القول المبين في حكم شاتم خاتم النبين ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





وقفنا في الحلقة الأولى عند حكم شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهل الذمة وذكرنا ما جاء في سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من قصة الأعمى الذي قتل زوجته الذمية.



قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول على شاتم الرسول (2/145) عند هذه القصة: وهذه المرأة إما أن تكون زوجة لهذا الرجل أو مملوكة له وعلى التقديرين فلو لم يكن قتلها جائزاً لبين النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن قتلها كان محرماً وأن دمها كان معصوماً ولأوجب عليه الكفارة بقتل المعصوم والدية إن لم تكن مملوكة له فلما قال: اشهدوا أن دمها هدر - والهدر الذي لا يضمن بقود ولا دية ولا كفارة - عُلم أنه كان مباحاً مع كونها كانت ذمية فعلم أن السب أباح دمها لاسيما والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أهدر دمها عقب إخباره بأنها قتلت لأجل السب فعلم أن الموجب لذلك والقصة ظاهرة الدلالة في ذلك. ا. هـ.



الحديث الثاني:

ومما جاء في السنة في قتل شاتم الرسول وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسقط حقه في قتل من سبه - صلى الله عليه وسلم - عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المِغفَر - نوع من الدروع يكون على قدر الرأس - فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه. [رواه البخاري (1846) ومسلم (1357) وأبوداود (2685) والترمذي (1693) والنسائي (5/20].



قال أبو داود: اسم ابن خطل عبد الله وكان أبو برزة الأسلمي قتله.



قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم (2/265): وقد تقدم عند أهل المغازي أن جرمه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعمله على الصدقة وأصحبه رجلاً يخدمه فغضب على رفيقه لكونه لم يصنع له طعاماً أمره بصنعه فقتله فخاف ثَمَّ أن يُقتل فارتد واستاق إبل لبصدقة وأنه كان يقول الشعر يهجو به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويأمر جاريتيه أن تغنيا به فهذا له ثلاث جرائم مبيحة للدم: قتل النفس والردة والهجاء. ا. هـ.

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/73): والسبب في قتل ابن خطل وعدم دخوله في قوله: \"من دخل المسجد فهو آمن\"ما روى ابن إسحاق في المغازي\"حدثني عبد الله بن أبي بكر وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل مكة قال: لا يقتل أحد إلا من قاتل، إلا نفرا سماهم فقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم تحت أستار الكعبة، منهم عبد الله بن خطل وعبد الله بن سعد، وإنما أمر بقتل ابن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلماً، فنزل منزلاً، فأمر المولى أن يذبح تيساً ويصنع له طعاماً، فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ا. هـ.

وقال شيخ الإسلام في رده على القائلين أنه قتل ردة (2/266): أنه كان مرتداً بلا خلاف بين أهل العلم بالسير وحتم قتله بدون استتابة مع كونه مستسلما منقادا قد ألقى السَّلَم كالأسير فعلم أن من ارتد وسب يقتل بلا استتابة بخلاف من ارتد فقط. يؤيده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَمَّن عام الفتح جميع المحاربين إلا ذوي جرائم مخصوصة وكان ممن أهدر دمه دون غيره فعلم أنه لم يقتل لمجرد الكفر والحراب. ا. هـ.



الحديث الثالث:

ومما جاء في السنة أيضا قتل كعب بن الأشرف اليهودي الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: نعم. وقصة قتله في الصحيحين.



الحديث الرابع:

ومما جاء في السنة قصة ابن أبي السرح عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان فجاء به حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلاث ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين (حيث) رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله. فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك ألا أومات إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين.

رواه أبو داود (4359) والحاكم (3/45) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (4/300 برقم 1723): وهو كما قالا إلا أن أسباط بن نصر وأحمد بن المفضل قد تكلم فيهما بعض الأئمة من جهة حفظهما لكن الحديث له شاهد يتقوى به ثم ذكره الشيخ.

والحديث جاء عند النسائي (4078) بأطول مما عند أبي داود عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم مُتعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبدالله بن خطل ومَقِيس بن ضُبَابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.

فأما عبد الله بن خطل فأُدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حُريب وعمار بن ياسر فسبق سعيد عماراً وكان أشب الرجلين فقتله.

وأما مَقِيس بن صُبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه.

وأما عكرمة فركب البحر فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا - صلى الله عليه وسلم - حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم.

وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح....... فذكره بمثله.

وقد صححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3791) وقال في تعليقه على التنكيل (2/255): ثم خرجت للحديث شاهداً حسنا في الصحيحة 1723.



ومعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين\" كما ذكر الخطابي: أن يظمر بقلبه غير ما يظهره للناس.



وقال المعلمي في التنكيل (2/256): وكره أن يومض لأن الايماض من شعار أهل الغدر والغدر لا ينبغي للأنبياء.

وعبد الله بن أبي السرح كان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة وكان عبد الله قد ارتد وافترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يلقنه الوحي ويكتب له ما يريد.

قال شيخ الإسلام في الصارم (2/230): فوجه الدلالة أن عبد الله بن أبي السرح افترى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يُتَمِّم له الوحي ويكتب له ما يريد فيوافقه عليه وأنه يصرفه حيث شاء ويغير ما أمره به من الوحي فيُقرٌّه على ذلك وزعم أنه سينزل مثل ما أنزل الله إذ كان قد أوحي إليه في زعمه كما أوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الطعن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى كتابه والافتراء عليه مما يوجب الريب في نبوته قدر زائد على مجر الكفر به والردة في الدين وهو من أنواع السب. ا. هـ.

وكما نلاحظ في قصة عبد الله بن أبي السرح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أسقط حقه ولم يقتل ابن أبي السرح.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا: إن الذي عصم دم ابن أبي السرح عفو النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه بالإسلام وبالتوبة إنمحى عنه الإثم وبعفو النبي - صلى الله عليه وسلم - احتقن الدم. ا. هـ.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply