صاحب الشفاعة والمقام المحمود


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




الشفاعة رحمة من الله - عز وجل - لعباده في ذلك اليوم العظيم يوم القيامة، يوم الحر الشديد، والهول المديد، يوم يفر المرء من القريب والبعيد، يوم يجتمع الناس جميعهم من لدن آدم - عليه السلام - حتى آخر إنسان على وجه الأرض، يجتمعون في صعيد واحد للفصل بينهم، وصدور الحكم لهم أو عليهم، لا فرق بين الكبير والصغير، ولا بين الأسود والأبيض، ولا بين الحاكم والمحكوم، الكل سواسية في الموقف الطويل، والعباد ينتظرون الحساب والفصل بينهم، وقد بلغ بهم الجهد والهم والقلق مبلغاً عظيماً، ودنت الشمس من رؤوسهم، وتصبب العرق على أبدانهم، في مشهدلم يعهدوه من قبل، الكل يريد النجاة والخلاص، فيبحثون عمن يشفع لهم عند الملك الجبار، للفصل بينهم حين يطول الموقف على الناس، ويطلبون من الأنبياء الشفاعة ببدء الحساب، وهنا تأتي رحمة العزيز الغفار عندما يأذن لنبيه الخاتم - صلى الله عليه وسلم - بالشفاعة لأهل الموقف جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، بعد اعتذار الأنبياء، حيث يقوم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فيقول أنا لها أنا لها، فيخرّ تحت العرش ساجدا، فيحمد الله ويدعو، فيقال له: سل تُعط واشفع تُشفّع، كما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (فيأتوني، فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي - عز وجل -، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع) متفق عليه.



وهذه هي الشفاعة العظمى للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، وهي أعظم الشفاعات التي تجري في ذلك اليوم، وهي خاصة به - صلى الله عليه وسلم -، مكرمة له من الله - عز وجل -، وهي المقام المحمود الذي وعده ربه، قال - تعالى -: {عَسَى أَن يَبعَثَكَ رَبٌّكَ مَقَاماً مَحمُوداً} (الإسراء: 79)، وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا - جلوسا على الركب -، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود) رواه البخاري.



ومما خصه الله به شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في استفتاح باب الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: (أنا أول شفيع في الجنة) رواه مسلم. وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (آتى باب الجنة يوم القيامة فاستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ قال: فأقول: محمد. قال: يقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك)، رواه مسلم.



ومما خصه الله به شفاعته - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، فقد قال العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أغنيت عن عمك - يعني أبا طالب - فإنه كان يحوطك - يحميك - ويغضب لك، قال: (هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) متفق عليه.



ومما ينبغي أن يحرص عليه المسلم، تعاطي الأسباب الموجبة لشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأعظم تلك الأسباب توحيد الله - سبحانه - حقاً، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) رواه البخاري، ومن الأسباب الموجبة لشفاعته - صلى الله عليه وسلم -، الدعاء له بالمقام المحمود، ففي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري، ومن أسباب شفاعته - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه عشراً في الصباح وعشراً في المساء، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني وحسنه الشيخ لألباني. والله نسأل أن يجعلنا ممن تشملهم شفاعة النبي الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply