شروط لا إله إلا الله


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ذكر العلماء لكلمة الإخلاص شروطًا سبعة، لا تصح إلا إذا اجتمعت، واستكملها العبد، والتزمها بدون مناقضة لشيء منها، وليس المراد من ذلك عد ألفاظها وحفظها؟ فكم من عامي اجتمعت فيه، والتزمها ولو قيل له عددها لم يحسن ذلك وكم حافظ لألفاظها يجري فيها كالسهم، وتراه يقع كثيرا فيما يناقضها.

وهذه الشروط مأخوذة بالتتبع والاستقراء، وقد نظمها الشيخ حافظ الحكمي - رحمه الله - بقوله:

العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول

والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه

ونظمها بعضهم بقوله:

علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها

وأضاف بعضهم شرطا ثامنا ونظمه بقوله:

وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأوثان قد ألها

وهذا الشرط مأخوذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه.

هذه هي الشروط السبعة مع زيادة الشرط الثامن على وجه الإجمال، وإليك تفصيلها:

1- العلم: والمراد به العلم بمعناها نفيا وإثباتا، وما تستلزمه من عمل، فإذا علم العبد أن الله - عز وجل - هو المعبود وحده، وأن عبادة غيره باطلة وعمل بمقتضى ذلك العلم - فهو عالم بمعناها.

وضد العلم الجهل؟ بحيث لا يعلم وجوب إفراد الله بالعبادة، بل يرى جواز عبادة غير الله مع الله، قال تعالى: (فَاعلَم أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وقال: إِلَّا مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُم يَعلَمُونَ)، أي من شهد بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم، وقال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالمَلَائِكَةُ وَأُولُو العِلمِ قَائِمًا بِالقِسطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)، وقال تعالى: (قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ)، وقال: (إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاءُ وقال: وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ)، وفي الصحيح عن عثمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

2- اليقين: وهو أن ينطق بالشهادة عن يقين يطمئن قلبه إليه، دون تسرب شيء من الشكوك التي يبذرها شياطين الجن والإنس، بل يقولها موقنا بمدلولها يقينا جازما.

فلا بد لمن أتى بها أن يوقن بقلبه، ويعتقد صحة ما يقوله من أحقية إلهية الله تعالى، وبطلان إلهية من عداه، وأنه لا يجوز أن يصرف لغيره شيء من أنواع التأله والتعبد، فإن شك في شهادته أو توقف في بطلان عبادة غير الله كأن يقول: أجزم بألوهية الله ولكنني متردد ببطلان إلهية غيره - بطلت شهادته ولم تنفعه، قال تعالى مثنيا على المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ)، وقد مدح الله المؤمنين أيضًا بقوله: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وذم المنافقين بقوله: وَارتَابَت قُلُوبُهُم فَهُم فِي رَيبِهِم يَتَرَدَّدُونَ)، وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة وعنه - رضي الله عنه - أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة-.

3- القبول: والقبول يعني أن يقبل كل ما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، فيصدق بالأخبار ويؤمن بكل ما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويقبل ذلك كله، ولا يرد منه شيئا، ولا يجني على النصوص بالتأويل الفاسد والتحريف الذي نهى الله عنه، قال تعالى واصفا المؤمنين بامتثالهم وقبولهم وعدم ردهم: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ، مِن رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعنَا وَأَطَعنَا غُفرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيكَ المَصِيرُ)، وقال تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَينَا)، .

وضد القبول: الرد، فإن هناك من يعلم معنى الشهادة ويوقن بمدلولها ولكنه يردها كبرا وحسدا، وهذه حال علماء اليهود والنصارى كما قال تعالى عنهم: (الَّذِينَ آتَينَاهُمُ الكِتَابَ يَعرِفُونَهُ كَمَا يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُم وَإِنَّ فَرِيقًا مِنهُم لَيَكتُمُونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمُونَ)، . وقال تعالى: (حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ)، ، وكذلك كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله وصدق رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولكنهم يستكبرون عن قبوله كما قال تعالى عنهم: (إِنَّهُم كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُم لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَستَكبِرُونَ وقال تعالى عنهم: فَإِنَّهُم لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيات اللَّهِ يَجحَدُونَ)، وكذلك كان شأن فرعون مع موسى -عليه السلام-.

ويدخل في الرد وعدم القبول من يعترض على بعض الأحكام الشرعية أو الحدود أو يردها، كالذين يعترضون على حد السرقة، أو الزنا، أو على تعدد الزوجات أو المواريث، وما إلى ذلك، فهذا كله داخل في الرد وعدم القبول، لأن الله يقول: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادخُلُوا فِي السِّلمِ كَافَّةً ويقول: وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ، وَلَا مُؤمِنَةٍ، إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم)، ويدخل في الرد أيضًا من يعطل أسماء الله وصفاته، أو يمثلها بصفات المخلوقين.

4- الانقياد: المنافي للترك: وذلك بأن ينقاد لما دلت عليه كلمة الإخلاص، ولعل الفرق بين الانقياد والقبول أن القبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، أما الانقياد فهو الاتباع بالأفعال، ويلزم منهما جميعا الاتباع، فالانقياد هو الاستسلام والإذعان وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، قال تعالى: (وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ وقال تعالى: وَمَن أَحسَنُ دينًا مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وقال تعالى: وَمَن يُسلِم وَجهَهُ إلى اللَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى)، وقال تعالى مثنيا على إبراهيم -عليه السلام-: (إِذ قَالَ لَهُ رَبٌّهُ أَسلِم قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ)، .

ومن الانقياد أيضًا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- والرضى به والعمل به دون تعقب أو زيادة أو نقصان قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا)، وإذا علم أحد معنى لا إله إلا الله، وأيقن بها، وقبلها، ولكنه لم ينقد، ويذعن، ويستسلم ويعمل بمقتضى ما علم فإن ذلك لا ينفعه، كما هي حال أبي طالب فهو يعلم أن دين محمد حق وينطق بذلك ويعترف، حيث يقول مدافعًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك لا عليك غضاضة وافرح وقر بذاك منك عيونا ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينًا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا فما الذي نقص أبا طالب؟ الذي نقصه هو الإذعان والاستسلام.

وكذلك الحال بالنسبة لبعض المستشرقين؟ فهم يعجبون بالإسلام ويوقنون بصحته ويعترفون بذلك، وتجد بعض المسلمين يهشون لذلك ويطربون لهؤلاء، ويصفونهم بالموضوعية والتجرد، ولكن إعجابهم ويقينهم واعترافهم لا يكفي، بل لا بد من الانقياد.

ومن عدم الانقياد ترك التحاكم لشريعة الله - عز وجل - واستبدالها بالقوانين الوضعية، الفرنسية، والإنجليزية، والسويسرية وغيرها. 5- الصدق: وهو الصدق مع الله، وذلك بأن يكون صادقا في إيمانه صادقا في عقيدته، ومتى كان ذلك - فإنه سيكون مصدقا لما جاء من كتاب ربه، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فالصدق أساس الأقوال، ومن الصدق أن يصدق في دعوته وأن يبذل الجهد في طاعة الله، وحفظ حدوده، قال تعالى: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، وقال في وصف الصحابة: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ وقال: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ)، .

وقد ورد اشتراط الصدق في الحديث الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة. وضد الصدق الكذب، فإن كان العبد كاذبا في إيمانه فإنه لا يعد مؤمنا بل هو منافق، وإن نطق بالشهادة بلسانه، وحاله هذه أشد من حال الكافر الذي يظهر كفره، فإن قال الشهادة بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإن هذه الشهادة لا تنجيه، بل يدخل في عداد المنافقين، الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا (نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)، فرد الله عليهم تلك الدعوى بقوله: (وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)، وقال تعالى أيضًا في شأن هؤلاء: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخر وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ وقال: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ)، والأدلة في ذلك كثيرة جدا وهي مبسوطة في أوائل سورة البقرة، وفي سورة التوبة أيضًا وغيرها، فإذا قامت أعمال الإنسان واعتقاداته على عقيدة سليمة كان الإيمان قويا سليما، وبالتالي يكون العمل مقبولا بإذن الله والعكس بالعكس، والناس يتفاوتون في الصدق تفاوتًا عظيمًا.

ومما ينافي الصدق في الشهادة تكذيب ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو تكذيب بعض ما جاء به لأن الله سبحانه أمرنا بطاعته وتصديقه، وقرن ذلك بطاعته - سبحانه وتعالى - وقد يلتبس على بعض الناس الأمر في موضوع اليقين والصدق، لذا نقول: إن اليقين أعم من التصديق، وعلى ذلك يكون كل موقن مصدقا وليس كل مصدق موقنا. أي بينهما عموم وخصوص كما يقول أهل الأصول؟ أي أن الموقن قد مر بمرحلة التصديق.

6- الإخلاص: وهو تصفية الإنسان عمله بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، وذلك بأن تصدر منه جميع الأقوال والأفعال خالصة لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ليس فيها شائبة رياء، أو سمعة، أو قصد نفع، أو غرض شخصي أو شهوة ظاهرة أو خفية أو الاندفاع للعمل لمحبة شخص، أو مذهب، أو مبدأ، أو حزب يستسلم له بغير هدى من الله، والإخلاص كذلك مهم في الدعوة إلى الله تعالى فلا يجعل دعوته حرفة لكسب الأموال أو وسيلة للتقرب إلى غير الله، أو الوصول للجاه والسلطان، بل لا بد أن يكون مبتغيا بدعوته وجه الله والدار الآخرة، ولا يلتفت بقلبه إلى أحد من الخلق يريد منه جزاء أو شكورا. والقرآن والسنة مليئان بذكر الإخلاص، والحث عليه، والتحذير من ضده، ومن ذلك قوله تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ)، وقال: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وقال: (قُلِ اللَّهَ أَعبُدُ مُخلِصًا لَهُ دِينِي)، .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه. وفي الصحيحين من حديث عتبان فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله. ويدخل في ذلك - الإخلاص في اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، بالاقتصار على سنته وتحكيمه، وترك البدع، والمخالفات، وترك ما يخالف شرعه من التحاكم إلى ما وضعه البشر من عادات وقوانين فإن رضيها أو حكم بها - لم يكن من المخلصين.

وضد الإخلاص الشرك والرياء وابتغاء غير وجه الله. فإن فقد العبد أصل الإخلاص فإن الشهادة لا تنفعه أبدا قال تعالى: (وَقَدِمنَا إلى مَا عَمِلُوا مِن عَمَلٍ، فَجَعَلنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا)، . فلا ينفعه حينئذ أي عمل يعمله لأنه فقد الأصل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدِ افتَرَى إِثمًا عَظِيمًا)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه

وإن فقد الإخلاص في عمل من الأعمال ذهب أجر ذلك العمل.

7- المحبة: أي المحبة لهذه الكلمة العظيمة، ولما دلت عليه واقتضته، فيحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويقدم محبتهما على كل محبة، ويقوم بشروط المحبة ولوازمها. فيحب الله محبة مقرونة بالإجلال والتعظيم والخوف والرجاء، ويحب ما يحبه الله من الأمكنة: كمكة المكرمة والمدينة النبوية والمساجد - عموما - والأزمنة كرمضان وعشر ذي الحجة وغيرها، والأشخاص كالأنبياء والرسل والملائكة والصديقين والشهداء والصالحين، والأفعال كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والأقوال كالذكر وقراءة القرآن،. ومن المحبة - أيضًا - تقديم محبوبات الله على محبوبات النفس وشهواتها ورغباتها، وذلك لأن النار حفت بالشهوات والجنة حفت بالمكاره.

ومن المحبة أيضًا أن يكره ما يكرهه الله؟ فيكره الكفار، ويبغضهم، ويعاديهم، ويكره الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ، يُحِبٌّهُم وَيُحِبٌّونَهُ أَذِلَّةٍ، عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ، عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِمٍ،)، وقال تعالى: (لَا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخر يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُم أَو أَبنَاءَهُم أَو إِخوَانَهُم أَو عَشِيرَتَهُم)، . وقال تعالى: (قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ، فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ)، . وقال -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

وعلامة هذه المحبة الانقياد لشرع الله واتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم)، ، وضد المحبة الكراهية لهذه الكلمة ولما دلت عليه وما اقتضته، أو محبة غير الله مع الله. قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحبَطَ أَعمَالَهُم)، . وقال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبٌّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدٌّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ)، فهؤلاء الذين بين الله - جل وعلا - شأنهم في هذه الآية يحبون الله ولكنهم يحبون غيره مثل محبته على أحد التفسيرين، ومع ذلك سماهم الله ظالمين والظلم هنا بمعنى الشرك بدليل قوله تعالى في الآية التي تليها: (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)، . فإذا كان هذا هو شأن - من أحب الله وأحب غيره مثل حبه - فكيف بمن أحب غير الله أكثر من حبه لله؟، وكيف بمن أحب غير الله ولم يحب الله -سبحانه وتعالى- بل وكيف بمن أحب غير الله، وكره الله وحارب الله - سبحانه وتعالى؟

ومما ينافي المحبة أيضًا بغض الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومما ينافيها موالاة أعداء الله من اليهود والنصارى وسائر الكفار والمشركين ومما ينافيها أيضًا معاداة أولياء الله المؤمنين. ومما ينافي كمالها - المعاصي والذنوب. نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا حبه وحب من يحبه والعمل الذي يقربنا إلى حبه إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply