بسم الله الرحمن الرحيم
كُتبت مقالاتٌ لا حصر لها عن صدام بعد وقوعه في أسر القوات الأمريكية، وكان أفضلها تلك التي دلّلت على ضرورة عدم تكرر لظاهرة الصدامية في وطننا العربي، والحقيقة أن هذا الوطن الغالي يحفل بالصداميين والصداميات من محيطه إلى خليجه، ولكن بمقاساتٍ, مختلفةٍ,، فهل السبب يعود إلى جيناتٍ, وراثيةٍ, ترفض الآخر وتستدعي كل مقولات العداء له؟ أم هي عقولٌ مقفلةٌ لا تدرك معنى التفاهم بين البشر، وقلوبٌ مغلقةٌ لا تعرف الحب ولا تقبل الآخر؟ المشكلة المحزنة تحدث عندما يكون هذا الآخر من أهل الأديان الأخرى وخاصة المسيحية فإن هذا العداء يصب في صالح نظرية صراع الحضارات ويساهم في تشويه الإسلام ولصق تهمة الإرهاب به، والخَطبُ الجلل يقع عندما تأتي هذه الأفكار من بعض الذين يُنسبون إلى العلم الشرعي ويأخذ بأقوالهم كثيرٌ من الناس، لأن هؤلاء يقدمون الدعم لكل الذين يعيثون في الأرض فساداً بحجة قتل الكافر فلا يفرقون بين كافرٍ, مسالمٍ, وكافرٍ, محاربٍ,، ولا بين عابد وثنٍ, وبين متبعٍ, لدينٍ, سماويٍّ,، ولا بين يهوديٍّ, ونصرانيٍّ,، ولا بين يهوديٍّ, ويهوديٍّ, أو نصرانيٍّ, ونصرانيٍّ,، ففي رأي هؤلاء أن كل ما عدا المسلم هو عدوّ لله ورسوله، وأن المسلمين مأمورون بكره كل من سواهم! وتحت هذا المعنى ينضوي رد أحد علماء الدين على أحد المثقفين الذي كتب يدعو إلى تقريب العالم والمجتمع الإنساني إلى قلوب وعقول الناشئة والمناداة بإسلام المحبة والمبادأة بالتحية والمعروف.
فما كان من ذلك العالم إلا أن تساءل: (هل يريد الأستاذ الكاتب أن نحب الكفار مع أن الله - تعالى - نهانا عن ذلك فقال: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق\"؟). غريبٌ أن يأتي هذا الكلام من عالمٍ,، لأن المقصود من هذه الآية ليس الكتابيين خاصة الموادعين منهم، فقد كان سبب نزولها هو تقريع الله - عز وجل - لحاطب بن أبي بلتعة - رضي الله عنه الذي كتب إلى قريش يحذرهم من غارةٍ, عليهم من المسلمين عندما أجمع الرسول - عليه الصلاة والسلام - على فتح مكة، فأرسل حاطب كتاباً لقريش مع امرأةٍ,، فأوحي إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - بذلك فأرسل من لحق بالمرأة وأخذ الكتاب منها، ولما سأل الرسول - عليه الصلاة والسلام - حاطباً عن سبب فعلته قال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقاً في قريش - أي كنت حليفاً لهم ولست منهم- وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ يداً عندهم يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال - عليه الصلاة والسلام -: إنه قد صدقكم، إلى آخر الحديث، فأنزل الله - تعالى - تلك الآية الكريمة التي دلت على أنه لا يجوز للمسلمين أن يتخذوا من أعداء الله، ومثال عليهم قريش المحاربة، أولياء لهم يلقونهم بالمودة أو أن يمدوا نحوهم يد الإخاء والتعاون، وهذا مناقضٌ تماماً لوجهة نظر عالم الدين الذي أكمل قوله بما يلي: (لكن مع وجوب بغضنا لهم نهانا الله أن نعتدي عليهم أو نظلمهم وأُمرنا بالعدل فيهم، فقال - تعالى -: \"ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى\". وأمرنا ببر من أحسن إلينا منهم فلم يقاتلنا ولم يخرجنا من ديارنا فقال - سبحانه -: \"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).
من الواضح أن آية عدم الموالاة والمودة خاصةٌ بالمحاربين سواء كانوا أهل الكتاب أو المشركين، فالمحاربون للإسلام والمسلمين هم الذين يدخلون ضمن مصطلح \"عدوّ لله\"، وإلا فإن السؤال الذي يرد بسهولة هو: كيف يمكن أن أعامل بالبر والإحسان من هو عدوّ لله؟! ثم أين هي الآيات التي تدل على أن أهل الكتاب جميعاً هم أعداء الله؟! استشهد العالم بعد ذلك بالآية: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\"، لكن الآية ترشد إلى وجوب عدم مناصرة المسلمين لليهود والنصارى ضد إخوانهم المسلمين، والدليل على ذلك الآية التالية للآية السابقة وهي \"فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة\" وهما الآيتان 51 و 52 من سورة المائدة، فالآية الأخيرة تصف حال ضعاف الإيمان الذين كانوا يناصرون اليهود في المدينة ضد الرسول - عليه الصلاة والسلام - وصحابته، فأين الأمر ببغض غير المسلمين؟ وكيف يمكن للعقل السليم تقبل أن المسلم مأمورٌ ببغض شخص يهوديّ أو مسيحيّ أو مشركٍ, ثم هو مأمورٌ بأن لا يعامله فقط بالعدل، بل بالبر والإحسان؟ أليس في هذا تناقض واضح؟ إذا كان العدل عمل العقل فإن الإحسان عمل القلب، ولكن البغض عمل القلب أيضا، فكيف يجتمعان معاً؟! ثم يقول هذا العالم: (وأباح الله لنا الاستفادة من خبرات الكفار، وكل هذه الأمور مع البغض لهم في القلوب لأن الله يبغضهم، قال - تعالى -: \"فإن الله عدوّ للكافرين\"، والسؤال هنا أيضاً: أليس في هذا تشويهٌ لصورة الإسلام ومدخلٌ سهلٌ لبثِّ البغضاء في نفوس المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون في مجتمعٍ, واحدٍ,؟ كيف والعالم كله أصبح قريةً كونيّةً واحدةً؟ ولماذا اجتُزِئ هذا القسم من سياق الآية التي تقول: \"من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوّ للكافرين\"؟ لم تخبر الآية أن اليهود والنصارى بجميع أصنافهم هم أعداء الله، ولا يوجد في القرآن كله آيةٌ واحدةٌ تأمر ببغض اليهود والنصارى إذا كانوا غير محاربين، والسيرة النبوية المطهرة حافلةٌ بإكرام رسول الله للنصارى واليهود الموادعين، إضافة إلى أنه غير مقبولٍ, إنسانياً أن يستفيد المسلم من خبرات الكفار ثم يبغضهم، لأنه كي يستفيد من خبراتهم يجب أن يتعامل معهم، فكيف يتعامل المرء مع من بغضه يملأ القلب؟ ألا يمكن أن يفهم من هذا الكلام أن الإسلام يدعو إلى النفاق وإظهار المرء غير ما يبطن؟ ألا يمكن أن يعتبر أهل الكتاب الذين يقرؤون كلام هذا العالم أن الإسلام دين الكراهية للآخر؟ فأين مسؤولية المسلم عن إعطاء الصورة المشرقة للإسلام في كلامه؟ وكيف غاب عن باله قول الله - تعالى -: \"ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً، ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم\"؟ إذا كان الله - سبحانه - قد خلقنا متنوعين مختلفين، فهل مثل أفكار هذا العالم تساعد الجيل على تقبل الآخر المختلف أم على العكس تقوي نزعة البغض والكراهية له؟
كذلك يعترض هذا العالم على كلام الكاتب الذي قال: (فالدين لله - سبحانه وتعالى-: \"ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون\") فيقول عالم الدين: (هذا الكلام ظاهره أن كل الأديان لله حتى دين الكفر والشرك وهذا باطل فالله - سبحانه - إنما له الدين الخالص من الشرك كما قال - تعالى -: \"ألا لله الدين الخالص\" وقال - تعالى -: \"إن الدين عند الله الإسلام\")، ولا أعتقد أن الكاتب قصد هذا الذي فهمه عالمنا الجليل، وإنما قصد أن الإسلام يؤمن بحرية الدين والمعتقد \"لا إكراه في الدين\" لأن الحرب التي يشنها الإسلام - كما يقول الدكتور مصطفى السباعي في كتابه (نظام السلم والحرب في الإسلام)- هي لتحرير الأمة من العدوان الخارجي، ولتأمين الحرية الدينية لجميع الشعوب: \"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله\"، فدفع الفتنة وهو العدوان، وخلاص الدين كله لله أي أن تكون الحرية الدينية لجميع الناس هما الغاية التي ينتهي عندها القتال في الإسلام، فأهم أهداف الجهاد هو الدفاع عن حق أهل الديانات الأخرى في إظهار دياناتهم، وهذا واضحٌ في قول الله - تعالى -: \"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا\" والصوامع هي أديرة الرهبان، والبِيَع أماكن العبادة للنصارى، والصلوات هي أماكن العبادة لليهود، والمساجد أماكن العبادة للمسلمين.
لقد علمنا القرآن عدم الوقوع في خطيئة التعميم فقال عن أهل الكتاب: \"ليسوا سواء\"، وقال عن البشر جميعا: \"وممن خلقنا أمةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون\" وقال: \"لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون\" لكنه قال أيضاً: \"ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون\"، لذلك لم يخطئ الكاتب أبداً فيما ذهب إليه من وجوب تعليم الجيل محبة البشر، كل البشر، ما لم يكونوا محاربين لديننا أو باغين علينا، ولا يعني هذا ألا نعلمهم الاختلاف مع الأديان الأخرى، لكن دون أن تمتلئ قلوبهم الغضة بالكره، ونحن مأمورون بحب البشر كي نستطيع أن نحببهم إلينا وإلى ديننا العظيم، وإذا كنا مأمورين بكره شيءٍ,، فهو كره فعلهم الخاطئ، كالشرك أو المعصية، وكذلك كره التعصب والحقد والتعالي، فليس لنا فضلٌ أن كنا مسلمين لأن الفضل كله لله، ونردد مع المهاجرين والأنصار: اللهم لولا أنت ما اهتدينا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد