إن الإسلام هو طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، إذ هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والإذعان، وهو ثمرة الإيمان وبرهان صدقه، فلا إيمان بدون طاعة وانقياد لله ورسوله قال تعالى: ((وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين))، وقال سبحانه: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )).
فدعوى الإسلام والنطق بالاعتراف به، والإيمان به بدون تحقيق الطاعةº هي مجرد دعوى مقالية لا تنبئ عن صدق فيها، وهي مظهر النفاق وصفة المنافقين الذين قال - تعالى- عنهم: (( ويقولون أمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ))، ثم قال - تعالى- مبيناً ما يجب أن يكون عليه المؤمنون: (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون )).
كما هي صفة من ذمهم الله من بني إسرائيل قال تعالى: ((وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين)).
فتأمل كيف ذم الله هذا الإيمان الذي لم يثمر الطاعة (( قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ))، أي لو كنتم مؤمنين ما أثمر إلا الطاعة والانقياد، وكذا قال بعض السلف: \"الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل\"، وذم النبي - صلى الله عليه وسلم - أقواماً يأتون في أواخر الزمان هذه صفتهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل\".
فهناك صنفان: صنف هم حواريون وأصحاب الأنبياء، صادقون في أقوالهم وأعمالهم.
وصنف بعكسهم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمجاهدتهم، وربط هذا الجهاد بالإيمان، وإلا فلا إيمان ولو مثل حبة خردل.
فليحذر المسلم من ترك الطاعة، والامتثال لأمر الله ورسوله، والإعراض عن حكمه، أو الاعتراض على شرعه، فإن ذلك يدل على النفاق، وخلو القلب من الإيمان.
وعليه فكل الدعوات أو المذاهب أو المناهج العملية التي ترفض حكم الله ورسوله، وتأبى الالتزام به في حياة الفرد والجماعة هي دعوة ومناهج خارجة عن الإسلام، بأي اسم تسمت، وبأي شعار تذرعت، ولو زعمت بلسانها، أو كتبت في دساتيرها، أو تشريعاتها، أو برامجهاº أنها تدين بالإسلام، وتؤمن به، إذ دعوة المقال اللساني والكتابي حاصلة من كل منافق، ومدار الصدق مطابقة القول العمل قال تعالى: ((إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون))، فتأمل التعقيب في الآية الثانية ((إنهم ساء ما كانوا يعملون))، لقد أساءوا العمل وهم يزعمون الإيمان، فدل على عدم صدقهم في دعوى الإيمان.
وقال - تعالى- مبيناً حقيقة الصدق في الإيمان وأنه مطابقة القول للعمل: (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ))، قال عبد الرحمن السعدي في تفسيره: (أولئك هم الصادقون)) أي الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق دعوى كبيرة في كل شيء يُدَّعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك هو دعوى الإيمان الذي هو مدار السعادة والفوز الأبدي والفلاح السرمدي، فمن ادعاه وقام بواجباته ولوازمه فهو الصادق المؤمن حقاً، ومن لم يكن كذلك علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد