الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فالشهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هما مفتاح الإسلام، ولا يمكن الولوج إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فأما الكلمة الأولى: \"شهادة أن لا إله إلا الله\" فأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود إلا الله - عز وجل -. لأن \"إله\" بمعنى مألوه، والتأله: التعبد والمعنى: أنه لا معبود إلا الله وحده. وهذه الجملة تشتمل على نفي وإثبات أما النفي ففي قوله: \"لا إله \". وأما الإثبات ففي قوله \"إلا الله\" ولفظ الجلالة \"الله\" بدل من الخبر المحذوف خبر \"لا\", لأن التقدير \"لا إله حق إلا الله\" فهو إقرار باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حق إلا الله - عز وجل - وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده، ونفي العبادة عما سواه. وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة \"حق\" يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس وهو: كيف تقولون \"لا إله إلا الله\" مع أن هناك آلهة، تعبد من دون الله، سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة فقال- تبارك وتعالى -: {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك} وقال - تعالى -: {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر}. وقال - تعالى -: {ولا تدع مع الله إلهاً آخر} فكيف يمكن أن نقول \"لا إله إلا الله\" مع ثبوت الألوهية لغير الله - عز وجل -؟ وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله –تعالى- والرسل يقولون لأقوامهم: {اعبدوا الله مالكم من إله غيره } والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في \"لا إله إلا الله\" فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة باطلة ليست آلهة حقاً، وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قول الحق - سبحانه -: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير} ويدل لذلك أيضا قوله - سبحانه -: {أفرايتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الأخرى* ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزي * إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}, وقوله - تعالى -عن يوسف - عليه الصلاة والسلام -: {ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} إذا فمعنى \"لا إله إلا الله\" أي لا معبود حق إلا الله - عز وجل - وأما المعبودات سواه من الرسل أو الملائكة, أو الأولياء, أو الأحجار, أو الأشجار, أو الشمس, أو القمر أو غير ذلك فإن أولوهيتها التي يزعمها عابدوها ألوهية باطلة، وليست حقيقة، بل الألوهية الحق هي ألوهية الله - عز وجل - وأما معنى شهادة أن محمداً رسول الله: فهي الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن محمداً بن عبد الله الهاشمي القرشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جميع الخلق من الجن والإنس قال - تعالى -: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} وقال - تعالى -: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقاً من الربوبية وتصريف الكون أو حقاً بالعبادة، بل هو - صلى الله عليه وسلم - عبد لا يُعبَد، ورسول لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله، كما قال - تعالى -: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي}. فهو عبد مأمور يتبع ما أمره الله به. وقال - تعالى -: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} فهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ومعنى قولنا في الشهادتين: الإقرار باللسان والإيمان بالقلب أي لا بد من الجمع بينهما فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين، فالمنافقون يقول الله - تعالى -عنهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} فهؤلاء قد اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم. وقد يعترف الإنسان بقلبه لكن لا ينطق به، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهراً. أما فيما بينه وبين الله فحكمه إلى الله، لكنه في الدنيا لا ينفعه، ولا يحكم بإسلامه ما دام لم ينطق بلسانه اللهم إلا أن يكون عاجزاً عن ذلك عجزاً حسياً أو حكمياً، فقد يعامل بما تقتضيه حاله. فلا بد من الاعتراف بالقلب واللسان. المتابعة: المتابعة لا تتحقق إلا بستة أوصاف: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها، وجنسها، وقدرها، وكيفيتها، وزمانها، ومكانها. أولا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها. فأي إنسان يتعبد لله بعبادة مبنية على سبب لم يثبت بالشرع، فهي عبادة مردودة ليس عليها أمر الله ورسوله، ومثال ذلك الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الذين يحتفلون بليلة السابع والعشرين من رجب، يدّعون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرج به في تلك الليلة، فهو غير موافق للشرع ومردود: أولاً: لأنه لم يثبت من الناحية التاريخية أن معراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان ليلة السابع والعشرين، وكتب الحديث التي بين أيدينا ليس فيها حرف واحد يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرج به في ليلة السابع والعشرين من رجب، ومعلوم أن هذا من باب الخبر الذي لا يثبت إلا بالأسانيد الصحيحة. ثانياً: وعلى تقدير ثبوته فهل من حقنا أن نحدث فيه عبادة أو نجعله عيداً؟ أبداً. ولهذا لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ورأى الأنصار لهم يومان يلعبون فيهما، قال: (إن الله أبدلكم بخير منهما) وذكر لهم عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا يدل على كراهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأي عيد يحدث في الإسلام سوى الأعياد الإسلامية، وهي ثلاثة: عيدان سنويان وهما عيد الفطر والأضحى، وعيد أسبوعي وهو الجمعة. فعلى تقدير ثبوت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عرج به ليلة السابع والعشرين من رجب، (وهذا دون ثبوته خرط القتاد) لا يمكن أن نحدث فيه شيئاً بدون إذن من الشارع. وكما قلت لكم إن البدع أمرها عظيم، وأثرها على القلوب سيئ، حتى وإن كان الإنسان في تلك اللحظة يجد من قلبه رقة وليناً، فإن الأمر سيكون بعد ذلك بالعكس قطعاًº لأن فرح القلب بالباطل لا يدوم، بل يعقبه الألم والندم والحسرة وكل البدع فيها خطورةº لأنها تتضمن القدح في الرسالة لأن متقضى هذه البدعة أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يتم الشريعة مع أن الله - سبحانه وتعالى - يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}. والغريب أن بعض المبتلين بهذه البدع تجدهم يحرصون غاية الحرص على تنفيذها، مع أنهم متساهلون فيما هو أنفع وأصح وأجدى. لذلك نقول إن الاحتفالات ليلة سبع وعشرين على أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه بدعة، لأنها بنيت على سبب لم يأت به الشرع. ثانيا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في جنسها: مثل أن يضحي الإنسان بفرس، فلو ضحى الإنسان بفرس، كان بذلك مخالفاً للشريعة في جنسها. ثالثا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في قدرها: لو أن أحداً من الناس قال إنه يصلي الظهر ستاً فهل هذه العبادة تكون موافقة للشريعة؟ كلاº لأنها غير موافقة لها في القدر. ولو أن أحداً من الناس قال: سبحان الله، والحمد الله، والله أكبر خمساً وثلاثين مرة دبر الصلاة المكتوبة فهل يصح ذلك؟ والجواب: إننا نقول إن قصدت التعبد لله - تعالى -بهذا العدد فأنت مخطئ، وإن قصدت الزيادة على ما شرع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكنك تعتقد أن المشروع ثلاثة وثلاثون فالزيادة لا بأس بها هنا، لأنك فصلتها عن التعبد بذلك. رابعا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها: لو أن الإنسان فعل العبادة بجنسها وقدرها وسببها، لكن خالف الشرع في كيفيتها، فلا يصح ذلك. مثال ذلك: رجل أحدث حدثاً أصغر. وتوضأ ولكنه غسل رجليه ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه ثم غسل وجهه، فهل يصح وضوؤه؟ كلا لأنه خالف الشرع في الكيفية. خامساً: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في الزمان. مثل أن يصوم الإنسان رمضان في شعبان، أو في شوال. أو أن يصلي الظهر قبل الزوال، أو بعد أن يصير ظل كل شي مثله، لأنه إن صلاها قبل الزوال صلاها قبل الوقت، وإن صلى بعد أن يصير ظل كل شيء مثله، صلاها بعد الوقت فلا تصح صلاته. ولهذا نقول إذا ترك الإنسان الصلاة عمداً. حتى خرج وقتها بدون عذر، فإن صلاته لا تقبل منه، حتى لو صلى ألف مرة. وهنا نأخذ قاعدة مهمة في هذا الباب وهي \"كل عبادة مؤقتة إذا أخرجها الإنسان عن وقتها بدون عذر فهي غير مقبولة بل مردودة \" ودليل على ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) سادساً: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في مكانها: فلو أن إنساناً وقف يوم عرفة بمزدلفة، لم يصح وقوفه، لعدم موافقة العبادة للشرع في مكانها. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى بعض زوجاته ضربن أخبية لهن في المسجد، أمر بنقض الأخبية وإلغاء الاعتكاف ولم يرشدهن إلى أن يعتكفن في بيوتهن، وهذا يدل على أنه ليس للمرأة اعتكاف في بيتها لمخالفة الشرع في المكان.فهذه ستة أوصاف، لا تتحقق المتابعة إلا باجتماعها في العبادة.والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد