من صور الإعجاز العلمي في القرآن ( 2 - 4 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



في مقال سابق لنا كنا قد توقفنا عند مَلمَحٍ, إعجازي، من قوله - تعالى -: {وَلَو فَتَحنَا عَلَيهِم بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلٌّوا فِيهِ يَعرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَت أَبصَارُنَا بَل نَحنُ قَومٌ مَسحُورُونَ}(الحجر: 14-15) فتحدثنا فيه أن السماء ليست فراغًا كما كان يُعتقد، بل بنيان محكم يتعذر دخوله إلا عن طريق باب تُفتح.



ونتابع في مقالنا هذا الحديث عن بعض ملامح وجوه الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة، فنقف عند قوله - تعالى -: {فَظَلٌّوا فِيهِ يَعرُجُونَ} والعروج لغة: سير الجسم في خط منعطف منحنٍ,، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن حركة الأجسام في الكون لا يمكن أن تكون في خطوط مستقيمة، بل لا بد لها من التعرج والانحناء، نظرًا لانتشار المادة والطاقة في كل الكون. فأي جسم مادي - مهما عظمت كتلته أو تضاءلت - لا يمكنه التحرك في الكون إلا وَفقَ خطوط منحنية.



وقد أصبح من الثابت علميًّا أن كل جرم متحرك في السماء - مهما كانت كتلته - محكوم بكلٍ, من قوى الجذب والطرد المؤثرة فيه، وهذا ما يصفه القرآن الكريم بالعروج. ولولا معرفة حقيقة عروج الأجسام في السماء لما تمكن الإنسان من إطلاق الأقمار الصناعية، ولا استطاع كذلك ريادة الفضاء.



وبيان ذلك أن حركة أي جسم مندفع من الأرض إلى السماء لا بد وأن تكون في خطوط منحنية، وذلك تأثيرًا بكل من الجاذبية الأرضية، والقوى الدافعة له إلى السماء، وكلتاهما تعتمد على كتلة الجسم المتحرك، وعندما تتكافأ هاتان القوتان المتعارضتان يبدأ الجسم في الدوران في مدار حول الأرض مدفوعًا بسرعة أفقية تُعرف باسم \"سرعة التحرك الزاوي\" أو \"سرعة العروج\".



وهذا التوازن الدقيق الذي أوجده الخالق - سبحانه - بين كل من قوى الجاذبية والقوى الدافعة الناتجة عن عملية الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل أجرام السماء، والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات التي يدور بها كل منها حول محوره.



ولما كانت الجاذبية الأرضية تتناقص بزيادة الارتفاع عن سطح الأرض، فإن سرعة الجسم المرفوع إلى الفضاء تتغير بتغير ارتفاعه فوق سطح ذلك الكوكب، وبضبط العلاقة بين قوة جذب الأرض للجسم المنطلق منها إلى الفضاء والقوة الدافعة لذلك الجسم (أي سرعته) يمكن ضبط المستوى الذي يدور فيه الجسم حول الأرض، أو حول غيرهما من أجرام المجموعة الشمسية أو حتى إرساله إلى خارج المجموعة الشمسية، ليدخل في نطاق جرم أكبر يدور في فلكه.



و أقل سرعة يمكن التغلب بها على الجاذبية الأرضية في إطلاق جرم من فوق سطحها إلى فسحة الكون تسمى \"سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية\" ولها حساب تُعرف به.

وقد وصف القرآن الكريم عروج الأجسام في السماء في مواضع من القرآن - غير الآية التي بين أيدينا - منها:

- قوله - جل وعلا -: {يَعلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرضِ وَمَا يَخرُجُ مِنهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعرُجُ فِيهَا}(سـبأ: 2).

- وقوله - تعالى -: {يُدَبِّرُ الأَمرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ ثُمَّ يَعرُجُ إِلَيهِ فِي يَومٍ, كَانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ, مِمَّا تَعُدٌّون}َ(السجدة: 5).

- وقوله: {وَلَولا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلنَا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمَنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفاً مِن فِضَّةٍ, وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ}(الزخرف: 33).

- وقوله - سبحانه -: {تَعرُجُ المَلائِكَةُ وَالرٌّوحُ إِلَيهِ فِي يَومٍ, كَانَ مِقدَارُهُ خَمسِينَ أَلفَ سَنَة}(المعارج: 4).

وبعد: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، وصدق الله القائل في محكم كتابه: {الذي أحسن كُلَّ شَيءٍ, خَلَقَهَ}(السجدة: 7) والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply