بسم الله الرحمن الرحيم
يُعد الدكتور طه جابر العلواني - هداه الله - أحد المنظرين لعصرنة الإسلام في هذا الزمانº من خلال معهده المسمى \" المعهد العالمي للفكر الإسلامي \" الذي تبنى منذ نشأته (1401هـ) التأصيل والترويج لأطروحات أهل العصرنةº كما لايخفى على المتابع.
ومن المعلوم أن من أهم القضايا التي حاول العصريون تمييعها أو تحريفها أو حتى إلغاءهاº قضية \" الولاء والبراء \" التي أصّلها الإسلام في نفوس أبنائه عبر آيات وأحاديث صريحةº لحكمة إبعادهم عن الذوبان أو الامتزاج الضار بأهل الكفر والضلالº مما يؤثر على دينهم وأخلاقهم وعزتهم، وهذا ما لم يفهمه أهل العصرنة.
وقد أجاد كلٌ من: الشيخ محماس الجلعود في رسالته \" الموالاة والمعاداة \"، والدكتور محمد سعيد القحطاني في رسالته \" الولاء والبراء \"، والشيخ ناصر العقل في كتابه \" الاتجاهات العقلانية الحديثة \"، والشيخ محمد حامد الناصر في كتابه \" العصرانيون \"، وغيرهم من علماء ودعاة الإسلام في الرد على أهل العصرنة في قضية الولاء والبراء، وفي غيرها من القضايا التي حاولوا التلبيس فيها.
ومما يُفرح المؤمن أن يجد لأحد هؤلاء العصريين اعترافًا بخطأ مسلك أصحابه في محاولتهم هدم هذا الأصل الذي حمى الله به الأمة من مخاطر عديدة، وأهمية المحافظة عليه، وتغذية نفوس المسلمين بهº لكي لاتقع في شِراك الأعداء.
يقول الدكتور طه في مقدمته لكتاب \" النهي عن الاستعانة والاستنصار في أمور المسلمين بأهل الذمة والكفار \" بلغة تُذكرنا بلغة أئمة الدعوة السلفية! الذين ربما سخر منهم أصحاب طهº فلعل في هذا الاعتراف ماينبئ كل جاهل أو حاقد بقدرهم وأنهم لم تخدعهم ألاعيب الأعداء كما خدعت غيرهم:
(أما \"الحاجز النفسي\" فإن الإسلام قد حققه بعدة أمور منها:
- الإحساس بالاستعلاء والشعور بالعزة بـ{ولاتهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} وفي الحديث: \".. الإسلام يعلو ولا يعلى\".
- الإحساس بكراهية الكفر وأهله، وازدراء ما هم عليه والاستهانة به: (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (إن شر الدوآب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون. ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون). وإذا خيف من تأثر البعض بمظاهر علم لديهم أو تقدم حسي عندهم فذلك لأنهم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون), (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون).
- المنع من محبة الكافرين: ومن تلك الأمور التي تحقق \"الحاجز النفسي\" بين المسلمين وأعدائهم: منع المسلمين من موادة الكافرين أو توليهم.
قال - تعالى -: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها - رضي الله عنهم - ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون).
- النهي عن موالاة الكافرين: ومنها النهي عن موالاتهمº قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يُخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون).
إلى أن يقول:
(وإن أول الوهن الذي أصيب به المسلمون هو وقوعهم في أزمة التردد في هذا الأمر، هذا التردد الذي جرهم بدوره إلى الخلط بين التسامح الذي أمروا به مع أهل ذمتهم الذين هم تحت سلطانهم، والذين هم في فقر إلى رعايتهم، والوفاء بالعهود لمن عاهدوا منهم، وبين التساهل مع أعداء الله وأعدائهم من المحاربين لله ولرسوله فكثيراً ما وضعوا التساهل والتهاون موضع الحزم والصلابة، وهل أضاعهم اليوم غير هذا؟
إن المسلمين اليوم أحوج ما يكونون إلى العمل على إعادة بناء هذا \"الحاجز النفسي\" بينهم وبين أعدائهم ليبقوا على ما قد يكون بقي لهم من عرى الإسلام، ويَرِمٌّوا ما قد رث منها وبليº فإن الكفار ما استطاعوا النيل من هذه الأمة إلا بعد أن تمكنوا من هدم \"الحاجز النفسي\" بينهم وبين المسلمين بوسائل متعددة، وخطط مختلفة، وجهود متصلة بدأت منذ أن انتصر الإسلام وقامت دولته، ويئس الكفار من تدميرها، أو النيل منها).
إلى أن يقول بعد أن بين الضعف الذي حلّ بالدولة العثمانية في نهاية عهدها بسبب إضعاف أصل الولاء والبراء واستبداله بشعارات مضللةº كالتسامح والحوار مع الآخر.. الخ!:
(لقد كان المقصود بشعار \"التسامح\" هدم حاجز الحذر من الاتصال بالأجنبي، والتحفظ منه، تمهيداً للانفتاح عليه، والتعاون معه، ولم تكن تهمة التعصب تنتفي عن مسلم، وما كان أحد من المسلمين- ينال شرف الاتصاف \"بالتسامح\" إلا إذا تهاون في أمور دينه، وفترت علاقته بإخوانه المسلمين، وقويت مع أعداء الله، وارتضى الانضمام إلى تلك الجمعيات العميلة، والأحزاب الدخيلة، أو تعاون معها، أو سهل للقائمين عليها من الدخلاء- مهماتهم، أو سكت عن جرائمهم، وأهدافهم الخبيثة، وإلا فهو رجعي متعصب، وسلفي متزمت، ولم يسلم من الاتصاف \"بالتزمت\" و\"الرجعية والانغلاق\" مسلم يعتبر التعاون مع الأجنبي ضد مصلحة الأمة الإسلامية \"خيانة عظمى\" لله ولرسوله وللمؤمنين يستحق فاعلها الخزي والعار في الدنيا، والعذاب والنار في الآخرة، فنشأ نتيجة لذلك شعور بالرهبة والخوف لدى الكثيرين من التصدي لهذه المؤامرات والمحاولات التخريبية، وبذلك انفتحت الأبواب أمام إنشاء الجمعيات العميلة المخربة وتأسيسها).
إلى أن يقول بعد أن تحدث عن نشوء الجمعيات القومية التي هدمت هذا الأصل:
(إن سقوط \"الحاجز النفسي\" بين المسلمين وأعداء الإسلام هو الذي حول فلسطين من أرض إسلامية، وقبلة أولى للمسلمين إلى وطن قومي لليهود، وجعل من جبال لبنان الأشم \"وطنا قومياً\" للنصارى، وجعل عاصمتي الخلافتين الأموية والعباسية أهم قاعدتين للنفوذ النصراني في المنطقة، منهما ينتشر الفكر الإلحادي، والكفر البواح بكل أشكاله، وبجهود حكامهما يكسب الكفر ما يريد.
إن سقوط الحاجز النفسي بين المسلمين وأعدائهم هو الذي سهل على مجموعة من أولئك الذين تربوا في مواخير المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية تسلم زمام قيادة الشباب العربي المسلم لفترة جيلين متصلين، ولا يزال تلامذة هؤلاء في مراكز القيادة في أقطار عربية وإسلامية عديدة).
ثم يُلمح إلى \" المملكة العربية السعودية \" ويوجه لها نصيحة ثمينة:
(إن هناك أقاليم مسلمة عافاها الله - تعالى - في ماضيها من كثير من الأمراض التي ابتليت بها جاراتها - ونسأله - تعالى - أن يعافيها فيما يستقبل من الأيام - ولكنها ابتليت أخيراً بمن يعملون ليل نهار على إسقاط \"الحاجز النفسي الإسلامي\" ذلك الحاجز الذي حماها في الماضي من أن تسقط في براثن الكافر المستعمر، وأمام تلك المحاولات الكثيرة التي خطط لها أعداؤها، شرع المخدوعون والمضللون من أبنائها في تنفيذها قد خطت خطوات واسعة في سبيل إسقاط \"الحاجز النفسي الإسلامي\" بينها وبين أعدائها: فهناك آلاف المبتعثين الذين يعودون بعقول وقلوب غير التي ذهبوا بها. وهناك آلاف الخبراء والمستشارين وزوجاتهم، وكذلك العمال وغيرهم من الذين لابد أن يتركوا بصمات واضحة في أخلاق أبناء المجتمع وسلوكهم، وسائر شئونهم. وهناك السياحة إلى بلاد الكفار وغيرها، وما تحدثه من تعاطف مع الكفار، وميل إليهم وإعجاب بما لديهم وتخلق بأخلاقهم، وهناك التجارة المشتركة وآثارها والإسراف باستيراد اليد العاملة، وما لذلك من نتائج سلبية، في مقدمتها دفع الحواجز النفسية بين المسلمين وأعدائهم، وتهيئة عقولهم وقلوبهم للانفعال والتأثر بما عليه الآخرون، ومن فتح قلبه وعقله لقوم فتحت أرضه لا محالة لهم، فلعل هؤلاء ينتهون قبل فوات الأوان ويعيدون النظر في هذه السياسات ويرممون بناء الحاجز النفسي الإسلامي في قلوب أبنائهم لحماية ما قد يكون بقي لهم من مقومات الشخصية الإسلامية). انتهى (ص 58، 55، 47، 19، 9).
تـعلـيق
قلتُ: صدق العلواني، واعترف بالحقº الذي ما فتئ العلماء الربانيون يدعون له، ويُحذرون من التساهل فيه. فهل يتعظ \" البعض \" ممن بهرتهم الأفكار العصرية، فأخذوا على عاتقهم هدم هذا الأصل في مقالاتهم وكلماتهمº فيعتبروا باعترافه بحقيقة هذه الأفكار التي هي مجرد \" هدم \" للإسلام بأيدي من ينتسب إليهº ممن قال الله عن أشباههم (يُخربون بيوتهم بأيديهم)؟! أرجو ذلك. وأسأله - تعالى - أن يوفق الدكتور طه ومن سار مسيره إلى الرجوع للحق، والاجتهاد فيما ينفع الأمة، ويُحقق لها عزها. وأن يجنبنا وإياهم مسالك الزيغ والضلال، والله الهادي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد