حكم بدأ أهل الكتاب بالسلام وحكم عيادتهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



السؤال:

ما حكم بدء اليهود والنصارى بالسلام؟

الجواب:

هذه المسألة محل اختلاف بين أهل العلم، وقد قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله -: (إن سلّمت فقد سلّم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون).

وقد جاء في صحيح مسلم من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تَبدَؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدَهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه).

وهذا دليل على النهي عن بدء أهل الكتاب بالسلام وإليه ذهب أكثر أهل العلم.

وروى عن ابن عباس وأبي أمامة جواز ذلك.

وتأول بعض أهل العلم النهي الوارد في ذلك على أن معناه ليس عليكم أن تبدؤوهم، وفيه نظر فالأصل عدم الإضمار، والحديث قوي الدلالة على تحريم بدء اليهود والنصارى بالسلام، فإن السلام اسم من أسماء الله - تعالى - وصفته فلا يحيى به غير المسلم.

ولم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بدَء اليهود والنصارى بالسلام، وقد كان يكتب إلى ملوكهم: (سلام على من اتبع الهدى).

ولا مانع من تكنية الكافر، ومخاطبته بكلام غير السلام، مع الحذر من الألفاظ الدالة على رضاه بدينه كقول بعض الجهّال: متعك الله بدينك.



هل تجوز عيادة أهل الكتاب؟

الجواب:

في هذه المسألة اختلاف بين الفقهاء فقيل تجوز مطلقاً، وقيل تحرم، وقيل تجوز العيادة بقصد دعوته وعرض الإسلام عليه، وهذا توسط في المسألة فلا يصح المنع مطلقاً لأنه لم يرد في ذلك دليل بل هو خلاف الأدلة الصحيحة، والقول بالجواز مطلقاً فيه شيء من النظر فلم يبق إلا جواز عيادته إذا كان يعرض عليه الإسلام أو يرتجيه.

وقد جاء في صحيح البخاري من طريق حماد بن زيد عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فمَرض فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فأسلم فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.

وهذا الحديث فيه فوائد:

الأولى: حُسنُ خُلقه - صلى الله عليه وسلم -.

الثانية: حرصه - صلى الله عليه وسلم - على هداية الخلق.

الثالثة: أن اليهود إذا مات على يهوديته كافر مخلد في النار وهذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده لاَ يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.

الرابعة: عيادة اليهودي إذا رجيت المصلحة، قال أبو داود - رحمه الله - سمعت الإمام أحمد سئل عن عيادة اليهودي والنصراني؟ قال: (إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم).

وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله - صلى لله عليه وسلم - لأبي طالب: (ياعم قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما والله لأستغفرنّ لك ما لم أُنه عنك)، فأنزل الله - تعالى - فيه {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}.

والحديث فيه دليل على عيادة القريب المشرك إذا رُجي إسلامه، قال الفضل بن زياد سمعت أحمد بن حنبل سئل عن الرجل المسلم يعود أحداً من المشركين، قال: (إن كان يرى أنه إذا عاده يعرض عليه الإسلام يقبل منه فليعده كما عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الغلام اليهودي فعرض عليه الإسلام).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply