بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فالمقصود من عنوان هذه المقالة: التفريق بين من يعلم حقيقة التوحيد، ومقوماته، وأنواعه ونواقضه مجرد علم نظري مع ضعف في تطبيقه والتحرك به، وبين من يجمع مع العلم العمل والتطبيق، وظهور آثار التوحيد في حاله وأعماله ومواقفه.
ويدخل هذا تحت ما سماه الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - بالقوة العلمية والقوة العملية، حيث ذكر أن الناس مع هاتين القوتين أربعة أقسام:
01 فمن الناس من تكون له القوة العلمية الكاشفة عن الطريق، ومنازلها، وأعلامها، وعوارضها ومعاثرها، وتكون هذه القوة أغلب القوتين عليه، ويكون ضعيفاً في القوة العملية، يبصر الحقائق، ولا يعمل بموجبها، ويرى المتالف والمخاوف والمعاطب ولا يتوقاها، فهو فقيه ما لم يحضر العمل، فإذا حضر العمل شارك الجهال في التخلف، وفارقهم في العلم، وهذا هو الغالب على أكثر النفوس المشتغلة بالعلم، والمعصـوم من عصمه الله ولا قوة إلا بالله.
02 ومن الناس من تكون له القوة العملية الإرادية وتكون أغلب القوتين عليه، وتقتضي هذه القوة السير، والسلوك، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والجِد، والتشمير في العمل، ويكون أعمى البصر عند ورود الشبهات في العقائد والانحرافات في الأعمال والأقوال والمقامات، كما كان الأول ضعيف العقل عند ورود الشهوات، فَداءُ هذا من جهله، وداء الأول من فساد إرادته وضعف عقله، وهذا حال أكثر أرباب الفقر والتصوف السالكين على غير طريق العلم.
03ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله، ورُجي له النفوذ، وقوي على رد القواطع والموانع - بحول الله وقوته -، فإن القواطع كثيرة شأنها شديد لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين، ولو شاء الله لأزالها وذهب بها، ولكن الله يفعل ما يريد، والوقت -كما قيل - سيف فإن قطعته وإلا قطعك.
04 فإذا كان السير ضعيفاً، والهمة ضعيفة، والعلم بالطريق ضعيفاً، والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة، فإنه جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع، والله ولي التوفيق طريق الهجرتين (335، 336) طبعة الشؤون الدينية القطرية.
وقد زاد - رحمه الله تعالى - هذا المعنى وضوحاً عندما تحدث عن التوكل، وحقيقته، والفرق بين مجرد العلم به وبين التحرك به عملاً وحالاً، حيث قال: \" فكثير من الناس يعرف التوكٌّل وحقيقته وتفاصيله، فيظن أنه متوكل، وليس من أهل التوكل، فحال التوكل: أمر آخر من وراء العلم به، وهذا كمعرفة المحبة والعلم بها وأسبابها ودواعيها، وحال المحب العاشق وراء ذلك، وكمعرفة علم الخوف، وحال الخائف وراء ذلك، وهو شبيه بمعرفة المريضِ ماهيةَ الصحة وحقيقَتها وحاله بخلافها.
فهذا الباب يكثر اشتباه الدعاوى فيه بالحقائق، والعوارض بالمطالب، والآفات القاطعة بالأسباب الموصلة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم \" مدارج السالكين 2/125ا. هـ.
وحري بهذا الكلام أن تعقد عليه الخناصر، وتعض به النواجذ، وأن يهتم به المربٌّون مع أنفسهم ومن تحت أيديهم، فلقد كان من مضى من العلماء الصالحين الربانيين يخافون على أنفسهم من الضعف العملي، أو ضعف الحال مقابل ما عندهم من العلم الكثير، وكانوا لا يركنون إلى شهرتهم العلمية، بل كانوا يكرهون أن يتضخم علمهم ويشتهروا به بين الناس وليس في قلوبهم وأحوالهم ما يكافئ ذلك من الأعمال الصالحة، والأحوال الشريفة، والتي هي مقتضى الفهم والعلم.
ولنا أن نتساءل ونفكر، أيهما أسعد حالاً ومنـزلة عند الله - عز وجل - رجل أوتي من العلم ما يتمكن به من حشد النصوص الدالة على فضل قيام الليل والأسباب المعينة على ذلك ثم هو لا يقوم الليل، وآخر لا يعلم من ذلك إلا أن قيام الليل مستحب وأجره عظيم فاجتهدَ ليلة بين يدي ربه - تعالى - ساجداً وقائماً، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه؟ فالمرء لا يكون قائماً الليل بمجرد علمه بفضل ذلك وأحكامه، ولا يكون ورعاً بمجرد علمه بالورع، ولا يكون صابراً بمجرد علمه بالصبر وتعريفاته وأنواعه، ولا يكون متوكلاً بمجرد علمه بالتوكل وأقسامه، وفرق بين علم الحب وحال الحب، فكثيراً ما يشتبه على العبد علم الشيء بحاله ووجوده، وفرق بين المريض العارف بالصحة والاعتدال، وهو مثخن مريض، وبين الصحيح السليم، وإن لم يحسن وصف الصحة والعبارة عنها، وكذلك فرق بين وصف الخوف والعلم به وبين حاله ووجوده، وإياك أن تظن أن مجرد العلم بهذا الشأن قد صرت من أهله هيهات، مما أظهر الفرق بين العلم بوجوده الغني وهو فقير وبين الغني بالفعل انظر زاد المهاجــر ص26، طريق الهجرتين ص 196 بتصرف.
وبعد هذه المقدمة التوضيحية لمصطلح العلم والحال أدخل في صلب الموضوع الذي بات يؤرق كل مسلم صادق، ويشغل بال كل موحِّد لله - عز وجل -، وذلك في هذه الأيام العصيبة التي نزلت فيها بأمة الإسلام، نازلة عظيمة، وداهية دهياء أجمعت فيها أمم الكفر وتحالفت فيما بينها تحالفاً لم يسبق له نظير في التاريخ، فإن أقصى ما كنا نسمعه من تحالف على المسلمين فيما مضى من تاريخهم أن يتحالف النصارى مع بعضهم أو الوثنيون مع بعضهم، أما في نازلة اليوم فلقد تحالفت النصارى بشتى طوائفهم مع اليهود والعلمانيين والوثنيين والبوذيين والشيوعيين الملاحدة، وكلهم يريد شفاء غيظه من الإسلام والمسلمين، ووجهوا جيوشهم، وأساطيلهم، وطائراتهم، وأسلحتهم المتطورة إلى دولة أفغانستان المسلمة، وكل ذنبها أنها تحكم بالإسلام وترفض التبعية لشرق أو لغرب، وتعلن ولاءها لله - عز وجل - ولدينه وللمسلمين، كما تعلن براءتها من الكفر والكافرين، وإن مما يقض المجتمع ويثير الأشجان أن يغيب كثير من دعاة المسلمين وعلمائهم عن هذا الحدث الذي تمتحن فيه العقيدة وبخاصة الأصل الأصيل لكلمة التوحيد ألا وهو \" الولاء والبراء، والذي هو واضح في هذا الصراع غاية الوضوح وجلي أشد الجلاء. وأن المسلم ليحتار ويتساءل: أين ما كنا نتعلمه من ديننا وعقيدتنا من كلمة التوحيد إنما تقوم على الولاء والبراء، الولاء لله - عز وجل - وعبادته وحده ومحبة ما يحبه ومن يحبه والبراء من الشرك وأهله ومن كل ما يبغضه - سبحانه - ومن يبغضه، وإعلان العداوة، له وهذه هي وصية الله - تعالى - لهذه الأمة \" قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده\" [الممتحنة: 4]. إي والله إنه لسؤال محير: أين دروس المساجد؟ وأين محاضرات أهل العلم، وأشرطتهم المسجلة، وبيانهم للناس فيها عقيدة التوحيد القائمة على الولاء والبراء؟ أين الاعتزاز بدعوة المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة من بعده، والذين كان جل كلامهم ورسائلهم في شرح هذه العقيدة ولوازمها والتحذير مما يخالفها وينقضها؟ أين نحن، وأين علماؤنا من بيان هذا الحق الأصيل للناس؟! أين هم عن ذلك والأمة تمر في ساعات عصيبة تحتاج مَن يبعث فيها عقيدة الولاء والبراء، وبناء المواقف في ضوئها؟
وهنا أعود إلى عنوان هذه المقالة بعد أن تبين لنا معناها، وأقول: إن هناك فرق بين تناول التوحيد كعلم مجرد وبين أخذه علماً وحالاً وسلوكاً، إن المواقف المتخاذلة اليوم أمام أمريكا الكافرة وحلفائها، وعدم الصدع والجهر بعداوتها والبراءة منها ومن يتولاها لهو أكبر دليل على أن التوحيد عند الكثير منا بقي في حدود العلم المجرد، أما أخذه علماً وحالاً وعملاً فإنه - ويا للأسف - أصبح مغيباً عن الأمة، ومغيباً عن المواقف والممارسات. إن هذا الدين يرفض اختزال المعارف الباردة في الأذهان المجردة. إن العلم في هذا الدين يقتضي العمل، ويتحول في قلب المسلم إلى حركة وأحوال ومواقف، إذ لا قيمة للمعرفة المجردة التي لا تتحول لتوِّها إلى حركة ومواقف. نعم، لا قيمة للدراسات الإسلامية في شتى مناهجها ومعاهدها، ولا قيمة لاكتظاظ الأدمغة بمضمونات هذه المعارف إن لم يصحبها عمل ومواقف. إن العلم المجرد حجة على صاحبه إذا لم يقتضِ عنده العمل. إن العلم بالدين لابد أن يزاول في الحياة، ويطبق في المجتمع، ويعيش في الواقع، وإلا فما قيمة الدروس المكثفة عن الولاء والبراء وأنواعه، وما يضاده من الشرك وما ينقضه من النواقض، ثم لما جاءت المواقف التي نحتاج فيها إلى تطبيق ما تعلمناه من مشائخنا فإذا بالسكوت، بل والتشنيع على من ترجم ما تعلمه إلى سلوك وحال مع أعداء الله - عز وجل - فأعلن براءته وصرَّح بما تعلمه من علمائه ومشائخه من أن تولي الكفار ومناصرتهم على المسلمين رِدَّة وناقض من نواقض الإسلام. إن شأن التوحيد شأن عظيم من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، وقام سوق الجهاد وسوق الجنة والنار، ومن أجل الولاء والبراء الذي هو أس التوحيد وركنه الركين هاجر المسلمون السابقون الأولون من ديارهم، وضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وفاصلوا آباءهم وأبناءهم وإخوانهم وعشائرهم الذين ليسوا على دينهم متمثلين في ذلك قوله - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون، قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين\" [التوبة: 23-24].
إذن، فمسألة الولاء والبراء ليست مسألة ذهنية نظرية تدرس لمجرد الدراسة والثقافة، ولكنها مسألة خطيرة متى ما استقرت في قلب المؤمن الصادق فإنها تجعل منه رجل عقيدة باطناً وظاهراً قلباً وقالباً يتحرك بعقيدته يوالي من يواليها، ويعادي من يعاديها، ويهاجر ويجاهد في سبيل الله من أجلهاº إنه لا قيمة للمعرفة التي لا تتحول إلى عمل وحركة ومواقف، ولا قيمة للدراسات الإسلامية والبحوث العقدية، واكتظاظ أرفف المكتبات والأدمغة بها إن لم تزاول هذه العلوم والدراسات في الحياة، وتطبق في المجتمعات، وتحدد في ضوئها العلاقات، وتتمثل في حركة و مواقف يواجه بها الباطل وأهله.
والمقصود: بيان أن شأن الولاء والبراء شأن عظيم، وأنه ليس علماً مجرداً، بل يجمع إلى ذلك المقصود عمل القلب وبراءته من الشرك وأهله، وإعلان ذلك، وإظهاره باللسان، وترجمة ذلك إلى عمل وجهاد وسلوك. أما أن يبقى رهين الكتب والأدمغة فإن هذا مما لا يتفق مع طبيعة هذا الدين الذي هو جد كلهº لأنه قول القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح، ولما كانت عقيدة الولاء والبراء هي صلب كلمة التوحيد، وأنها تستلزم أقوالاً وأعمالاً ومواقف وبذلاً وتضحيات اهتم بها السلف اهتماماً عظيماً، وعلموها لأولادهم، وتواصوا بها، وهاجروا، وجاهدوا من أجلها، وعادوا، ووالوا على أساسها. يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى-: \"فاللهَ اللهَ إخواني: تمسّكوا بأصل دينكم أوله وآخره أسّهِ ورأسه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واعرفوا معناها وأَحِبّوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم، ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، عادوهم، وأبغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال: ما عليّ منهم، أو قال ما كلفني الله بهم، فقد كذب على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم، والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه وأولاده، فالله الله تمسكوا بأصل دينكم لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً\" الدرر السنية 2/119.
وقال في موطن آخر: \"إن الواجب على الرجل أن يعلم عياله وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعادات فيه قبل تعليم الوضوء والصلاةº لأنه لا صحة لإسلام المرء إلا بصحة صلاته ولا صحة لإسلامه أيضاً إلا بصحة الموالاة والمعادات في الله\" الرسائل الشخصية ص 323. ولما تواجه المسلمون في تاريخهم الطويل مع أعدائهم الكافرين بشتى مللهم برز دور العلماء في وقتهم، وهم يحرِّضون على نصرة المسلمين وإعانتهم على الكافرين ويحذرون من تولي الكافرين، ومناصرتهم بأي نوع من أنواع النصرة، ويفتون بأن من ظَاهَر الكافرين على المسلمين فهو مرتد خارج عن ملة الإسلام. فهذا الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - قال عن بابك الخرّمي عندما خرج على المسلمين وحاربهم وهو بأرض المشركين: \" خرج إلينا يحاربنا وهو مقيم بأرض الشرك، أيّ شيء حكمه؟ إن كان هكذا فحكمه حكم الارتداد\" (الفروع 6/163).
وعندما هجم التتار على أراضي الإسلام في بلاد الشام وغيرها أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - برِدِّة من قفز إلى معسكر التتار من بعض المنتسبين إلى الإسلام (الفتاوى 28/530).
وعندما هجمت جيوش المشركين على أراضي نجد لقتال أهل التوحيد، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام، وذلك بين عامي 1223 1226 أفتى علماء نجد بردة من أعانهم، وألف الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ كتاب (الدلائل) في إثبات كفر هؤلاء.
وفي أوائل القرن الرابع عشر أعانت بعض قبائل الجزائر الفرنسيين ضد المسلمين، فأفتى فقيه المغرب أبو الحسن التسولي بكفرهم. (أجوبة التسولي على مسائل الأمير عبد القادر الجزائري ص 210).
وفي منتصف القرن الرابع عشر اعتدى الفرنسيون والبريطانيون على المسلمين في مصر وغيرها فأفتى الشيخ أحمد شاكر بكفر من أعان هؤلاء بأي إعانة (كلمة حق: ص 126 وما بعدها) وعندما استولى اليهود على فلسطين في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وأعانهم بعض المنتسبين إلى الإسلام أفتت لجنة الفتوى بالأزهر برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم عام 1366هـ بكفر من أعانهم، وفي عصرنا الحاضر، وعندما نزلت نازلة الزمان اليوم، وتحالفت قوى الكفر على حرب دولة أفغانستان المسلمة بقيادة طاغوت العصر أمريكا، ومن حالفها من النصارى والشيوعيين والوثنيين والمنتسبين إلى الإسلام من الزنادقة والمنافقين لم تعدم الأمة من قائل للحق وصادع به من علمائها الربانيين في بلاد الإسلام عرضاً وطولاً\" حيث أفتوا جميعهم بأن من أعان أمريكا وحلفاءها من الكفرة والمنافقين على حرب أفغانستان المسلمة فإنه بذلك يخرج من دائرة الإسلام ويحكم بردته، ودعموا فتاويهم بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف في تفسير بعض الآيات التي تنهى عن تولي الكافرين كما في قوله - تعالى -\"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\" [المائدة: 51] ومن هؤلاء العلماء علماء المغرب، ومفتي باكستان (نظام الدين شامزي) وعلماء اليمن وغيرهم من علماء البلدان الإسلامية، ومن بلاد الحرمين الشيخ حمود العقلا، والشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، والشيخ سلمان العودة، والشيخ سفر الحوالي، وغيرهم من العلماء وطلبة العلم - حفظ الله الجميع ورعاهم -.
وفي الوقت الذي فرحنا فيه بهذه الفتاوى التي صدعت بالحق وقالته في وقته الذي يجب أن يقال فيه فإنه في الوقت نفسه قد أحزننا غياب بعض العلماء عن هذه النازلة التي تنتظر فيها الأمة قول علمائها والصدع بالحق فيها، مع أن هذه النازلة من الوضوح بحيث لا يرد على العالم فيها لبس ولا شبهة حتى يقال: إن هناك تردد وتوقف يبرر به السكوت والإحجام، ويزداد الحزن والألم حينما نسمع من بعض العلماء أو طلبة العلم، من يتأول بعض النصوص وينـزلها في غير مكانها من دون تخريج، ولا تنقيح، ولا تحقيق لمناطاتها، حيث آل به الأمر إلى فتوى خطيرة مفادها: أن أمريكا الكافرة وحلفاءهاº إنما جاءوا لإقامة العدل ومحاربة الإرهاب والظلم فيجوز مساعدتها على ذلك..!!! سبحانك هذا بهتان عظيم.ومتى عرفت أمريكا العدل وتاريخها كله ظلم وعدوان، وهل جاءت لإقامة العدل أم لتعلنها حرباً صليبية على لسان شيطانها الأكبر (بوش).
إننا ننصح علماءنا هؤلاء بأن يُتابعوا الأخبار ليطلعوا على الأطفال والنساء والشيوخ المسلمين الذين مزقت أجسادهم صواريخ كروز والقنابل الانشطارية، ثم يقوموا لله ويسألوا أنفسهم هل هذا هو العدل الذي جاءت أمريكا لإقامته، وهل هؤلاء الأبرياء هم الإرهابيون الذين زعمت أمريكا أنها تحاربهم؟ يا علماءنا هؤلاء اتقوا الله في أنفسكم، فلا تظلموها وتعرضوها لسخط الله تعالى- فإن هذا الموقف منكم له ما بعده في الدنيا والآخرة وستكتب شهادتكم وتسألون. واتقوا الله في أمتكم، فلا تكتموا عنها الحق ولا تلبسوا الحق بالباطل وأنتم تعلمون أولا تعلمون.
ويا ليتكم سكتم إذ لم تقدروا على قول الحق فهو أخف أثماً من قول الباطل. وإننا نناشدكم ونقول: ارحموا شباب الصحوة، وأشفِقوا عليهم من المواقف المخذلة والفتاوى المتسرعة، فإن الشباب المسلم إن لم يجدوا فيكم من يلتفٌّوا عليه، ويسمعهم الحق ويصدع به فإنهم سيذهبون إلى بعضهم ويجتهدون لأنفسهمº مما قد يكون فيه فتنة وفساد. وحينئذٍ, ستلومونهم وتشنِّعون عليهم، مع أنكم من بين الأسباب التي قد تدفعهم إلى التسرع وعدم الانضباطº وذلك بعدم إسماعهم ما يجب عليكم قوله في هذه النازلة العظيمة، أو إسماعكم لهم أقوالاً غريبة تجرح شعور كل مسلم يحب المؤمنين، ويعادي الكافرين.
وأخيراً، أقول لكل عالم لم يصدع بكلمة الحق في هذه النازلة، ولكل مسلم متردد تحت تأثير ما يسمع من الشبهات، أقول: إن ما يحصل على أرض أفغانستان المسلمة من الوضوح والجلاء، بحيث لا يدع عذراً لعالم أن يسكت عن قول الحق، فضلاً عن أن يخذل أو يعوق، ولا يدع مجالاً لمتردد أن يتردد.
إن ما يحصل هناك إنما هو حرب صليبية على الإسلام والمسلمين، حرب تميز الناس فيها إلى فئتين متقابلتين: فئة مسلمة تحكم بالإسلام في أفغانستان، ولا ترضى بغيره بديلاً، وفئة أخرى كافرة تقودها أمريكا الكافرة الصليبية مع أحلافها من النصارى واليهود والشيوعيين والبوذيين والمنافقين، فمع أي الفئتين يضع المسلم نفسه، وفي أيِّ الخندقين يجب أن يكون، أفي خندق الكفر الحاقد على الإسلام وأهله أم في خندق الإسلام وأهله؟ أفي ذلك غموض واشتباه؟ إنه والله لا غموض فيه ولا لبس. وإن الأمر جِدٌّ خطير، وامتحان للتوحيد في قلب المؤمن القائم على عبادة الله وحده والكفر بما سواه والموالاة والمعاداة فيه.
وأخيراً: أطرح سؤالاً صريحاً لكل مخذل أو متردد ألا وهو: ما تقولون في جهاد الأفغان ضد الروس في العقود الماضية؟ وأجزم بأن الجواب عندهم: إنه جهاد إسلامي بين المجاهدين المسلمين، وبين الروس الكفرة الملحدين، ولا أظن عندهم جواباً غيره لأن علماء بلد الحرمين قد أفتوا بذلك وحرضوا على الجهاد بالمال والنفس آنذاك ومنهم الشيخ ابن باز - رحمه الله - تعالى- وحينئذٍ, نقول: فما الذي تغير في هذه الحرب الجديدة بين الأفغان وأمريكا الكافرة. إنه لم يتغير إلا وجه الكافر، بل إن الكافر الروسي الذي حاربه المسلمون في الحرب الأولى هو الآن متحالف مع أمريكا وحلفائها في ضرب المسلمين في أفغانستان، فلماذا تغيرت المواقف؟ إن الواجب بالأمس هو الواجب اليوم، هذا إن كنا ننطلق من عقيدة الولاء والبراء التي لا تتغير بتغير وجوه الكافرين. أما إن كنا ننطلق من الألاعيب السياسية وأهواء الحكام وتلبيس الإعلام فلنراجع إيماننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد