بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
عباد الله:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته حتى نكون ممن قال الله فيهم ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ويحدونا المسير وتتلاحق الخُطا مع أركان الإيمان ودعائمه فإذا بها اليوم أمام بوابة ذلك القصر المنيف الذي وصفه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وأجملها وترك فيه موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة فأنا في النبيين، موضع تلك اللبنة)).
نعم إنه موكب الإيمان وسفينة النجاة في بحر تلاطمت أمواجه وزمان كثرت فتنه وأصبح الإسلام فيه غريباً، فكيف السبيل؟؟ وأين المفر؟؟ إن المستقر إلى مثل قول مليك مقتدر أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.
أخي يا رعاك الله
إن عيشَك اليوم مع شموس الرسالة وإشراقات النبوة رسلٌ أخيار وأنبياء أبرار ضرورتنا إليهم، كما قال ابن القيم - رحمه الله -: [أعظم من ضرورة البدن إلى روحه والعين إلى نورها والروح إلى حياتها] أ. هـ.
هم سفراء الله إلى عباده وحجته عليهم مبشرين ومنذرين دعوتهم واحدة وشرائعهم شتى وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون.
فمن آمن بهم وصدق لزمه في ذلك الإيمان بمتضمّنات أربع وهي:
1- الإيمان بأن رسالتهم حق من عند الله - تعالى -فمن كفر برسالة واحد منهم فقد كفر بهم جميعا ودليل ذلك قوله - تعالى -: كذّبت قوم نوح المرسلين.
2- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم تفصيلا كآدم ونوح وإبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه وبمن لم نعلمه إجمالاً ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك، وكلّم الله موسى تكليماً.
وعن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله كم وفاءُ عِدّة الأنبياء؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا)) وبناء على هذا الحديث يكون عدد الأنبياء عليهم وعلى رسل الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم أضعاف أضعاف عدد الرسل أي أنهم مائة وثلاثة وعشرون ألفا وستمائة وخمسة وثمانون رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما.
ولا تستكثر أخي مثل هذا العدد مائة وأربعة وعشرون ألفا، إذا علمت أن الله عز في علاه يقول: وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا بل إن الله من رحمته - سبحانه - بعباده كان يرسل أحيانا إلى الأمة الواحدة أنبياء يتعاقبون فيهم بل قد يجتمعون واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون.
3- ومن الإيمان بالرسل عليهم صلوات الله تصديق ما صح من أخبارهم ورفض كل ما عداه من أكاذيب اليهود المختلقة عليهم وافتراءات النصارى المنسوبة إليهم في توراتهم وأناجيلهم وليس هذا بغريب على أمة هم قتلة أنبياء وسفّاكوا دماء ولكن الغريب أن يوجد من بين المسلمين من يتعامون عن مثل هذه الحقائق فتجدهم يتلمسّون ودّ هؤلاء ويسعون في إرضاء أولئك والله يقول وقوله الحق: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
وصدق الله حين قال: ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوّا عليكم الأنامل من الغيظ.
وإليك أخي يا من تعلق قلبك بأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله إليك طرفا من أكاذيبهم ونزراً من تحريفاتهم.
أما اليهود:
فقد زعموا أن نبي الله هارون - عليه الصلاة والسلام - صنع عجلاً وعبده مع بني إسرائيل وقالوا عن يعقوب - عليه السلام - أنه سرق مواشٍ, من حميّه، وخرج بأهله خلسة دون أن يعلمه.
وأن سليمان - عليه السلام - ارتدّ في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى لها معبداً، وزعموا أن إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - قدّم زوجته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها، أما لوط - عليه الصلاة والسلام - فبهتوه بقولهم أنه شرب الخمر ثم قام على ابنتيه فزنى بهما الواحدة بعد الأخرى.
أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً.
أما النصارى:
فيكفي في شأنهم قولهم إن يسوع أي المسيح عيسى - عليه الصلاة والسلام - قد شهد بأن جميع الأنبياء الذين قاموا في بني إسرائيل هم سرّاقٌ ولصوصٌ. وقد زعموا أنه أهان أمه مريم - عليها السلام - في وسط جمع من الناس، مع أن الله يقول عنه وبرا بوالدتي ومن أراد مزيد أمثلة على ذلك فليراجع كتاباً اسمه [محمد نبي الإسلام] عليه صلوات الله وسلامه.
أيها المؤمنون:
إذا كان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر عن حكم من سب أصحابه - رضي الله عنهم - بقوله: ((من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) أفلا يكون من باب أولى تنزيل هذا اللعن والحكم على من سب الأنبياء بل ووصمهم واتهمهم بما لا يليق بهم من الفواحش والموبقات؟
أخي يا رعاك الله:
وبضدّها تتميز الأشياء فكما أن اليهود والنصارى ومن شايعهم فرّطوا في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ونعوذ بالله مما صنعوا فإنا نبرأ كذلك ممن أفرطوا وغلوا فيهم فنسبوا إليهم شيئا من خصائص خالقهم ورازقهم، فاتخذوهم أنداداً وتوّسلوا بهم وطافوا حول قبورهم وقدّموا لهم القرابين كما يفعلوا بقبور الأولياء والصالحين ورجوهم ودعوهم واستغاثوا بهم من دون الله، كالصوفية ومن سار على طرائقهم وترقّى في طبقاتهم، وللعلم فاليهود والنصارى جمعوا بين السوأتين ومزجوا بين الخطيئتين وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح بن الله.
ولقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أيما تحذير فها هو يعالج سكرات الموت - عليه السلام - وعلى وجهه خميصة إذا اغتم كشفها، وكان يقول: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما صنعوا. والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام بشرٌ لا يملكون من خصائص الربوبية ولا الألوهية شيء. قال - تعالى -مخبراً عن أعظمهم جاهاً وأجلّهم منزلة قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون، فهل يعي ذلك أصحاب الموالد والحضرات النبوية وغيرها؟
ومع ذلك كله فلقد خص الله أنبياءه ورسله بخصائص وفضائل تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات الآية.
فأشرفهم أولوا العزم الخمسة الذين ورد ذكرهم في قوله - تعالى - شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. وأشرف هؤلاء جميعا نبينا صلى الله عليه وعليهم جميعا وكيف لا يكون كذلك وقد أم بهم في بيت المقدس وهو شفيع الخلق يوم القيامة وأكثرهم تبعا وأول من يفتح له باب الجنة وأوتي خمسا لم يؤتهن نبي قبله فقال - عليه الصلاة والسلام -: ((نُصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة)).
ومن مزاياه - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((أعطيت سبعين ألفا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي - عز وجل - فزادني مع كل واحد سبعين ألفا)) وفي رواية: ((وثلاث حثيات من حثيات ربي)).
وأعطي فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه، وهو القائل: ((بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)) ما لاح نجم وأشرقت شمس ورزقنا شفاعته والشرب من حوضه والأنس بلقياه هو سيد آدم ولا فخر فما أظلت السماء ولا أقلّت الغبراء بأفضل منه.
ومع ذلك الفضل كله يذكر اسمه في كل أذان ويصلي عليه في كل تشهد هل عظم في نفسه أو اختال في مشيته أو استكبر على صحبه أو ترفع عن حاجات الناس؟ كلاّ، لقد سئلت عائشة - رضي الله عنها - عنه فقالت: كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته وكان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه - صلى الله عليه وسلم -. بل كان - عليه الصلاة والسلام - يعود المساكين، ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة من دعاه ويجلس في أصحابه كأحدهم ويمنع من القيام له كما تقوم الأعاجم لملوكها - عليه الصلاة والسلام -.
يدل على الرحمن من يقتدي به *** وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحـق جاهدا *** معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الـزلات يقبل عذرهم *** وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
ومع كل ما ذكر أذكر بقوله - تعالى -: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودو وقد كفروا بما جاءكم من الحق.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين الذي لما جاءه جرير وهو يبايع قال: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال: ((أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين)) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: إن من يوال الكفار من دون المؤمنين ويسر إليهم بالمودة فهو كافر مرتد لقوله - تعالى -: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء. إلا ما استثنى الله ممن يكره إكراها ملجئاً.
وها هو عيد الكرسيمس أقبل وتعلمون أن من بين عمال الشركات وأطباء المستشفيات وبعض الإدارات والمؤسسات من يحتفلون بذلك ولو سرا فليعلم أنه لا يصح قبول هديتهم ولا أكل طعامهم ولا مشاركتهم فرحتهم، كما ورد ذلك في فتوى سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز - يرحمه الله - حيث قال: لا يجوز للمسلم أن يشارك الكفار في أعيادهم ويظهر الفرح والسرور بهذه المناسبة ويعطل الأعمال سواء كانت دينية أو دنيوية لأن هذا من مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من تشبه بقوم فهو منهم))، والله - سبحانه وتعالى - يقول: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد