أوثق عرى الإيمان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة، وشرط من شروط الإيمان تغافل عنه كثير من الناس، وأهمله البعض فاختلطت الأمور، وكثر المفرطون، ومعنى الولاء: هو حب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.

والبراء: هو بغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق.

فكل مؤمن موحد ملتزم للأوامر والنواهي الشرعية، تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله - تعالى - ببغضه ومعاداته وجهاده بالقلب واللسان بحسب القدوة والإمكان، قال - تعالى -:((وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, )).

والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان وهو من أعمال القلوب لكن تظهر مقتضياته على اللسان والجوارح، قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح: \"من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان \"، ومنزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة ومنها:

أولاً: أنها جزء من معنى الشهادة وهي قول: \"لا إله \" من \"لا إله إلا الله \" فإن معناها البراء من كل ما يعبد من دون الله.

ثانياً: أنها شرط في الإيمان كما قال - تعالى -: (( تَرَى كَثِيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ (80) وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنهُم فَاسِقُونَ )).

ثالثاً: أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله \".

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله -: فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله، والبغض في الله، والمعاداة في الله، والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

رابعاً: أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان، ولذة اليقين، لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار\".

خامساًً: أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم كما قال - تعالى -: (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ )).

سادساً: أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال\" (من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك).

سابعاً: أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر، قال - تعالى -: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم )).

ثامناً: أن كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها.

يقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله - سبحا نه وتعالى - قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه، وحرم موالاتهم وشدد فيها، حتى أنه ليس في كتاب الله - تعالى - حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله.

ومن صور موالاة الكفار أمور شتى منها:

1- التشبه بهم في اللبس والكلام.

2- الإقامة في بلادهم، وعدم الانتقال منها إلى بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين.

3- السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس.

4- اتخاذهم بطانة ومستشارين.

5- التأريخ بتاريخهم خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي.

6- التسمي بأسمائهم.

7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها، أو تهنئتهم بمناسبتها، أو حضور إقامتها.

8- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون نظر إلى عقائدهم الباطلة، ودينهم الفاسد.

9- الاستغفار لهم، والترحم عليهم.

قال أبو الوفاء بن عقيل: إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بـ\"لبيك\"، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة، عاش ابن الراوندي والمعري - عليهما لعائن الله - ينظمون وينثرون كفراً، وعاشوا سنين، وعظمت قبورهم، واشتريت تصانيفهم، وهذا يدل على برودة الدين في القلب.

وعلى المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين امتلأت بهم الأرض، وليتجنب الكفار وما يبثون من شبه وشهوات، وليعتصم بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم، وعلى المسلم أن يفطن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلى أهل الذمة، وبين بغضهم وعدم محبتهم. ويتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، ومن برهم لتقبل دعوتنا: الرفق بضعيفهم، وإطعام جائعهم، وكسوة عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، والدعاء لهم بالهداية، وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

اللهم وفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك! والسير على هداهما، وحب الله ورسوله والمؤمنين وموالاتهم، وبغض الكفار والمشركين ومعاداتهم.

اللهم اجعلنا ممن ينصر هذا الدين ويدافع عنه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

ىاىظ

-

فاتن العلاوي

11:03:03 2022-04-04

وين الايجابه