العصمة ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



العصمة : في اللغـة:

يمكن القول أن العصمة في اللغة وردت لعدة معاني منهـا:

1- المنع: قال صاحب لسان العرب: (العصمة في كلام العرب: المنع، وعصمة الله عبده أن يعصمه مما يوبقه، يقال عصمه يعصمه عصماً: منعه ووفاه[1]).

ويقال عصمته من الطعام أي منعته عن تناوله، وعصمته من الكذب أي منعته منه، ومنه قوله تعالى: ((قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء[2])) أي يمنعني من الغرق، وقوله تعالى: ((ولقد راودته عن نفسه فاستعصم[3])) أي امتنع امتناعاً شديداً، وجاء في الحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماؤهم وأموالهـم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله – تعالى -[4]) أي منعوا مني دماءهم وأموالهـم.

قال القرطبي: وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية، ومن الخطأ الفاحش[5]

فيتبين من هذا المعنى للعصمة أن قول بعضهم العصمة لله وحده، أو العصمة لله والرسولº أن هذا القول لا يصح لأن العصمة إنما تكون من الجرائم والذنوب فلا يصح نسبتها إلى الله – عز وجل -، وقد جاءت العصمة بمعنى المنع في قوله تعالى: ((والله يعصمك من الناس[6])) أي يمنعك من أذاهم، ويحتمل حفظ الله له من الكذب خطأءً وعمداً[7].

2- الحفـــظ: قال صاحب اللسـان: والعصمة الحفظ يقال: عصمه فانعصم واعتصمت بالله إذا امتنعت بلطفه من المعصية[8]، وقال الحافظ ابن حجر في كتاب \"القدر شرح باب المعصوم من عصم الله\": أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في الهلاك أو ما يجر إليه، يقال: عصمه الله من المكروه وقاه وحفظه، واعتصمت بالله لجأت إليـه، وعصمة الأنبياء حفظهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفسية، والنصرة والثبات في الأمور، وإنزال السكينة، والفرق بينهم وبين غيرهم أن العصمة في حقهم بطريق الوجوب، وفي غيرهم بطريق الجواز)[9].

3- القلادة: قال صاحب اللسان: \"العصمة القلادة[10]\"، وقال الراغب: \"شبه السوار\"، ونص الصحاح والعصمة بالضم القلادة، والجميع الأعصام، قال لبيد \"من معلقته\":

حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا غُضفاً دواجن قافلاً أعصامُها[11].

والمعصم كمنبر موضع السوار من اليد، وفي الصحاح من الساعد، وأنشد ابن سيده:

فاليوم عندك دلها وحديثها وغداً لغيرك كفها والمعصم

وقال وربما جعلوا المعصم اليد، ومنه قول الأعشى :

فأرتك كفاً في الخضاب ومعصماً ملء الجبارة[12].

4- الحبـل: قال الزجاج: \"أصل العصمة: الحبل، وكل ما أمسك شيئاً فقد عصمه[13]\"

وقال محمد بن نشوان الحميري : في ضياء الحلوم: أصل العصمة السبب، والحبل، والعصام من الدلو، والقربة والإداوة حبل \"يشد به، وقيل هو سيرها الذي تحمل به، قال تأبط شراً:

وقربه أقوام جعلتُ عصامها على كاهلٍ, مني ذلولٍ, مُرحّلُ[14].

5- السـبب: قال الطبري: يقال للسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته عاصم، ومنه قول الشاعر:

إلى المرء قيس أطيل السرى وآخذ من كل حي عصم[15]

يعني بالعصم : الأسباب : أي أسباب الذمة والأمان[16]\"

وخلاصة القول أن هذه المعاني كلها للعصمة ترجع إلى المعنى الأول الذي هو المنع، فالحفظ منع للشيء من الوقوع في المكروه أو المحظور، والقلادة تمنع من سقوط الخرز منها، والحبل يمنع من السقوط والتردي، والسبب يمنع صاحبه عما يكره، قال في تاج العروس: وأيضاً (منع) وهذا هو الأصل في كلام العرب.

وأما في الشـرع:

فالعصمـة: هي حفظ الله لأنبيائه ورسله عن الوقوع في الذنوب والمعاصي، وارتكاب المنكرات والمحرمات.

وعرفها الحافظ ابن حجر بقوله: (عصمة الأنبياء حفظهم من النقائص، وتخصيصهم بالكمالات النفسية، والنصرة والثبات في الأمور، وإنزال السكينة، والفرق بينهم وبين غيرهمº أن العصمة في حقهم بطريق الوجوب، وفي حق غيرهم بطريق الجواز[17]).

وقال الراغب: \"عصمة الله - تعالى - الأنبياء حفظه إياهم أولاً بما خصهم به من صفاء الجواهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسيمة والنفسية، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهـم وبالتوفيق، قال الله - عز وجل - : ((والله يعصمك من الناس ))، وقال المناوي العصمة: \" ملكة اجتناب المعاصي مع التمكن منها[18]\".

والعصمـة عند أهل الكلام هي: \"عدم قدرة المعصية أو خلق مانع غير ملجئ، وهو الذي اعتمده ابن الهمام في تحريره.

وعلى كل فقد عرفت العصمة بعدة تعريفات، أحسن وأسلم هذه التعريفات ما ذكره صاحب كتاب نسيم الرياض بأنها: (لطف من الله - تعالى - يحمل النبي على فعل الخير، ويزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء[19]).



ما الحكمة من عصمة الأنبياء؟

العقل والشرع يلزمان بعصمة الأنبياء للأسباب الآتيـة:-

أ- العصمة ثابتة للأنبياء، أكرمهم الله بها، وميزهم على سائر البشر، فلم تكن لأحـد من البشر إلا لهـم، وذلك أن الله جعلهم قدوة للبشر، فلا بد أن يكونوا هم المثل الأعلى، والنموذج الكامل للبشريـة حتى تتحقق حكمة الإقتداء والتأسي بهـم، وإلا لم يكن لهم فضل ولا مزيـة، وكانت القدوة بغيرهم مساوية للقدوة بهم، والأخذ عنهم كالأخذ عن غيرهم.

ب- ولأن المعاصي والذنوب ما هي إلا نجاسات معنوية، وهي تشبه القاذورات والنجاسات الحسية، فكيف يجوز نسبتها للأنبياء، وقد سماها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاذورات بقوله: - صلى الله عليه وسلم -: (من ابتلى منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر، فإنه من يُبدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله[20])، إذ كيف يجوز أن يكون نبياً مصطفىº ويكون سارقاً، أو شارباً خمراً، أو قاطع طريق، أو زانياً، أو غير ذلك من المعاصي التي تمنع من الإقتداء به أو إتباعه؟! وهل يكون لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أثر في النفوس إذا كانت سيرته غير عطره، أو كانت حياته ملوثة ببعض الموبقات والآثام[21] ؟!

جـ- ولأن القول بعدم عصمة الأنبياء يفضي إلى القدح في تبليغهم الرسالة، حيث يمكن نسبة الخطأ والزيادة أو النقص في التشريع، وهذا غير ممكن في حقهم لأن الله قد عصمهم من ذلك.

__________________________

[1] - لسان العرب مادة عصم (12/403).

[2] - هود آية (43).

[3] - يوسف آية (32).

[4] - رواه الشيخان عن ابن عمر، البخاري 1/70 الإيمان ، ومسلم برقم 22 كتاب الإيمان .

[5] -

[6] - المائدة (67).

[7] - انظر تفسير الطبري 4/309 ، وتفسير البغوي 2/52.

[8] - لسان العرب مادة عصم.

[9] - الفتح 11/501-502

[10] -لسان العرب مادة عصـم.

[11] - القاموس المحيط 4/152-153 مادة عصـم.

[12] - تاج العروس مادة عصم.

[13] -اللسان مادة عصم 12/405.

[14] - تاج العروس مادة عصم.

[15] - ديوان الأعشى (37) بشرح الدكتور – محمد حسين.

[16] - تفسير الطبري 4/26.

[17] - الفتح 11/501-502.

[18] - تاج العروس مادة عصـم.

[19] - نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض 4/39

[20] - ....

[21] - محمد علي الصابوني النبوة والأنبياء ص 73.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply