عقيدة \ الولاء والبراء \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 




\"الولاء والبراء\" أصل عظيم من أصول هذا الدين، ويتعلق بشرط مهم من شروط كلمة التوحيد\"لا إله إلا الله\"، وهو تحقيق محبتها ومحبة ما تدل عليه، ومحبة أهلها وبغض ضدها، وهو الشرك، ومعاداة أعدائها وبغضهم، ولا تنفع هذه الكلمة صاحبها إلا إذا حقق ذلك.

وفي هذا الزمان اكتنف هذا الأصل العظيم الركام، وضعف هذا المفهوم العقدي، وغاب عن واقع حياة أكثر المسلمين، إذ أن \" الولاء والبراء \" هما بمثابة التطبيق العملي لعقيدة \"لا إله إلا الله\" التي هي في حقيقتها ولاء وبراء، وبتحقيقها يتحقق الإيمان ويكون كماله، وبتضييعها ينقص الإيمان إلى مرحلة قد تصل إلى الكفر، فهي قضية إيمان وكفر قال - تعالى - {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ}(المائدة: 51). وقال - صلى الله عليه وسلم - \"أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعادة في الله، والحب في الله، والبغض في الله\".



والأدلة على تحريم موالاة الكفار ووجوب البراءة منهم كثيرة جداً، قال أحد العلماء \"ليس في كتاب الله - تعالى -حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم - أي الولاء والبراء - بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده\"، وقد افتُقد \"الولاء\" الذي أصله إخلاص المحبة لله - تعالى -، ومن ثم محبة الصالحين والمؤمنين الذين يقيمون دين الله ونصرتهم وإتباعهم، كما افتقد مظهر\" البراء\" الذي يتمثل في كراهية الباطل وأهله وبغضهم والابتعاد عنهم ومخالفتهمº وذلك لكفرهم وصدهم عن سبيل الله ولفسوقهم وتوليهم الشيطان {قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ}(الممتحنة: 4).



قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب \"إن الإنسان لا يستقيم له إسلام، ولو وحد الله وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين، والتصريح بعداوتهم وبغضهم\".



مكانة هذا الأصل العظيم \"الولاء والبراء\" في الإسلام:

الذي ينبغي أن نتنبه إليه أن الولاء القلبي، وكذلك العداوة القلبية، يجب أن تكون كاملة جازمةº فلا يميل إلى الكافرين ولا يعجب بهم، بل يبغضهم وينفر منهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: \"فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته، فينبغي أن تكون كاملة جازمة\" ثم قال: \"ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا نوع من الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه، ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله\".



والولاء والبراء من أعمال القلب التي تظهر مقتضياتها على اللسان والجوارح ولها أثر على الواقع والسلوك.



ولكن مما ينبغي التنبيه إليه أن معاداة الكفار القلبية وعدم محبتهم وموافقتهم لا تعني ظلمهم والاعتداء عليهم إذا أقتضى الأمر الاجتماع بهم ومخالطتهم في الإقامة أو الاستيطان أو في العمل والسكن ونحو ذلك، أو من كان بيننا وبينهم عهود ومواثيق قال - تعالى -: {لا يَنهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِن دِيَارِكُم أَن تَبَرٌّوهُم وَتُقسِطُوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبٌّ المُقسِطِينَ} (الممتحنة: 8). وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة\".



بل يجب في حقهم العدل معهم، والإحسان إليهم، واحترام حقوقهم، وعدم الاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وقد حُرِّم ذلك في شريعة الإسلام.



وفي وقتنا الحاضر ضعف الإيمان في قلوب كثير من الناس، وظهرت في حياتهم صور شتى من صور الولاء لأعداء الدين وذلة التبعية لهم، ومن ذلك:

1- تطبيق أنظمتهمº لأنها في نظرهم أفضل من شريعة الإسلام.

2- الوثوق بهم وائتمانهم من دون المسلمين واتخاذهم بطانة {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِن دُونِكُم لا يَألُونَكُم خَبَالاً وَدٌّوا مَا عَنِتٌّم قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَر}(آل عمران: 118).

3- المبالغة في تعظيمهم ورفع شأنهمº كالتسمي بأسمائهم على وجه التحسين والتزيين لمن تسمى بها.

4- ومن صور التبعية التي فشت بين المسلمين: الاحتفال بشعائرهم كالموالد والأعياد مثل: \"الكرسمس\" و\"عيد رأس السنة\" و\"عيد الحب\"..وغير ذلك، أو التهنئة بذلك أو المساعدة في إقامتها أو المشاركة بالحضور، كل ذلك يحرم بالاتفاق هذا إن سلم صاحبه من الكفر، وقد فسر قوله - تعالى -{وَالَّذِينَ لا يَشهَدُونَ الزٌّورَ}(الفرقان: 72).أي أنهم لا يحضرون أعياد الكفار.

5- السفر إلى بلادهم ومخالطتهم دون حاجة، كسفر السياحة والاستجمام.

6- ومن ذلك تسمية بعض المسلمين النصارى بـ\"إخواننا المسيحيين\"، فهذا أحد الكتاب يقول عن الرئيس الديني للنصارى: \"وقد كنت أريد أن أتجاهل ما يصنع الأخ شنودة الرئيس الديني لإخواننا الأقباط\"، ويقول أخر في إحدى المجلات عن النصارى من أبناء قومه: \"إننا لا نريد عصبة عداءº بل وشيجة إخاء في الله\".. !

7- التشبه بهم في زيهم ومظهرهم وكلامهم وعاداتهم، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - \"من تشبه بقوم فهو منهم\" وقال ابن تيمية: \"والمشابهة مظنة المودةº فتكون محرمة\".

8- ميل القلب إليهم بالرضا عنهم، أو بشيء من أعمالهم، أو بإظهار الرحمة والرأفة لهم {وَلا تَركَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِن أَولِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} (هود: 113).

9- الاستغفار لهم أو الترحم على موتاهم {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولِي قُربَى مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَابُ الجَحِيمِ}(التوبة: 113).

وغير ذلك من مظاهر التبعية لهم، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الحقيقي، كان إحساسه بمفارقة الكفار باطناً وظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم أشد، وبغضه لهم أكثر، ولو كان أقرب قريب.. ومن ذلك موقف عمر بن الخطاب في أسارى بدر الذي تجلى فيه البراء من أعداء الله.. حيث قال - رضي الله عنه -: \"أرى يا رسول الله أن تمكني من فلان - قريب له - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين\".



لله درك يا عمر من قمة شامخة في الإيمان، فكم بينه وبين هذا الغثاء الذي يعيشه اليوم كثير من أبناء الإسلام في مظاهر الولاء، والموادة والهوادة للمشركين وأعداء الملة والدين.

ومما ينبغي التنبيه إليه: أن موالاة الكفار تقع على شُعب متفاوتة وتتمثل في صور شتىº لذا فإن الحكم فيها ليس حكماَ واحداًَ، فإن منها ما يوجب الردة ونقض الإيمان بالكلية، ومنها ما دون ذلك ويكون معصية، وذلك كله مبني على ما يقوم بالقلب ويحمله القصد من المحبة والميل والتعظيم والركون.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply