكفر الأكبر مساوٍ, للشرك الأكبر وللنفاق الأكبر وللردة.

نماذج الكفر القولية والعملية و الاعتقادية، الفعلية والتركية، لا تحصى كثرة.

فإجمالاً: يكون الكفر إما بإثبات ما نفاه الله ورسوله أو بنفي ما أثبتاه، وبعبارة أخرى بإنكار كل ما هو معلوم من الدين ضرورة.

وتفصيلاً: من أمثلة الكفر التي توصل إليها أهل العلم بالاستقراء، والتي تعرف بنواقض الإسلام، ما يأتي:

1. الدعاء والاستغاثة بغير الله - عز وجل -.

2. اتخاذ الوسائط بين العبد وبين ربه، نحو قول أحدهم: اللهم إني أسألك بجاه فلانº قال - تعالى -موضحاً سبب شرك وكفر الأوائل: \"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى\". 13

3. موالاة الكفار والمشركين.

4. التحاكم لغير شرع الله، فالحاكم - وكذلك القاضي - الذي يحكم بغير ما أنزل الله يكفر، إلا في حالين، هما:

(1) الخطأ في الاجتهاد في الوصول إلى حكم الله - عز وجل -.

(2) الحياد عنه لقرابة أو رشوة في قضية معينة، مع يقينه بأنه الحق.

ففي هاتين الحالتين يكون كفره كفراً أصغر، أما ما سواهما فكفره أكبر14.

يخطئ خطأ فاحشاً من ينزل قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: \"ليس بالكفر الذي تذهبون إليه\"، على كثير من حكم المسلمين بعد سقوط الدولة العثمانية، وجثوم الاستعمار على صدر الأمة، وإقصاء شرع الله إلا في دائرة الأحوال الشخصية، حيث استبدل الذي هو أدنى الدساتير والقوانين الوضعية بالذي هو خير، شرع الله - عز وجل -.

5. تعلم أنواع من السحر، نحو ما يعرف بالصرف والعطف، أو الحل والعقد، وما شابهه، والإيمان به، وغشيان محترفيه، وتصديقهم فيما يقولون.

6. من لم يكفِّر الكفار، نحو اليهود، والنصارى، والشيوعيين، والجمهوريين، أوشك في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم فقد كفر، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

7. الإعراض الكلي أو الجزئي عن دين الله - عز وجل -.

8. اعتقاد أن بعض الناس يمكنهم الاستغناء عن شرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، أو تسقط عنهم بعض التكاليف الشرعية.

9. الاستهزاء والسخرية بالله، وآياته، ورسله، وملائكته، تصريحاً أو تلميحاً.

10. استحلال ما حرَّم الله، أو تحريم ما أحل الله.

11. إباحة الردة وإنكار حدها.

12. الدعوة إلى مساواة الأديان السماوية بعد تحريفها وتبديلها ونسخها بشريعة ولد عدنان.

13. سب الله، والرسل، والملائكة، والدين، تصريحاً أو تلميحاً.

14. الانتساب للأحزاب الكافرة والعلمانية.

15. تكفير أو تضليل جماعة الصحابة.

16. التجسس لصالح الكفار، والقتال تحت رايتهم.

17. رمي عائشة - رضي الله عنها - بما برَّأها الله منه.

18. من ادعى النبوة أو أنه يوحى إليه، ومن صدقه.

19. اعتقاد أن أحد المخلوقين ينفع ويضر أو يعلم الغيب.



أقوال أهل العلم والفتوى في ذلك

• سئل الشافعي المتوفى 204هـ، - رحمه الله - عمن هزل بشيء من آيات الله - تعالى -، فقال: (هو كافرº واستدل بقوله - تعالى -: \"قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم\"15). 16

• وقال الإمام إسحاق بن إبراهيم المتوفى 238هـ: (ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله - تعالى -، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً أو أعان على قتله، وإن كان مقراً ويقول: قتل الأنبياء محرم، فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أورد عليه قوله من غير تقية ولا خوف أي من غير إكراه.

وقال: وأجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله، أو دفع شيئاً مما أنزل الله - عز وجل -، أو قتل نبياً من أنبياء الله، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله). 17

• وقال الحميدي: (أخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، حتى الموت ما لم يكن جاحداً بقلبه أنه مؤمن (!)، فقلت: هذا الكفر بالله الصَّراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وفعل المسلمين.

• وقال حنبل: قال أبوعبد الله أحمد بن حنبل: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الله أمره، وعلى الرسول ما جاء).18

• وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقكº قال أبي: هذا مرتد عن الإسلامº قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، تضرب عنقه). 19

• وقال فقيه المغرب محمد بن سُحنون المالكي: (أجمع العلماء أن شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المنتقص له كافر، والوعيد جارٍ, عليه بعذاب الله، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر). 20

• وقال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أي عامة أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقتل، وممن قال ذلك: مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.

قال القاضي عياض: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوري، وأهل الكوفة، والأوزاعي.

إلى أن قال: ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة.

• وقال القاضي عياض21 تحت فصل: \"الحكم الشرعي فيمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو انتقصه\": (اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عابه، أو ألحق به نقصاً في نفسه، أو نسبه، أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرَّض به، أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يُقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على هذا المقصد، ولا نمتري22 فيه تصريحاً كان أوتلويحاً.

• حكى ابن مطرف عن مالك في كتاب ابن حبيب: (من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتل ولم يستتب). 23

• وقال ابن القاسم في \"العتبية\"24: (من سبه، أو شتمه، أو عابه، أو تنقصه، فإنه يُقتل، وحكمه عند الأمة القتل كالزنديق، وقد فرض الله - تعالى -توقيره وبره). 25

• أفتى أبو محمد بن أبي زيد بقتل رجل سمع قوماً يتذاكرون صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ مر بهم رجل قبيح الوجه واللحية، فقال لهم: تريدون تعرفون صفته؟ هي في صفة هذا المارّ في خَلقه ولحيتهº قال: ولا تقبل توبته، وقد كذب لعنه الله، وليس يخرج من قلب سليم الإيمان). 26

• وقال أحمد بن أبي سليمان صاحب سُحنون: (من قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أسود يُقتل). 27

• وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري - رحمه الله - المتوفى 324هـ: (إرادة الكفر كفر، وبناء28 كنيسة يُكفر فيها بالله، لأنه إرادة الكفر). 29

• وقال أبو بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370هـ: (قال - تعالى -: \"ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب\" إلى قوله: \"إن نعفُ\"، فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوه لعباً، فأخبر الله عن كفرهم).

• وقال ابن شاس المالكي: (وظهور الردة إما أن يكون بالتصريح بالكفر، أوبلفظ يقتضيه، أوبفعل يتضمنه). 30

• وقال النووي في \"روضة الطالبين\"31 معرفاً الردة: (هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل.

والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها).

• وقال في شرح صحيح مسلم32 عن حكم السحر: (ومنه ما يكون كفراً، ومنه ما لا يكون كفراً بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر أي في تعلمه وتعليمه كفَّر).

• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (إن من سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان السابّ يعتقد أن ذلك محرم، أوكان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل). 33

• وقال تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي: (التكفير حكم شرعي سببه جحد الربوبية، أو الوحدانية، أو الرسالة، أو قول أو فعل حكم الشرع بأنه كفر وإن لم يكن جحداً). 34

• وقال الشيخ خليل بن إسحاق المالكي صاحب المختصر: (الردة كفر المسلم بصريح أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه، كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنار وسحر). 35

• وقال الإمام الزركشي الشافعي: (فمن تكلم بكلمة الكفر هازلاً ولم يقصد الكفر كفر). 36

• وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله -: (فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة وهو مقر بالشهادتين ويدعي الإسلام، كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب اللهَ ورسولَه، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن، مع العلم بذلك). 37

• وقال محمد بن شهاب البزار الحنفي: (ومن لقن إنساناً كلمة الكفر ليتكلم بها كفر، وإن كان على وجه اللعب والضحك). 38

• ونقل أبو بكر الفارسي الشافعي في كتاب الإجماع أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء39.

• وقال ابن نُجيم الحنفي في \"البحر الرائق\"40: (والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل، ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به \"قاضي خان\" في فتاواه، ومن تكلم بها مخطئاً أو مكرهاً لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالماً عامداً كفر عند الكل).

• وقال مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي: (ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور:

1. بالقول: كسب الله ورسوله، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له - تعالى -.

2. وبالفعل: كالسجود للصنم، وكإلقاء المصحف في قاذورة.

3. وبالاعتقاد: كاعتقاده الشريك له - تعالى -، أو أن الزنا والخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً.

4. وبالشك في شيء من ذلك). 41

• وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالة \"نواقض الإسلام\"42: (السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول، أو ثوابه، أو عقابه كفر، والدليل قوله - تعالى -: \"قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم\".

السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف43، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل: \"وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر\".

الثامن: مظاهرة44 المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل: \"ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\"، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل، والجاد، والخائف، إلا المكره).

• وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى 1233هـ في \"الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك\": (... قوله - تعالى -: \"من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره... \"، فحكم - تعالى - حكماً لا يبدَّل أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر، سواء كان له عذر: خوف على نفس أو مال أوأهل 45 أم لا، وسواء كفره بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله أم بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا... فهو كافر على كل حال إلا المكره). 46



ناقل الكفر وناشره

كما أن الكفر يكون بإنشاء الكلام أوتدوينه، يكون كذلك بنقله، ونشره، والدلالة عليه، وتلقينه.

ناقل الكفر له أربع حالات كما ذكرها القاضي عياض في \"الشفا\"47، ملخصها:

الأولى: إن كان نقلها بغرض التعريف بقائلها والتحذير منه، والإنكار عليه، أو حكاه في كتاب أو مجلس على طريق الرد والنقض له، فهذا تعتريه الأحكام الأربعة: الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، حسب حال المنقول إليهم:

• فإن كان قائل ذلك له أتباع يقلدونه ويتبعونه فيما يقول فيجب النقل للرد عليه في هذه الحال، ويكون ناقل الكفر ليس بكافر، وهذا من فروض الكفاية، إذا قام به البعضُ سقط عن الباقين.

• أو حكاه شاهداً.

• أو حكى ذلك لمن يمكنه الرد عليه أو مناظرته، فهذا يُحمد ويُشكر على ذلك.

الثاني: وأما حكايتها على غير ذلك فإن كان الحاكي لها على غير قصد أو معرفة بخطورتها، وعلى غير عادته، ولم يظهر منه قبل ذلك شيء يشبه هذا، زجر وعُزر تعزيراً شديداً وأغلظ عليه.

وقد حكي أن رجلاً سأل مالكاً عمن يقول: القرآن مخلوقº فقال مالك: كافر فاقتلوهº فقال: إنما حكيته عن غيريº فقال مالك: إنما سمعناه عنك!

وهذا من مالك - رحمه الله - على سبيل الزجر والتغليظ، بدليل أنه لم يسع في تنفيذ قتله.

الثالث: أما إن كان الناقل عُرف بتجرئه وتطاوله على أمثال ذلك فهذا يكفر.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام فيمن حفظ شطر بيت مما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو كفر.

وقد ذكر بعض من ألف في الإجماع إجماعَ المسلمين على تحريم رواية ما هُجي به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكتابته، وقراءته، وتركه متى وجد دون محو.

الرابع: أن يكون الناقل مكرهاً، فهذا لا إثم عليه.



سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس له توبة في الدنيا

لا يملك أحد أن يقبل توبة سابّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومنتقصه تلميحاً كان ذلك أم تصريحاً في الدنيا، فلابد أن يُقتل زجراً له ولأمثاله، فإن تاب وصدق في توبته فإن ذلك ينفعه في الآخرة، مسلماً كان أم كافراً ذمياً، هذا ما عليه عامة أهل العلم.

قال القاضي عياض48: (قال عبد الله بن الحكم المالكي: \"من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر قتل ولم يستتب\"، و حكى الطبري مثله عن أشهب عن مالك).

وعن عثمان بن كنانة المالكي المتوفى 186هـ في كتابه \"المبسوط\": (من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - من المسلمين قتِل أو صُلِب حياً ولم يُستتب، والإمام مخير في صلبه حياً أو قتله).

وقال أصبغ: (يقتل على كل حال، أسَرَّ ذلك أو أظهره، ولا يُستتاب لأن توبته لا تعرف).

وفي كتاب محمد بن سعيد المالكي المتوفى 198هـ: (أخبرنا أصحاب مالك أنه قال: من سب النبي - صلى الله عليه وسلم – أو غيره من النبيين من مسلم أو كافر يقتل ولا يُستتاب).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - تحت عنوان: \"أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله، وحكي الإجمـاع على ذلك\": (هذا مذهب عليه عـامة أهل العلم، قـال ابن المنذر: على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، وممن قاله: مالك، والليث، وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب الشافعي.

وقال: وحكي عن النعمان أبي حنيفة- لا يُقتل أي الكافر يعني الذي عليه من الشرك أعظم). 49

ثم نقل أقوال الأئمة50، فقال:

قال أحمد في رواية حنبل: كل من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتنقصه مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل، وأرى أن يُقتل ولا يستتاب.

وقال مالك في رواية ابن القاسم و مطرف: من سب النبي قتل ولم يستتب، قال ابن القاسم: من سبه أو شتمه أو عابه أو تنقصه فإنه يقتل كالزنديق.

أما مذهب الشافعي فلهم في ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجهان:

أحدهما: هو كالمرتد إذا تاب سقط عنه القتل.

والثاني: أن حد من سبه القتل، فكما لا يسقط حد القاذف بالتوبة لا يسقط القتل الواجب بسب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوبة، قالوا: ذكر ذلك أبو بكر الفارسي المتوفى 350هـ، وادعى فيه الإجماع، ووافقه الشيخ أبو بكر القفال).



الأدلة51 على قتل سابّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته

ومن الأدلة على وجوب قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم -:



من القرآن

• قوله - تعالى -: \"إن الذين يؤذون اللهَ ورسولَه لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً\". 52

قال القاضي عياض: (فمن القرآن لعنة الله - تعالى -لمؤذيه في الدنيا والآخرة وقرانه أذاه بأذاه، ولا خلاف في قتل من سب الله، وأن اللعن يستوجبه من هو كافر، وحكم الكافر القتل)53.

• وقوله: \"ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم\". 54



من السنة

• وفي الصحيـح55: أمـر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتـل كعب بن الأشـرف، وقوله: \"من لكعب بن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله\"، ووجَّه56 إليه من قتله غيلة من غير دعوة.

• وقُتِل أبو رافع، قال البراء: كان يؤذي رسول الله ويعين عليه.

• وفي فتح مكة قُتِل ابن أخطل وجاريتيه اللتين كانتا تغنيان بسبه - صلى الله عليه وسلم -.

• وكان رجل يسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال خالد: أناº فبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله.

• كذلك قتل جماعة كانوا يؤذونه من الكفار ويسبونه، منهم النضر بن الحارث وعقبة بن أبي مُعَيط.

وروى البزار عن ابن عباس أن عقبة نادى: يا معشر قريش، مالي أقتل من بينكم صبراً؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بكفرك وافترائك على رسول الله.

• وروى عبد الرزاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبه رجل، فقال: من يكفيني عدوي؟ فقال الزبير: أناº فبارزه، فقتله الزبير.

• وروي أن امرأة كانت تسب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: من يكفيني عدوي؟ فخرج إليها خالد بن الوليد فقتلها.

هذه الآثار بعضها لا يخلو من ضعف في سندها.



الإجماع

من أقوى الأدلة على قتل ساب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعدم استتابته إجماع الأمة العملي من لدن الصحابة ومن بعدهم الذي نقلناه، والأمة لا تجتمع على ضلالة.

ورحم الله مالكاً عندما سأله الرشيد عن رجل شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده؟ فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها؟ من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - جُلد.

ولهذا أفتى فقهاء الأندلس بقتل ابن حاتم المتفقه الطليطلي وصلبه بما شهد عليه من استخفافه بحق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسميته إياه أثناء مناظرته باليتيم، وخَتن حيدرة57، وزعمه أن زهده لم يكن قصداً، ولو قدر على الطيبات أكلها.

وأفتى فقهاء القيروان وأصحاب سُحنون بقتل إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلوم، وكان ممن يحضر مجلس القاضي أبي العباس - قاضي قرطبة - بن طالب للمناظرة، فرفعت عليه أمور منكرة من هذا الباب في الاستهزاء بالله وأنبيائه ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، فأحضر له القاضي يحيى بن عمرو غيره من الفقهاء وأمر بقتله وصلبه، فطعن بالسكين وصلب منكساً، ثم أنزل وأحرق بالنار.

اللهم إنا نسألك حبك، وحب رسولك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم وبارك وعظم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply