الولاء والبراء - تعريفهما وحكمهما


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



تعريفهما وحكمهما:

الولاء في اللغة: القرب والنصرة، وهو ضد المعادات.

وفي الاصطلاح: هو النصرة والمحبة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً.

والبراء في اللغة: الابتعاد والمعادات.

وفي الاصطلاح: هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار.



والولاء ينقسم إلى قسمين:

أ- ولاء مشروع: وهو محبة أهل التقى والصلاح من أهل الإسلام لأجل إيمانهم واستقامتهم على دين الله، رغبةً في ثواب الله - عز وجل -، وخوفاً من عقابه، وهذه هي المحبة تقتضي النصرة والدعاء لهم بخير، والذب عنهم، وأداء حقوقهم المشروعة، والكف عن الإساءة إليهم، والإقتداء بصالحهم، وسلامة الصدور نحوهم وإيثارهم.

قال الله - تعالى -: ((وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ,)) (التوبة:71) وقال - تعالى -: ((إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ))(الحجرات:10)، وقال أيضاً: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفِر لَنَا وَلِإِخوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجعَل فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ))(الحشر:10).

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قالوا: يا رسول الله هذا ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه) رواه البخاري وغيره، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

وهذه الموالاة واجبه على المسلم نحو إخوانه المسلمين، لأنها ترجمة عملية عما في قلب المسلم من إيمان صحيح، ورغبة في تطبيق أوامر الله - سبحانه وتعالى - وأوامر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولأن في موالاة أهل الإيمان إبقاء على عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام، وقطعاً للطريق على أعداء الإسلام الذين يعملون جادين على القضاء على هذه الولاية التي ينشأ من بقائها رفض كل باطل يعملون على نشره بين المسلمين.

ب- ولاء ممنوع: وهو الميل إلى الكافرين ومعاونتهم على أهل الإسلام والإيمان بشتى أنواع الإعانة، كإفساح المجال لهم حتى يظهروا ضلالهم وباطلهم عملياً، وينشروه فكرياً دون أن يجدوا أي اعتراض عليهم، ومن ثم يختلط الحق بالباطل، ويظهر المنكر كأشد ما يكون ظهوراً، لذلك قال - تعالى -: ((وَلا تَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أَولِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ))(هود:113).

وهذا النوع من الولاء من حيث حكمه ينقسم إلى قسمين:

الأول: ولاء مخرج من الملة.

وذلك عندما يوالي أحدٌ من المسلمين أحداً من الكافرين ولاية محبة، واعتقاد أن ما عليه الكافرون أولى مما عليه المؤمنون أو مساو له، فهذا كذب بواح لأن فيه تكذيباً لصريح القرآن وصحيح السنة، كما أن فيه موافقة لليهود والمشركين، قال - تعالى -: ((أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يُؤمِنُونَ بِالجِبتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً))(النساء:50).

وخلاصة ذلك أن ولاء الكافرين المخرج من الملة يحصل بثلاثة أمور:

1- اعتقاد قلبي.

2- موافقة في الأعمال الكفرية التي كانوا ولا زالوا عليها كالتحاكم إلى الطواغيت، إباحة الزنا واللواط، المسكرات والمخدرات، واعتبار ذلك من الحرية الشخصية للإنسان.

3- ولاء قولي: كموافقة الكافرين في الاستهزاء بالدين وأهله، ووصف المستقيمين على دين الإسلام بالرجعيين والجامدين ونحو ذلك.

الثاني: ولاء محرم:

لا يصل إلى الكفر الأكبر، ذلك فيما يحصل من التشبه بهم في بعض أفعالهم، مع اعتقاد أن ما يفعله المسلم من ذلك محرم شرعاً كحلق اللحية، وتبرج النساء المسلمات، واختلاط النساء بالرجال الأجانب عنهن، والنداء بالعنصرية كالقومية والإقليمية وغير ذلك، وهنا جانب أخر التعامل المالي كالربا والرشوة، قال - تعالى - عن اليهود: ((سَمَّاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسٌّحتِ))(المائدة:42) وقال - تعالى -: ((وَأَخذِهِمُ الرِّبا وَقَد نُهُوا عَنهُ ))(النساء:161)، ومن هذا النوع مجالسة أعداء الإسلام ومواكلتهم ومشاربتهم ومؤانستهم يقول الله - تعالى - عن اليهود ذماً لهم: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ*كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ* *تَرَى كَثِيراً مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ))((المائدة:78-80))، ومن لوازم موالاة المؤمنين لأهل الإيمان معاداة أعدائهم والبعد عنهم واجتنابهم بالكلية، واعتقاد أنهم على ضلال يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك).

تنبيه:

لا يلزم من معاداة أعداء الإسلام أن نظلمهم في شيء من حقوقهم، بل يجب أن نعدل فيهم بالحق قال تعلى: ((وَلا يَجرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَومٍ, عَلَى أَلَّا تَعدِلُوا اعدِلُوا هُوَ أَقرَبُ لِلتَّقوَى))(المائدة:8)، كما أنه لا يلزم أن نقاطعهم في التعامل الدنيوي، بل يجوز أن نتعامل معهم فيما أقدرهم الله عليه من ضروريات الحياة في مجالات العلم المادي، والتقنية الحديثة، شريطة ألا يكون ذلك على حساب ديننا وأخلاقنا وضروريات حياتنا كالدين والنفس والمال والعقل والعرض قال الله - تعالى -: ((لا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرٌّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ))(الممتحنة:8)، وكذلك فإنه لا يلزم من معاداتنا لهم أن نمتنع من دعوتهم إلى الإسلام، وترغيبهم فيه، وحثهم على الدخول فيه، حتى لو استدعى ذلك أن يعطوا من الزكاة تألفاً لهم.

وهذه الأمور الثلاثة وغيرها يظهر مدى ما أمتاز به الإسلام في تعامله مع الآخرين في إطار العدل والسر والخير، الأمر الذي لا يوجد في أي مذهب سوى الإسلام.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply