بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم.. أختي الكريمة..
من تمام محبة المعصوم - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه: الحرص على نشر سنته وتبليغها وتعليمها الناس وهو باب عظيم من أبواب محبته - عليه الصلاة والسلام -، لما في ذلك من سعي لإعلاء سنته، ونشر هديه بين الناس، والحرص على إماتة البدعة، وقد ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال\"بلغوا عني ولو آية\"[رواه البخاري، ح 3274] والناظر بعين البصر والبصيرة في هذا الزمن يرى الجفاء الحقيقي والبعد العميق في تطبيق سنته - صلى الله عليه وسلم - باطنا وظاهرا، في أحوال كثير من الناس، قولية كانت أو فعلية، ليس عند العامة فقط، بل لدى كثير من طلاب العلم إلا من رحم الله، إما بتحويل تلك السنن والعبادات إلى عادات، ونسيان احتساب الأجر فيها من الله - تعالى -، أو ترك متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه، والمحبة القلبية الخالصة له، ونسيان السنن وعدم تعلمها، أو البحث عنها، وعدم توقيرها أو الاستخفاف بها، حتى صارت السنة عند البعض كالفضلة، و أصبح الغريب حقيقة من يعمل بها ويطبقها، فطوبى للغرباء الذين يمسكون بكتاب الله حين يترك، ويعملون بالسنة حين تطفأ، وهنيئا لهم على لسان رسولهم يوم قال لهم\"طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي\"[رواه الترمذي،ح 2630] ورحم الله يونس بن عبيد يوم قال: \"ليس شيء أغرب من السنة، وأغرب منها من يعرفها\"[كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة لابن رجب ص 28] ولعمر الله لا يستقيم قلب العبد حقيقة حتى يعظم السنة ويحتاط لها، ويعمل بها، ولذلك فإنك تصدقني القول، وتشاركني المأساة، حينما نكون في مجالسنا ومنتدياتنا فلا نعطي اهتماما لكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحديثه، وكأنها سيرة عابرة، أو قصة سائرة، أو حديث شاعر، فلا أدب، ولا توقير، ولا احترام، ولا استشعار لهيبة الجلال النبوي نعم. إنه الجفاء الروحي الذي يتضح في نزع هيبة الكلام حين الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحاديثه، لقد كان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الحاضرين بالسكوت، فلا يتحدث أحد، ولا يُبرى قلم، ولا يبتسم أحد، ولا يقوم أحد قائما، كأن على رؤوسهم الطير،أو كأنهم في صلاة، فإذا رأى أحدا منهم تبسم أو تحدث لبس نعله وخرج\"[سير أعلام النبلاء 9/201] وإليك طرفا من أحوالهم رحمهم الله في هذا الجانب.
1. ها هو جعفر بن محمد كان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - اصفرّ لونه، وما كان يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو على طهارة. [رواه البخاري، 3584]
2. وذكر مالك عن محمد بن المنكدر أنه قال: \"لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا بكى حتى نرحمه\"[حلية الأولياء 3 / 147].
3. وقال عمرو بن ميمون\"اختلفت إلى بن مسعود سنة فما سمعته يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنه حدّث يوما فجرى على لسانه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم علاه كرب، حتى رأيت العرق يتحدر من جبهته، ثم قال: هكذا إن شاء الله، أو فوق ذا، أو دون ذا، ثم انتفخت أوداجه، وتربّد وجهه وتغرغرت عيناه\"[الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه سلم للقاضي عياض، 2/599]
4. وبلغ معاوية أن كابس بن ربيعة يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل عليه من باب الدار قام عن سريره وتلقاه وقبّل بين عينيه، وأقطعه المرغاب، لشبهه صورة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -\"[المصدر السابق 2/ 610]
5. وها هو صفوان بن سليم، كان من المتعبدين المجتهدين، فإذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى، فلا يزال يبكي حتى يقوم الناس عنه ويتركوه\"[المصدر السابق 2 / 598].
6. وكان مالك - رحمه الله تعالى - أشد تعظيما لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا جلس للفقه جلس كيف كان، وإذا أراد الجلوس للحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمّم وقعد على منصته بخشوع وخضوع ووقار، ويبخر المجلس من أوله إلى فراغه تعظيما للحديث\"[تذكرة الحفاظ للذهبي 1 / 196] فأين نحن من سيرة أولئك الأطهار؟ الأئمة الأعلام؟ وأين حالنا من حالهم؟ بل وما حقيقة الحب عندنا؟ وما أثره عندهم؟ لقد غاب عنا الحب وإن ادعيناه، ونسينا السنن فكأنها أحاديث الذكريات، والله المستعان..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد