الإبداع الرباني في الجسم الإنساني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 





جسم الإنسانº تلك الآلة العجيبة، هو أشبه بكتلة من المعجزات و الآيات الكونية، دالاً على يداً خالقةً وراء كل ذلك...

تستوقفنا في جسم الإنسان تأملات لا حصر لــهـا: أحببت أن أقتبس منها بعضها، مما يثير الدهشة و يستثير الفضول لمعرفة المزيد…



يظن كثير من الناس أن الجهاز الهضمي عند ابن آدم يخضع لقانون الجاذبية الأرضية، غير أن الحقيقة العلمية تحدثنا بغير ذلك، فالواقع أن المريء مجهز بعضلات مقوية عجيبة، تستطيع أن تدفع اللقمة الطعامية باتجاه المعدة، حتى ولو كان الرجل مقلوباً، فلا يكون بذلك للجاذبية إلا تأثير بسيط لا يكاد يذكر …



نتوقف في المعدة ( بيت الداء )، إذ كثيراً ما يتهم الناس المعدة بأنها بيت الداء، غير أنه في اعتقادي أن من الأصح القول بأن الطعام المدسم الكثير هو بيت الداء، فقد ثبت أن معظم الجراثيم ومعظم الكائنات الممرضة كالكوليرا و الزحار (أو ما يسمى بجراثيم الشيغلَّا) وغيرها تموت في الحموضة العالية، و معلوم أن السائل المعدي هو أكثر سوائل الجسم حموضة، إذ تبلغ درجة حموضته ( pH )حواليpH=2,2 و هذا هو السبب في أن معظم الجراثيم لا تستطيع تجاوز المعدة إلى الأمعاء ( حيث تتكاثر الجراثيم و تسبب الأمراض ) إلا إذا كانت كمية الطعام كبيرة و دسمة و غنية بالجراثيم، أو كان هذا الطعام من النوع الذي لا يتوقف في المعدة طويلاً، كأن يكون وجبة غنية بالسكر و الدسم و السوائل، ذلك أن المعدة لا تهضم إلا جزءاً يسيراً من البروتينات على عكس ما يعتقده الناس، على أن يضاف شرط كثرة الجراثيم وتوفرها بكميات كبيرة إلى مثل هذا النوع من الغذاء.



* و إذا ما وصلنا إلى أمعاء الإنسان نجدها مصنعاً هائلاً مثيراً، تنتشر فيه قوات الأمن في كل مكان، حتى لا يستطيع أحد من الغزاة أن يفلت من بين أيديها إلا في أحوال نادرة، و إذا ما حدث ذلك، فإنه المرض، ومن عجيب تلك الحراسة المشددة أن الجراثيم المطاعمة\" التي تتعايش مع الإنسان فيفيد منها وتفيد منه\" الموجودة في أمعاء الإنسان خاصة الغليظة منها، وهي ما يسمى علمياً بالفلورا المعوية ((Flura )), هي نفسها أداة للحراسة، فعدا عن فوائدها في اصطناع بعض الفيتامينات الضرورية جداً للإنسان كفيتامينK وفيتامين B12 وغيرها، فإنها تقوم بمنافسة الجراثيم الغازية - إذا ما وجدت – على مستقبلاتها على الخلايا الظهارية المعوية والمستقبلات هي أماكن توضع الجرثوم على الخلية المعوية والتي يمكِّنه الارتباط بها من القيام بالغزو أو إفراز المواد السامة... وتمنع هذه المنافسة الجرثوم الغازي من الارتباط بالمستقبلات إلى الحد الكافي لإحداث المرضº ثمَّ إنَّ جراثيم الفلورا هذه تقوم بإنتاج مواد تسمى بالأجنبية :bactriocins تساهم في قتل الجراثيم الغازية أو منعها من التكاثر بآليات مختلفة!



· وأما الجهاز العصبي في جسم الإنسان فهو آية بديعةٌ أخرى في حكمة الخلق الإلهي والإبداع الرباني، إن الإنسان إذا ما أصيب برضٍّ, أو كسرٍ, أو أذيةٍ, ما سواءً أكانت ميكانيكية أو نتيجة مرضٍ, معين، فإنه يبدأ بالتأوه والتألم، وإذا ما استمر الألم فإنه يبادر إلى الطبيب راجياً تخفيف الألم وتسكينه غير أنه يجهل أن هذا الألم هو نعمة إلهية حقيقية، إذ إنَّه جرس الإنذار الذي يكاد يكون وحيداً، والذي ينبئ الإنسان بوجود خلل ما عليه إصلاحه، وقد تكيف الجسد الإنساني مع هذه الغاية ففي الجسم مستقبلات من مختلف المنبهات الحرارية واللمسية والألمية والشمية والذوقية.... وتكاد تنفرد المستقبلات الألمية بخاصية عجيبة هي ما يسمى خاصية عدم التكيف، ومعنى التكيف أن المستقبل إذا ما تعرض لمنبهه النوعي (أي الذي لا ينبه مستقبلاً آخر غيره ) فإنه يتلاءم معه مع الزمن في غضون ثوانٍ, بل أجزاءٍ, من الثانية أي أنه لا يرسل إشاراتٍ, عصبية إلا عندما يتعرض للمنبه فإذا ما استمر هذا الأخير فإن المستقبل يتوقف عن إرسال إشاراتٍ, عصبيةٍ, بسبب تكيفه مع الوضع الجديد بوجود المنبه، أما المستقبلات الألمية والتي هي عبارة عن نهاياتٍ, عصبيةٍ, دقيقة منتشرة في كل نقطة من الجسم تقريباً وفي العظام وجدر الأوعية وغيرهاº فإنها لا تتكيف مع المنبه الألمي أو يكاد تكيفها يكون معدوماً سواء أكان المنبه خدشاً أم رصاَ أم حرقاً ... وتظل تنبه ابن آدم بوجود خلل في بنية ما عليه إصلاحه، ولهذا فائدة عظيمة، ففي الطبِّ تكون الأمراض اللاعرضية (أي التي لا تظهر فبها أعراض معينة تشير إليها من أهمها الألم ) أخطر من تلك العرضية لأن المريض اللاعرضي غالباً لا يعلم بوجود المرض في جسده ...



· ولنبق في أجواء المستقبلات ...

إنه من الشائع بين الناس حقيقة مفادها أن الإنسان ( حتى الحيوان ) إذا ما نظر إلى الطعام الشهي أو الشراب اللذيذ يبدأ لعابه بالسيلان وتبدأ أحاسيسه تشعره بالجوع والشهية، والواقع أن هذا يتم في آلية فيزيولوجية رائعة، إذ توجد في الأنف مستقبلات شمية، فإذا ما نظر الإنسان إلى الطعام ورأى منظره الشهيَّ وشمَّ رائحته، تضافرت سيالتان عصبيتان تنطلقان من الأنف والعين إلى مراكز مختصة في الدماغ وعادتا على شكل سيالتين انعكاسيتين إلى الغدد اللعابية فتأمرها بالإفراز وإلى المعدة لتأمرها بإفراز حمض كلور الماء المعدي... فإذا ما أفرز اللعاب فإنه يساعد على تليين الطعام ودعكه كما يساعد على هضمه جزئياً ببعض من الأنظيمات \"أو الأنزيمات\" وإذا ما أفرز حمض كلور الماء فإنه يساعد على تهيئة الوسط المعدي لاستقبال طعامٍ, جديد...



* ومن بديع صنع الخالق أنه زود الإنسان بنظام مواصلاتٍ, وإمدادات رهيب من نوعهº إذ يتمتع الجهاز الوعائي البشري بمقدرة غريبة على العمل في كل الظروف ويكاد يعرف جميع الناس أن الأوردة في الجسم تكون أكثر سطحيةٍ, من الشرايين، وهذا له فوائد عدَّة فجدران الأوردة أقل مرونة من تلك التي في الشرايين فهي إذا ما تعرضت لرضِّ أو لنزف فإنها تنطبق بسهولة مانعةً بذلك ازدياد النزف، وأما جدران الشرايين فإذا ما حدث ذلك لها فإنها تبقى مفتوحةً لشدة مرونتها ... كما أن الدم الشرياني يمتاز بغناه بالأوكسجينº ذاك الغاز الحيوي، وبالتالي فإن ضياعه يسبب خسارة في أهم غاز لعمل الأنسجة الحيوية...



وتمتلك جُدُر الأوعية الدموية مستقبلات فريدة، تعمل كأجهزة رقابة دائمة لا تتعب وتقوم هذه المستقبلات بالتحسس لضغط الدم أي أنها قادرة على تحديد الضغط بالشرايين والأوردة, وهناك منها مجموعات مهمة, تقع في جدار الأبهر وجدار الجيب السباتي، والجيب السباتي هو جيب دموي يقع في غلاف القلب خلفه وأعلاه قليلاً ....



والنقطة المهمة هنا هو أنَّ انخفاض الضغط الدموي ينبه هذه المستقبلات، فترسل سيالاتها العصبية إلى المركز المختص في الدماغ والذي يقوم بإرسال سيالات عصبية انعكاسية إلى جدران الأوعية الدموية المحيطية (وكلمة محيطية تعني تلك الأوعية التي تقع خارج نطاق الجملة العصبية المركزية) فتنقبض ويسمح ذلك بارتفاع الضغط الشرياني ارتفاعاً يكفي ليؤمن تغذية الجملة العصبية المركزية (الدماغ والنخاع الشوكي) ولهذا نرى أن أحدنا عندما ينتقل من وضعية الجلوس المديد إلى الوقوف فجأةً يشعر بدوار بسيط سرعان ما يزول، وسبب ذلك أن الجاذبية الأرضية في وضعية الجلوس التي كانت سائدة تشدٌّ الدم عندما يقف المرء فجأة فينخفض الضغط عندئذٍ, في حالة الوقوف المفاجئ مما يسبب نقصان التروية الدماغية ولكن المستقبلات سرعان ما تعمل فيزول الدوار في غضون ثوانٍ, ...



ومن الجدير بالذكر أن الجملة العصبية هي مركز القيادة في الجسم وهي حساسة جداًً لنقص الأوكسجين والمواد الغذائية في الدم والذي قد يحدث نتيجة انخفاض الضغط، ويعدٌّ نسيج النخاع والدماغ من أهم النسج النبيلة في الجسم أي أنه نسيج غير قادر على التجدد إذا ما تعرض لأذيةٍ, أو تخرب... وهنا آية أخرىº فهذا النسيج النبيل الذي يعتبر القائد في الجسد مزود بحصن حصين يحميه ويتكون من عدة طبقات من السحايا والعظام والنسيج العظمي معروف عند العامة بالجمجمة (ذاك العظم القاسي ) والعمود الفقري...



· والقلب عضلة تكاد تختلف كلياً عن سائر العضلات في الجسم، فهذه العضلة القوية كأنها عضو مستقل عن الجسد، فهي العضو الوحيد الذي يعمل حتى و لو قطعت الأعصاب عنه... إذ أن عضلة القلب تمتلك عقداً ذاتية كأنها جهاز عصبي، تستطيع أن تطلق التنبيهات ذاتياً مسببة ضربات القلب و نبضاته..



و من العجيب أن هذا القلب هو أكثر العضلات عملاً في جسم الإنسان، فهو يبقى ينبض طيلة حياته ليلاً و نهاراً، و مع هذا فهو لا يتعب... ذلك أن الضربة القلبية تدوم 0.8 ثانية يعمل القلب خلال نصفها و يرتاح في الآخر ليأخذ أغذيته و أوكسجينه من الدم ..



و تعد عضلة القلب مثلها مثل نسيج الدماغ والنخاع الشوكي نسيجاً نبيلاً، لذا فإن التروية الدموية لعضلة القلب تشكل جزءاً مهماً من كمية الدم الإجمالية في الجسم..



· وأما جهاز التنفس ºففيه من الآيات الشيء الكثير، إذ إنَّ الإنسان يتنفس ويتنفس ولا أظنٌّ أن أحداً يشعر أنه يتنفس...!!



والهواء الداخل إلى البدن يحمل أشكالاً ملونةً من الجراثيم والغبار والأجسام الغريبة، فهل سأل الإنسان نفسه أين يذهب كلٌّ هذا ؟!..



والواقع أن الطرق التنفسية العلوية, الأنف والبلعوم والحنجرة والرغامى والقصبات، مجهزةٌ خلاياها الظهارية (أي التي تحيط بمجرى التنفس) بأهداب طويلة تختلف بالطول من مكان لآخر، ثم إن بعضاً من أجزاء الطرق التنفسية هذه تمتلك خلايا تسمى خلايا مخاطية تقوم بإفراز المخاط...



وهكذا يساهم المخاط مع حركة هذه الأهداب المستمرة بالتقاط معظم الملوثات والجسيمات الغريبة مما لا يسمح لها بالوصول إلى الأكياس الهوائية في الرئة...



ثم إن هذه الأهداب نفسها تساهم بحركتها المستمرة في إخراج المخاط المحمل بالملوثات إلى خارج الطرق التنفسية فإما إن يبتلع وإما أن يسعل الإنسان فيخرجه من بدنه.. وهكذا تبقى الطرق التنفسية نظيفةً سليمة.



· وتستوقفنا في جنين الإنسان عجائب شتى، فهذا الكائن الجديد الذي يعيش داخل رحم أمه، يتمتع بوسائل من الحماية تكفيه إلى ما بعد ولادته... فهو أثناء فترة الحمل مزودٌ بوسائل تحيط به ومزود بطبقات عضلية عدة من رحم أمه هي كافية لتحميه وتغذيه على أكمل ما يريد..



ولكن الأعجب والأغرب في الأمر أن الطفل عندما يولد يتعرض لكثير من العوامل الممرضة والأخماج وقد يمرض في بعضها غير أنه سرعان ما يشفى فهل سأل أحدنا نفسه ما هي الحكمة وراء ذلك؟



إن في جسد الإنسان جزيئات بروتينية تجري في الدم يقال لها الأضداد وهي تقوم بمواجهة العوامل الغريبة الواصلة للدم، فتتحد معها وتبطل مفعولها، وهناك منها نوع مهم يرمز لها IgG، هذا النوع هو الوحيد الذي يستطيع أن يعبر المشيمة من دم الأم إلى دم الجنين، و هو الذي يعطي للطفل الوليد مناعة تجاه العوامل الممرضة تدوم لبضع أشهر بعد الولادة ..



-و علينا القول هنا أن كثرة تعرض الطفل للأمراض في السنوات الأولى من حياته هو مفيد بل مهم في بعض الأمراض لأن هذا يمنحه مناعة واقية تجاهها مدى الحياة حتى أنه في بعض الأمراض لابد للطفل أن يتعرض لها باكراً و إلا فإن لم يحدث ذلك ثم أصيب بها كبيراً فقد تؤذيه بل قد تودي بحياته في بعض الأحيان ...



ولذا فمن الشائع طبياً تعريض الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم لبعض العوامل الممرضة بشكل خفيف حتى لا يصابوا بها و هم كبار، وهذا هو الأساس في عمليات التلقيح المعروفة ....



و أخيراً تعرض في بالي حقيقة مفادها أن فيروسHIV (فيروس الإيدز) هو في الحقيقة فيروس غاية في الضعف، بل إنه لا يستطيع العيش طويلاً خارج مستودعه (الإنسان ) فإذا ما دخل البدن انقلب إلى وحش كاسر يفتك بالإنسان رويداً رويداً.



ولا أجدني إلا خاتماً مقالي هذا بقوله تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply