البراء من دين الكفار وليس بترك التعامل معهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



أكد فضيلة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء أن (الولاء والبراء) متقرر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، موضحاً أنه ليس شيئاً جديداً في الإسلام ولا قولاً محدثاً، وأضاف فضيلته إن بعض الغلاة الذين يمشون على خط الخوارج فهموا أن العداوة والبراءة من الكفار وبغضهم تقتضي تحريم التعامل معهم نهائياً، ولم يفهموا أن المراد البراءة من دينهم في محبتهم، لا أن المراد ترك التعامل معهم فيما أباح الله، والاعتداء بتفجير مساكنهم، وقتل المسالمين منهم وأولادهم ونسائهم، وإتلاف ممتلكاتهم، وأضاف فضيلته أن فريقاً من الناس ظنوا أن بغض الكفار والبراءة منهم إرهاب وعدوان عليهم، مشيراً إلى أن الكفار والمنافقين استغلوا هذا ونسبوا الإرهاب للمسلمين، وأوضح فضيلته انه لا مانع من التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والمؤاجرة.. وفيما يلي نص ما كتبه فضيلة الدكتور صالح الفوزان عن (كشف شبهة وتصحيح مفهوم حول الولاء والبراء في الإسلام):

الحمد لله رب العالمين، والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله - تعالى - أوجب علينا موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، قال - تعالى-: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}، وقال - تعالى -:{لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}، وقال - تعالى -:{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}، وقال - تعالى-:{وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}، وقال - تعالى-:{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} إلى قوله: {أولئك حزب الله} وهذا الأصل وهو الولاء والبراء متقرر في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد شرع قبل الأمر بالجهاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة فهو واجب في حال السلم وحال الحرب، ليس شيئاً جديداً في الإسلام ولا قولاً محدثاً، ونحن إنما نذكره لنذكر به، ونبين ما حصل حوله من التباس حيث أن بعض الغلاة الذين يمشون على خط الخوارج فهموا أن العداوة والبراءة من الكفار وبغضهم تقتضي تحريم التعامل معهم نهائياً، ولم يفهموا أن المراد البراءة من دينهم في محبتهم لا أن المراد ترك التعامل معهم فيما أباح الله، والاعتداء عليهم بتفجير مساكنهم، وقتل المسالمين منهم، وقتل أولادهم ونسائهم، وإتلاف ممتلكاتهم، وأن هذا هو الجهاد في سبيل الله عند هؤلاء، ولو كان هؤلاء الكفار لهم أمان من المسلمين وهم في بلادهم أو في بلاد المسلمين، وفريق من الناس ظنوا أن بعض الكفار والبراءة منهم إرهاب وعدوان عليهم يقولون لأن دين الإسلام دين المحبة والولاء لكل الناس كما ظهر ذلك في بعض المحادثات والمحاورات والكتابات التي تنشر في بعض الصحف وغيرها، وقد استغل هذا الوهم الكفار والمنافقون فقالوا: إن دين الإسلام دين إرهاب ووحشية، لما رأوا وسمعوا من تصرفات بعض المنتسبين إليه عن سوء فهم لأصل الولاء والبراء.

ونقول لهؤلاء وأولئك الإسلام دين الرحمة لأتباعه، ودين الوفاء والعدل مع أعدائه، قال الله - تعالى -:{ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}، وقال - تعالى -:{ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور}، فالإسلام وإن كان يأمر بمعاداة الكفار لأجل دينهم لئلا يسري على المسلمين شيء منه وذلك من باب سد الذريعة، فإنه يحرم الاعتداء عليهم بغير حق، ويحترم حقوق المعاهدين والذميين والمستأمنين منهم، ويحرم دماءهم وأموالهم، ويجعل لهم من الحقوق ما للمسلمين وعليهم منها ما على المسلمين، قال - تعالى -: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، وقال - تعالى -:{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً}، وقال - تعالى -:{إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين}، قال عبد الله بن رواحه - رضي الله عنه - لما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر لخرص الثمار من أجل استحصال الخراج من اليهود، فأراد اليهود أن يرشوه من أجل أن يتساهل معهم، فقال - رضي الله عنه -: يا إخوان القردة لأنتم أبغض شيء إليَّ في هذه الدنيا، ولا يحملني بغضي لكم على أن أظلمكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، وكذلك لا مانع من التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والمؤاجرة وقد اشترى النبي - صلى الله عليه وسلم - من يهودي طعاماً لأهله ورهن درعه عنده، وكان يأكل من طعام اليهود، ويجيب دعوتهم، وكان - صلى الله عليه وسلم - يعقد المصالحات مع الكفار كصلح الحديبية مع المشركين، والصلح مع اليهود في المدينة، والصلح مع نصارى نجران، ويأمر بحسن الجوار والإحسان إلى الأسرى كما قال - تعالى -:{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً}، وكان - صلى الله عليه وسلم - يفي لهم بعهده معهم، وقد أمر الله الولد بالإحسان إلى والديه الكافرين فقال - تعالى-:{وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ}، وحتى في حالة غزونا للكفار لقتالهم كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بدعوتهم إلى الله قبل قتالهم، وينهى عن قتل شيوخهم ورهبانهم وصبيانهم ونسائهم، وينهى عن التمثيل بقتلاهم، فأي تعامل على وجه الأرض مع العدو أحسن من هذا التعامل، وحرم - صلى الله عليه وسلم - قتل المعاهدين منهم فقال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) مع أنهم هم يبغضوننا أشد البغض كما قال - تعالى-:{إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}، وقال - تعالى-:{كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة}، وقال - تعالى - {ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور * إن تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها}، وقال - تعالى-:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} وهذا ظاهر من تصرفاتهم مع المسلمين اليوم من التقتيل والتشريد والتنكيل وتدمير البلدان على ما فيها، دون هوادة أو رحمة.

ومع هذا فالمسلمون إذا تمكنوا منهم لم يعاملوهم بالمثل عملاً بما يمليه عليهم دينهم القيم، فكيف يقال أن دين الإسلام دين الإرهاب والوحشية، وأن الدعوات الإصلاحية في الإسلام كدعوة الشيخ الإمام ابن تيمية، ودعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب وغيرهما من دعوات المصلحين أنها دعوات إرهابية، هل هذا إلا من قلب الحقائق والتلبيس على الناس?، إن الوحشية والإرهاب في الحقيقة هما عمل الكفار مع المسلمين إذا تمكنوا منهم كما هو الواقع اليوم.

والولاء والبراء في الإسلام ليس معناهما الإرهاب والتعدي على أصحاب الديانات السماوية، وإنما معناهما معاداة أعداء الله كما قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}، وليحصل التمايز بين المسلم والكافر حتى يحتفظ المسلم بإسلامه وعقيدته ويعتز بدينه كما قال - تعالى -:{وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، وقال - تعالى -:{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة}، وقال - تعالى -:{قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون}، وقال - تعالى -:{أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}، وقال - تعالى -:{أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار}، فالمسلم يعتز بإسلامه ولا تذوب شخصيته في غير المسلمين بل يقول:{لكم دينكم ولي دين}، ويقول:{أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون}، ولذا فقد نُهي المسلمُ أن يتشبه بغير المسلمين، قال - صلى الله عليه وسلم -:(من تشبه بقوم فهو منهم)، لأن التشبه بهم في الظاهر يدل على محبتهم في الباطن.

وليس المقصود بالولاء والبراء الإرهاب أو الاعتداء على الناس بغير حق، فالمسلم يدعو الناس إلى الإسلام بحاله قبل أن يدعوهم بمقاله، والدعوة بالمقال تكون بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن كما أمر الله نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكما أمر الله بذلك موسى وهارون - عليهما السلام - لما أرسلهما إلى فرعون وقال لهما:{فقولاً له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}، فالمسلم وإن أبغض الكفار من أجل دينهم فإنه يتحلى بالأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، والعدل في القول والعمل معهم ومع غيرهم قال تعالى:{وإذا قلتم فاعدلوا}،{وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}، هذا ونسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply