بسم الله الرحمن الرحيم
ما نُسب إلى بعضِ السلفِ من القولِ بفناءِ النارِ لا يثبتُ:
قال العلامةُ الألباني في \" تعليقهِ على الطحاويةِ \" في الحاشيةِ (ص 424 رقم 591): \" قلتُ: لم يثبت القولُ بفناءِ النارِ عن أحدٍ, من السلفِ، وإنما هي آثارٌ واهيةٌ لا تقومُ بها حجةٌ، وبعضُ أحاديثهِ موضوعةٌ، لو صحت لم تدل على الفناءِ المزعومِ، وإنما على بقاءِ النارِ، وخروجِ الموحدين منها، وقد كنتُ خرجتُ بعض ذلك في \" الضعيفةِ \" برقم (606، 707). ثم وقفتُ على رسالةٍ, مخطوطةٍ, في مكتبةِ المكتبِ الإسلامي للعلامةِ الأميرِ الصنعاني في هذه المسألةِ الخطيرةِ ردَّ فيها على ابن القيمِ - رحمه الله -، فعلقتُ عليها وخرجتُ أحاديثهما وقدمتُ لها بمقدمةٍ, ضافيةٍ, \". ا. هـ.
وقال الصنعانيٌّ في الرسالةِ التي أشار إليها العلامةُ الألباني - رحم اللهُ الجميع - (ص 116): \" وأقولُ: قد عرفت أنهُ نقل عن ستةٍ, من الصحابةٍ, عباراتٌ لا تدلُ على مدعاهُ، وهو فناءُ النارِ بنوعٍ, من الدلالاتِ كما أوضحناهُ، ولا يصحُ نسبتهُ لتلك الدعوى إلى واحدٍ, من أولئك الستةِ، فلم يوجد لأحدٍ, مما وجدنا عن واحدٍ, من الصحابةٍ, أنه يقولُ بفناءِ النارِ كما أنهُ لا يوجدُ قائلٌ من الصحابةِ أنه يقولُ بعدمِ فناءِ النارِ فإن هذه المسألةَ وهي فناءُ النارِ لا تعرفُ في عصرِ الصحابةِ، ولا دارت بينهم، فليس نفي ولا إثباتٌ، بل الذي عرفوهُ فيها هو ما في الكتابِ والسنةِ من خلودِ أهلِ النارِ أبداً، وأن أهلها ليسوا منها بمخرجين، وعرفوا ما ثبت من خروجِ عصاةِ الموحدين.
إذا عرفت هذا عرفت أن دعوى فناءِ النارِ أو عدمِ فنائها قولٌ للصحابةِ، دعوى باطلةٌ، إذ هذه الدعوى لا توجدُ في عصرهم، حتى يجمعوا عليها نفياً أو إثباتاً. نعم القولُ الذي دل عليه القرآنُ من خلودِ النارِ أهلها فيها أبداً يتضمنُ القولَ عنهم بما تضمنهُ القرآنُ ودل عليه الأصلُ فيما أخبر اللهُ به عن الدارين الأخروينِ البقاء فلا يحتاجُ مدعي عدم الفناء إلى الدليلِ على ذلك الأصل \". ا. هـ.
الآثارُ الواردةُ عن السلفِ والحكمُ عليها:
1 - عَنِ الحَسَنِ عَن عُمَرَ قَولُهُ: \" لَو لَبِثَ أَهل النَّار فِي النَّار عَدَدَ رَملِ عَالِجٍ, لَكَانَ لَهُم يَوم يَخرُجُونَ فِيهِ \".
قال الحافظُ ابنُ حجرٍ, في \" الفتحِ \" (11/429): \" أَخرَجَهُ عَبد بن حُمَيدٍ, فِي تَفسِيره... وَهُوَ مُنقَطِعٌ \".
وقال الصنعاني في \" رفعِ الأستار \" (ص 65): \" من حيثُ الروايةُ فإنهُ منقطعٌ، لنصِ شيخِ الإسلامِ - يقصدُ ابنَ القيمِ - بأنهُ لم يسمعهُ الحسنُ من عمرَ، واعتذارهُ بأنهُ لم يصح للحسنِ عن عمرَ لما جزم به يلزم أن يجري في كلِ مقطوعٍ, يجزمُ بهِ راويهِ ولا يقولُ هذا أئمةُ الحديثِ كما عرفت في قواعدِ أصولِ الحديثِ، بل الانقطاعُ عندهم علةٌ \". ا. هـ.
وقد ردّ العلامةُ الألباني - رحمه الله - على تصحيحِ ابن القيمِ لهذا الأثرِ في \" الضعيفةِ \" (606) فقال: \" وإن مما يجبُ الوقوفُ عنده، وتحقيقُ القولِ فيه ما ذكرهُ ابنُ القيمِ في \" حادي الأرواحِ إلى بلادِ الأفراحِ \" من روايةِ عبدِ بنِ حميدٍ, قال: \" بإسنادين صحيحينِ له عن الحسنِ قال: قال عمرُ بنُ الخطابِ... فذكرهُ.
ذكر ذلك في تفسير قولهِ - تعالى -: \" لَابِثِينَ فِيهَا أَحقَابًا \" [النبأ: 23]. وقال ابنُ القيمِ: \" وحسبك بهذا الإسنادِ جلالةً، والحسنُ وإن لم يسمع من عمرَ، فإنما رواهُ عن بعضِ التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمرَ لما جزم به وقال: \" قال عمرُ بنُ الخطابِ \".
قلتُ: هذا كلامٌ خطابيُّ، أستغربُ من صدورهِ من ابنِ القيمِ - رحمه الله -. لأنه خلافُ ما هو مقررٌ عند أهلِ الحديثِ في تعريفِ الحديثِ الصحيحِ: أنهُ المسندُ المتصلُ بروايةِ العدلِ الضابطِ.
فإذا اعترف بإنقطاعهِ بين الحسنِ وعمرَ، فهو منافٍ, للصحةِ بله الجلالةِ! وخلافُ المعروفِ عندهم من ردهم لمراسيلِ الحسنِ البصري خاصةً، ولذلك قال الحافظُ ابنُ حجرٍ, في أثرِ الحسنِ هذا نفسهِ: \" فهو منقطعٌ، ومراسيلُ الحسنِ عندهم واهيةٌ، لأنه كان يأخذُ من كلِ أحدٍ,... \". ا. هـ.
وقال العلامةُ الألباني في تحقيقهِ لكتابِ \" رفعِ الأستارِ \" (ص 65): \" قلتُ: إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ \".
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ, في \" الفتحِ \" (11/429) على فرضِ ثبوتِ الأثرِ عن عمر: \" قُلت: وَهَذَا الأَثَر عَن عُمَر لَو ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى المُوَحِّدِينَ \". ا. هـ.
2 - عَن اِبن عَبَّاس: \" قَالَ النَّار مَثوَاكُم خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم \" قَالَ: \" إِنَّ هَذِهِ الآيَة آيَة لَا يَنبَغِي لِأَحَدٍ, أَن يَحكُم عَلَى اللَّه فِي خَلقه أَن لَا يُنزِلَهُم جَنَّة وَلَا نَارًا \".
قال العلامةُ الألباني في تحقيقه لـ \" رفعِ الأستارِ \" (ص 71): \" قلتُ: هذا أثرٌ منقطعٌ، لأن علي بنَ أبي طلحةَ لم يسمع من ابنِ عباسٍ,، وإن كان معناهُ صحيحاً على ما سيبينهُ المؤلفُ - رحمه الله تعالى -، ثم إن في الطريقِ إليه عبدَ الله بنَ صالحٍ, وفيه ضعفٌ \". ا. هـ.
وقد علق الصنعاني على الأثر بقولهِ: \" وأقولُ: لا يخفى على ناظرٍ, أنهُ لا دلالةَ في هذا الأثرِ ولا رائحةَ دلالةٍ, على المدعى من فناءِ النارِ، بل غايةُ ما يُفيدهُ الإخبارُ عن أنه لا يُجزمُ للمؤمنِ أنه من أهلِ الجنةِ، ولا العاصِ من عصاةِ المؤمنين أنه من أهلِ النارِ. وهذا المعنى ثابتٌ في الأحاديثِ الصحيحةِ \". ا. هـ.
3 - عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرو قَالَ: \" يَأتِي عَلَى النَّارِ زَمَانٌ تَخفِقُ أَبوَابُهَا وَلَيسَ فِيهِ أَحَدٌ. يَعنِي مِنَ المُوحِّدين \".
قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في \" الضعيفةِ \" (2/72) في الحكم على الأثر: \" قال الحافظُ: \" كذا فيهِ، ورجالهُ ثقاتٌ، والتفسيرُ لا أدري ممن هو؟ وهو أولى من تفسيرِ المصنفِ \".
قلتُ: الظاهرُ أن التفسيرَ المذكورَ، من مخرجهِ البزارُ، فقد أخرجهُ الفسوي في \" تاريخهِ \" بسندِ البزارِ عينهُ عن أبي بلجٍ, به، وليس فيهِ التفسيرُ المذكورُ، هكذا ذكرهُ الذهبي في ترجمة أبي بلجٍ,. وكذا الحافظُ في \" التهذيبِ \" عن الفسوي وزاد: \" قال ثابتٌ البناني: سألتُ الحسن عن هذا؟ فأنكرهُ \".
وأبو بلجٍ, هذا في نفسهِ ثقةٌ، ولكنهُ ضعيفٌ من قبلِ حفظهِ، ولذلك عد الذهبي هذا الأثر من بلاياه! ثم قال: \" وهو منكرٌ \". ا. هـ.
فوائد:
الفائدةُ الأولى: قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في \" رفعِ الأستارِ \" (ص 83) تعليقاً على تفسير \" الكشاف \" للزمخشري: \" وكتابهُ \" الكشاف عن حقائقِ التنزيلِ \" أشهرُ من أن يذكر، وقد اعتنى به العلماءُ من بعده شرحاً واختصاراً ونقداً وتجريحاً كما تراه مبيناً في \" كشف الظنون \"، وهو محشوٌ بالبدعة وعلى طريقةِ المعتزلةِ في إنكارِ الصفاتِ والرؤيةِ والقولِ بخلقِ القرآنِ وغيرِ ذلك من أصولِ المعتزلةِ \". ا. هـ.
الفائدةُ الثانيةُ: نقل العلامةُ الألباني - رحمه الله - في المصدرِ الآنف (ص 84) نصاً عن الشوكاني في ردهِ على الزمخشري أثناء غمزه في عبدِ اللهِ بنِ عمرو فقال: \" وقد أحسن الرد عليه الإمامُ الشوكاني - رحمه الله تعالى -، فقال في \" فتح القدير \": \" وأما الطعنُ على صاحبِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وحافظِ سنتهِ، وعابدِ الصحابةِ عبدِ اللهِ بن عمرو - رضي الله عنه - فإلى أين يا محمود؟! أتدري ما صنعت؟ وفي أي وادٍ, وقعت؟ وعلى أي جنبٍ, سقطت؟! ومن أنت حتى تصعدَ إلى هذا المكانِ؟ وتتناول نجومَ السماءِ بيدك القصيرةِ ورجلك العرجاء؟! أما كان لك في مكسري! طلبتك من أهلِ النحو واللغةِ ما يردك عن الدخولِ فيما لا تعرف، والتكلم بما لا تدري؟! فيا لله العجب ما يفعلُ القصورُ في علم الروايةِ والبعدِ عن معرفتها إلى أبعدِ مكانٍ, من الفضيحةِ لمن لم يعرف قدر نفسهِ، ولا أوقفها حيثُ أوقفها اللهُ - سبحانه - \". ا. هـ.
هل قالَ الإمامُ ابنُ القيمِ بفناءِ النارِ؟
رأيُ العلامةِ الألباني - رحمه الله -
قال العلامةُ الألباني - رحمه الله - في \" الضعيفةِ \" (2/74 - 75) في نسبةِ القولِ بفناءِ النارِ إلى الإمامِ ابنِ القيمِ - رحمه الله - ما نصهُ: \" ويؤسفني أن أقولَ: إن القاديانيةَ في ضلالهم المشارِ إليه آنفاً (ص 73) يجدون متكئاً لهم في بعضِ ما ذهبوا إليهِ في بعضِ كتبِ أئمتنا من أهلِ السنةِ، فقد عقد العلامةُ ابنُ القيمِ في كتابهِ \" الحادي \" فصلاً خاصاً في أبديةِ النارِ، أطال الكلامَ فيه جداً، وحكى في ذلك سبعةَ أقوالٍ,، أبطلها كلها، سوى قولينِ منها:
الأولُ: أن النارَ لا يخرجُ منها أحدٌ من الكفارِ، ولكن الله - عز وجل - يفنيها، ويزولُ عذابها.
والآخرُ: أنها لا تفنى وأن عذابها أبدي دائمٌ.
وقد ساق فيه أدلةَ الفريقين وحججهم من المنقولِ والمعقولِ، مع مناقشتها، وبيان ما لها وما عليها.
والذي يتأملُ في طريقةِ عرضه للأدلةِ ومناقشتهِ إياها، يستشعر من ذلك أنه يميلُ إلى القولِ الأولِ ولكنهُ لم يجزم بذلك، فراجع إن شئتَ الوقوفَ على كلامهِ مفصلاً الكتابَ المذكورَ.
ولكنني وجدتهُ يصرحُ في بعضِ كتبهِ الأخرى بأن نارَ الكفارِ لا تفنى وهذا هو الظنُ بهِ، فقال - رحمه الله - في \" الوابلِ الصيبِ \" (ص 26) ما نصهُ: \" وأما النارُ فإنها دارُ الخبثِ في الأقوالِ والأعمالِ والمآكلِ والمشاربِ ودارُ الخبيثين، فاللهُ - تعالى -يجمعُ الخبيثَ بعضهُ إلى بعضٍ, فيركمهُ كما يركمُ الشيء لتراكبِ بعضهِ على بعضِ، ثم يجعلهُ في جهنمَ مع أهلهِ، فليس فيها إلا خبيثٌ. ولما كان الناسُ على ثلاثِ طبقاتٍ,: طيبٍ, لا يشوبهُ خبثٌ، وخبيثٍ, لا طيبَ فيه، وآخرون فيهم خبثٌ وطيبٌ كانت دورهم ثلاثةً: دار الطيبِ المحضِ، ودار الخبثِ المحضِ، وهاتان لا تفنيان.... \". ا. هـ.
س 13 : هل صح عن الإمام ابن القيم أنه أنكر شد الرحال إلى قبر الخليل وأين هذا القول، وهل يجوز شد الرحال إلى قبر الخليل، وإن كان يجوز فما الدليل عليه ؟ وهل قال ابن القيم بفناء النار. وأين هذا القول ؟
ج 13 : أولا: شد الرحال لا يجوز إلا إلى المساجد الثلاثةº لقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، وهذا قول ابن القيم - رحمه الله - وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وجمع كثير من أهل العلمº عملا بالحديث المذكور، وبذلك تعلم أنه لا يجوز في أصح قولي العلماء شد الرحال لقبر الخليل ولا غيره من القبور للحديث المذكور .
ثانيا : رأي ابن القيم في فناء النار يمكنك أن ترجع إليه في كتابه [الوابل الصيب] فقد صرح فيه بأن النار لا تفنى، كما هو قول جمهور أهل السنة والجماعة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي
عضو عبد الله بن غديان
عضو عبد الله بن قعود
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد