بسم الله الرحمن الرحيم
عرض وتقديم: محمد السيد المليحي
تعبيراً عن فضل الدين الحنيف علينا، وتجسيداً لدوره القيم فينا نقدم عرضاً متواضعاً لهذا المؤلف الطيب الذي جمع بين دفتيه كثيراً من سمات الإسلام، وعديداً من خصائصه التي تعين الفرد على السير قدماً نحو التقدم والرقي في الدنيا، وتضمن له حياة هنيئة مريئة في الآخرة، فقد حرص الكاتب في كتابه هذا على إبراز غايته التي قصد إليها في هذا الكتاب في سمتين عظيمين:
1 -القصد المباشر نحو الفكرة التي يرنو إليها الكاتب، دون اعوجاج أو تحذلق.
2 - التدليل على الرأي بأسس ومبادئ علمية، وعرضها بصورة علمية صحيحة.
التعريف بالدين:
ففي الفصل الأول استعرض الكاتب فكرة الدين وأن الغريزة [1] الدينية وجدت مع الخليقة منذ النشأة الأولى، ولكنها - كما يقرر المؤلف - حادت بعض الشيء عن الطريق المعين لها.
ولذلك نجد الرسل لم يتحدثوا إلى الناس في خلق هذا الشعور الديني، ولكنهم قاموا بتوجيه هذه الميول الوجهة الصحيحة لتصل إلى الدين الحق، ولهذا يكون الوحي الإلهي رحمة للناس جميعاً، إذ يهدي النفوس الضالة، ويساعد العقل على الوصول إلى الحق من أقرب الطرق وأيسرها على الإنسان.
ونخلص من هذا الفصل إلى أن الدين أمر طبيعي غريزي في الإنسان أصيل في أعماق شعوره وأحاسيسه.
وهنا يقول الكاتب: « إن الاعتقاد في شيء أو كائن ما أو قوة من القوى والتدين به أمر طبعي في الإنسان، وحاجة من حاجات النفس تهيمن على المرء طول حياته، ومن ثم لابد من إروائها وإشباعها، كسائر حاجات النفس الطبيعية الأخرى ».
الحاجة إلى الإسلام:
تناول المؤلف في الفصل الثاني مضمون الفكرة التي قام عليها الكتاب، فاستفتح الحديث عن تخبط الشعوب وتيه الأمم من جراء اليهودية المتعصبة، والمسيحية المحرفة، والزرادشتية المضللة، والمزدكية التي تدعو إلى الإباحية الجنسية، وغيرها من الديانات التي عاشت في وجدان وعقول البشرية، فأضلت كثيراً من الشعوب، وأصمت العديد منها عن الوعي السديد، والحس المستنير، وجمدت حريات الغالب منها واعتقلت آراءهم وأفكارهم.
ومن خلال التناول العلمي لصور الديانات القديمة والحديثة، خرج علينا المؤلف بدور الإسلام الحنيف، وحاجة الإنسانية الماسة إليه خاصة بعد ما حرم اليهود وحللوا لأنفسهم، وبعد ما سيطر رجال الكنيسة على الحياة العلمية والعملية بصورة حمقاء، تصور الدين بأنه عدو للعلم، وحجر عثرة لكل تقدم ورقي..
وتأتي أهمية الإسلام لتحمي الشعوب من الخلط في الأنساب، وتفشي الأمراض التي جاءت من دعوة المزدكية للإباحية الجنسية المطلقة، إذ ذهب مؤسسها « مزدك » إلى أن أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها، اشتراكهم في الماء والنار والكلأ.
ويعلق الكاتب على جدال النصارى وعقائدهم بقوله: لقد كان الإسلام ثورة على المجادلة الجوفاء في العقيدة، وحجة قوية ضد تمجيد الرهبانية باعتبارها رأس التقوى، وقد بين أصول الدين التي تقول بوحدانية الله وعظمته..
وهكذا كانت الإنسانية تتطلع منذ زمن طويل إلى دين جديد عادل رحيم، وكان هذا الدين هو الإسلام الحنيف، خاصة بعد أن أفلست كل نظم العالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبعد أن نجحت فيه فلسفات تدعو لإنكار وجود الله، والتحلل من المسؤولية وفاضل الأخلاق.
من خصائص الإسلام: نأتي إلى الفصل الثالث حيث يدلل المؤلف على أن الإسلام دين ضروري تحتاج إليه الإنسانية احتياجاً ماساً وشديداً، ففي هذا الفصل يعرض لنا الكاتب بعضاً من خصائص الإسلام التي تنقذ البشرية من هذا التخبط، وتعيد لها صياغتها على الوجه الأكمل، ومن هذه الخصائص التي جاءنا بها الكاتب: 1 - الوحدة الدينية: وفي هذه الخصيصة جسد لنا المؤلف هذه السمة التي انفرد بها الإسلام حين ذكر لنا ما قامت به الرسالة المحمدية من نفي لجميع الالهة التي كان الناس يعبدونها في ذلك الوقت، ووحدت العقيدة وأفردت العبادة لإله واحد أحد لا شريك له، عالم بكل صغير وكبير في كونه، محيط بكل شيء ومدبر لكل شيء.
ويذكر الكاتب هنا أن الإسلام لم يكتف بإقرار هذا التوحيد للإله الذي يستحق العبادة، بل بين لنا أن كل الرسل دعوا إلى هدف واحد، ورسالة من الله - تعالى -للبشرية بعامة تعينهم على الحياة الفاضلة والمطمئنة في ظل طاعة الله وتوحيده.
ثم جاء الكاتب بآيات من الذكر الحكيم تدلل على هذه الحقيقة، فقد جاء في آخر سورة البقرة (آية 285): (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيهِ مِن رَّبِّهِ والمُؤمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ, مِّن رٌّسُلِهِ وقَالُوا سَمِعنَا وأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيكَ المَصِيرُ)، وقال أيضاً في نفس السورة آية 136: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ومَا أُنزِلَ إلَينَا ومَا أُنزِلَ إلَى إبرَاهِيمَ وإسمَاعِيلَ وإسحَاقَ ويَعقُوبَ والأَسبَاطِ ومَا أُوتِيَ مُوسَى وعِيسَى ومَا أُوتِيَ النَّبِيٌّونَ مِن رَّبِّهِم لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ, مِّنهُم ونَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ) 2 - الوحدة السياسية: جاء الإسلام وكان حال الأمة العربية يرثى له، حيث كان التفكك والتمزق والحمق والعداء، فكانت الحروب تقوم بين القبائل على أضعف الأسباب، وتستمر أياماً، بل وشهوراً، وبعضها ظل سنيناً إلى أن جاء الإسلام.
فقد فض الرسول الكريم النزاع الذي ظل زمناً طويلاً بين الأوس والخزرج، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وغرس في قلوب أصحابه حب الخير والسلام، ودعا الناس إلى التوحد والتجمع والتزاور والتشاور، ونهى عن الخصام والعزلة عن الجماعة، وهنا يقول الكاتب: كما كان من أثر هذه الوحدة السياسية التي جاء بها الإسلام وعمل بها الرسول والمؤمنون، أنه لما لحق - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى، واجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة لهم، رأى الأنصار أن لهم حقاً في أن يكون الخليفة منهم لسابق نصرهم للإسلام ورسوله، ولكن أبا بكر والمهاجرين جميعاً - على عرفانهم فضل الأنصار ومآثرهم - ذهبوا إلى أن يكون الخليفة من قريش لما أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -..
وهكذا قضي على النزاع وانتهى الأمر واستقر بينهما.
وفي هذا السبيل، سبيل المحافظة على وحدة الأمة السياسية يرى فقهاء الإسلام أنه لا يجوز أن يكون هناك أكثر من خليفة في الأمة الواحدة.
3 - الإسلام دين يحض على التفكير: أعرب الكاتب عن هذه الميزة التي جاء بها الإسلام، ودعا إليها في صورة جلية وساطعة تقوم على الأدلة المستمدة من الكتاب والسنة، فقد أعرب عن كون الإسلام دين يدعو إلى التفكر والتدبر، وأنه أدى رسالته نحو العقل والعلم، كما أفصح عن حقيقة هامة يجب أن لا نغفل عنها، ولا يغفل عنها من استفاد منها وهي: « دور العلم الإسلامي في التقدم والرقي الذي أضحى عليه العالم الغربي في العصور المتأخرة، ومن الأسس والأدلة القرآنية التي أتى بها الكاتب، لكي يثبت دعوة القرآن إلى العلم والتعلم والفكر والتفكر قوله - تعالى -: (إنَّ فِي خَلقِ السَّمَوَاتِ والأَرضِ واختِلافِ الَليلِ والنَّهَارِ والفُلكِ الَتِي تَجرِي فِي البَحرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ ومَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ, فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ, وتَصرِيفِ الرِّيَاحِ والسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ والأَرضِ لآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَعقِلُونَ) [البقرة: 164].
وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي تدعوا إلى العلم حين قال: « طلب العلم فريضة على كل مسلم »، إلى غير ذلك من آيات وأحاديث نبهنا إليها الكاتب تدعم ما جاء به الإسلام لإحلال العقل محله المناسب.
وإذا كان الإسلام يحض هكذا على ملاحظة الكون وظواهره، وإعمال العقل والفكر في كل ما يحيط بالإنسان، وسائر ما خلق الله من الكائنات، فما هذا إلا لأنه يريد منا أن نطلب العلم بكل سبيل، ونترفع عن التقليد الأعمى، ونبذل في سبيل العلم كل ما نملك من طاقات.
فالإسلام دعوة إلى استعمال العقل والفكر في شتى نواحي الحياة.
4 - الإسلام دين الحرية والمساواة: إن الحرية في الإسلام أصابت الحظ الوافر من التشريع الإسلامي، بل ومن الإسلام نفسه، فقد كانت النواة الأولى للحرية في الإسلام ممثلة في التحرر من عبادة الأصنام والسجود للآلهة المتحجرة والمتعددة، وإلى عبادة إله واحد لا شريك له.
ومع ذلك فإن الإسلام لم يجبر غير معتنقيه على الدخول فيه، قال - تعالى -: (لا إكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرٌّشدُ مِنَ الغَيِّ)، وقوله للرسول - صلى الله عليه وسلم - في سورة يونس: (ولَو شَاءَ رَبٌّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلٌّهُم جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنِينَ)، ويأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بألا يتعدى عمله عن التبليغ والإنذار، وهذا نراه في قوله - تعالى -: (إن أَنتَ إلاَّ نَذِيرٌ) وقوله: (ومَا عَلَى الرَّسُولِ إلاَّ البَلاغُ)، وآيات كثيرة تجعل من العبادة مكنوناً جوهرياً لا دخل لأحد فيها سوى الإنسان ذاته.
ومن أسس الحرية التي جاء بها الكاتب في هذا الكتاب القيم الاجتهاد في التشريع مع ما يتمشى والكتاب والسنة، ويذكر الكاتب هنا رأياً عظيماً للفقهاء في هذه المسألة، حيث يقول: إن الفقهاء يؤمنون بالحرية والمساواة، ودليل على ذلك حين يكون هناك طفل غير معروف نسبه مع مسلم وكافر، فقال الكافر هو ابني، وقال المسلم هو عبدي، يحكم الفقهاء في هذه القضية ببنوة الابن للكافر من قبيل الحرية.
أما في جانب المساواة فقد أقر الكاتب أن التفاضل بين الناس في الدنيا يكون بالتقوى والعمل الصالح (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقنَاكُم مِّن ذَكَرٍ, وأُنثَى وجَعَلنَاكُم شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم)، والرسول الكريم يقول: « لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى »، هذا وللحرية والمساواة جوانب كثيرة وعديدة خصصها لهما الإسلام، وشرعها لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
5 - الإسلام دين ودولة: يبين الكاتب في هذه النقطة وتلك السمة أن الإسلام لم يكن عقيدة دينية فقط ولا نظاماً أخلاقياً فحسب، بل هو دين ودولة، بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان ودلالات.
فقد نظم الإسلام للإنسان المسلم حياته ومعاملاته مع أسرته ومع الناس، وبين له سبل النجاح والردى في الحياة، ودله على الطريق الذي يؤدي به إلى العيش الهادئ المطمئن، ففي جانب العبادات بين الدين الحنيف طريقة العبادة لله - تعالى -، وأعرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية التعبد لله - سبحانه -، أما في جانب التعامل في الحياة العامة فقد رسم لنا القرآن الكريم في شخص رسول الله ص الحالة التي يجب أن يكون عليها الإنسان المسلم والوجه الصحيح الذي لابد وأن يصبح عليه المسلم الأمر الذي لم يدع جانباً واحداً من جوانب الحياة إلا وكان للإسلام دور رائد فيه.
وهنا يقول الكاتب: ومن هنا يحق للإسلام أن يكون دستوراً أزلياً يحكم به، وتقوم شريعته لتفصل بين الناس، وتقضي بينهم بما أمر الله - تعالى -، فمن طلب الهدى من غيره أضله الله، ومن أراد الفلاح والنجاح بدونه خسر وخاب، وضل عن الطريق السديد.
وإن لم يكن للإسلام دور في هذا العالم المعاصر، فلابد أن ننتظر تخبطاً واضطراباً وتيها أكثر مما نعيشه الآن، وذلك لأن المولى - عز وجل - قال وقوله الحق: (ومَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً).
--------------------------------------------
(1) استخدم الكاتب مصطلح الغريزة الدينية، ولو استخدم مصطلح الفطرة الدينية لكان أدق - التحرير-.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد