الفاخوري يستعرض عقيدة ابن عبد الوهاب


 

بسم الله الرحمن الرحيم





قال الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت الأسبق في كتابه تحفة الأنام بعد ذكر طائفة الوهابية: « وهناك رسالة من كلامهم [أي الوهابية] تدل على مذهبهم ومعتقداتهم:

قال محمد بن عبد الوهاب: « اعلموا رحمكم الله أن الحنيفية ملة إبراهيم أن نعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم له كما قال - تعالى -: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعبُدُونِ} فإذا عرفت أن الله - تعالى - خلق العباد للعبادة فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة كما قال - تعالى -: {مَا كَانَ لِلمُشرِكِينَ أَن يَعمُرُوا مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالكُفرِ أُولَئِكَ حَبِطَت أَعمَالُهُم وَفِي النَّارِ هُم خَالِدُونَ}.

فمن دعا غير الله طالبًا منه ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب خير أو دفع ضر فقد أشرك في العبادة كما قال - تعالى -: {وَمَن أَضَلٌّ مِمَّن يَدعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَستَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ وَهُم عَن دُعَائِهِم غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُم أَعدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِم كَافِرِينَ} وقال - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ,، إِن تَدعُوهُم لا يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ,}.



فأخبر- تبارك وتعالى -أن دعاء غير الله شرك، فمن قال: يا رسول الله أو يا ابن عباس أو يا عبد القادر زاعمًا أنه باب حاجته إلى الله وشفيعه عنده ووسيلته إليه فهو المشرك الذي يهدر دمه وماله إلا أن يتوب من ذلك، وكذلك الذين يحلفون بغير الله والذي يتوكل على غير الله أو يرجو غير الله أو يخاف وقوع الشر من غير الله أو يلتجئ إلى غير الله، أو يستعين بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو أيضًا مشرك، وما ذكرنا من أنواع الشرك هو الذي قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشركين عليه وأمرهم بإخلاص العبادة كلها لله - تعالى - ويصح ذلك أي التشنيع عليم بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله في كتابه:



[القاعدة الأولى]

أولها: أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرون أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجميع الأمور، والدليل على ذلك قوله - تعالى -: {قُل لِّمَنِ الأَرضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُم تَعلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُل مَن رَّبٌّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ وَرَبٌّ العَرشِ العَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل أَفَلا تَتَّقُونَ، قُل مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ, وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيهِ إِن كُنتُم تَعلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُل فَأَنَّى تُسحَرُونَ، بَل أَتَينَاهُم بِالحَقِّ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ}.

إذا عرفت هذه القاعدة وأشكل عليك الأمر فاعلم أنهم بهذا أقروا ثم توجهوا إلى غير الله يدعونه من دون الله فأشركوا.



[القاعدة الثاني]

أنهم يقولون: ما نرجوهم إلا لطلب الشفاعة عند الله نريد من الله لا منهم ولكن بشفاعتهم. وهو شرك، والدليل قول الله - تعالى -: {وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرٌّهُم وَلاَ يَنفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُل أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرضِ - سبحانه وتعالى - عَمَّا يُشرِكُونَ} وقال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء مَا نَعبُدُهُم إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم فِي مَا هُم فِيهِ يَختَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي مَن هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}. وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف:



[القاعدة الثالثة]

وهي أن منهم من طلب الشفاعة من الأصنام ومنهم من تبرأ من الأصنام وتعلق بالصالحين مثل عيسى وأمه والملائكة، والدليل على ذلك قوله - تعالى -: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيٌّهُم أَقرَبُ وَيَرجُونَ رَحمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحذُورًا} ورسول الله لم يفرق بين من عبد الأصنام ومن عبد الصالحين في كفر الكل، وقاتلهم حتى يكون الدين كله لله. وإذا عرفت هذه القاعدة فاعرف:



[القاعدة الرابعة]

وهي أنهم يخلصون لله في الشدائد وينسون ما يشركون، والدليل عليه قوله - تعالى -: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى البَرِّ إِذَا هُم يُشرِكُونَ} وأهل زماننا يخلصون الدعاء في الشدائد لغير الله. إن المشركين في زمان النبي أخف شركًا من عقلاء مشركي زماننا لأن أولئك يخلصون لله في الشدائد وهؤلاء يدعون مشايخهم في الشدائد والرخاء، والله أعلم بالصواب ا. هž.



موقف الفاخوري من قواعد عقائد ابن عبد الوهاب

قال الشيخ الفاخوري: « وهذه الرسالة والقواعد التي أسسها ذلك الشيخ لا شبهة فيها لأن هذا هو الدين الذي جاء به النبي والأنبياء من قبله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ».



غير أن ما أنكره عليه هو أنهم قاتلوا من يقول لا إله إلا الله.

وهذه الشهادة لا تشفع لمشركين يدعون إلى سنن اليهود والنصارى، ويلجموننا بالتلفظ بشهادة التوحيد مع الدعوة بدعوة الجاهلية، ومن تقرب بما كان يتقرب به سلف المشركين أعداء الأنبياء فلا تقبل منه حتى يدعو إلى مقتضاها والتوقف عما يضادها.



ثم أبدى الشيخ الفاخوري أسفه للغلو الصوفي الذي ساد العالم الإسلامي الذي جعل للأولياء مرتبة التصرف الإلهي في الكون فقال: « كما وأن أكثر العوام من جهة الإسلام قد تغالوا وأفرطوا وابتدعوا بدعًا تخالف المشرع من الدين القويم، فصاروا يعتمدون على الأولياء، الأحياء منهم والأموات، معتقدين أن لهم التصرف، وبأيديهم النفع والخسر، ويخاطبونهم بخطاب الربوبية، وهذا غلو في الدين القيوم وخروج عن الصراط المستقيم »، وقد ورد في الحديث المرفوع « دين الله - تعالى- بين المغالي والمقصر » [قارن بين النسخة القديمة المطبوعة في حياة الشيخ الفاخوري ص 262 - 269 المخطوط في مركز الملك فيصل برقم 25725 وبين النسخة التي طبعتها دار الجنان الحبشية ص200، حيث حذفت دار الجنان منها ست صفحات التي نص فيها الشيخ الفاخوري على موافقة محمد بن عبد الوهاب لما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - والأنبياء من قبله، واستنكر ما حاق بالأمة من اعتقاد الربوبية في الأولياء وأنهم يتصرفون في الكون].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply