بسم الله الرحمن الرحيم
اعلموا رحمكم الله أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل السالكين، قال - تعالى - (وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ مِن رَّسُولٍ, إِلاَّ نُوحِي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَا فَٱعبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل - قال (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم) رواه مسلم برقم 2865.
قال العلامة سليمان آل الشيخ: \" الشرك أعظم ذنب عصي الله به وهو الذنب الذي لا يغفره الله - تعالى - قال - تعالى -: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء) أي مادون الشرك من الذنوب، يغفره الله، أما الشرك فلا يغفره الله إلا بالتوبة النصوح منه قبل الموت، والمشرك خالد مخلد في نار جهنم والعياذ بالله، والجنة حرام عليه قال - تعالى -(إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) فيجب على المؤمن أن يخاف منه ويحذره قال حذيفة - رضي الله عنه -: كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه.
عباد الله:
اتفق إن الأصل في الإنسان هو التوحيد، لأن البشر خلقوا من نفس واحدة وهي نفس آدم - عليه السلام - كما قال تعالى(يٰأَيٌّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مّن نَّفسٍ, وٰحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء} [النساء: 1] وآدم - عليه السلام - كان نبياً يعبد الله وحده لا شريك له، وعلّم أبناءه التوحيد.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: \"ولم يكن الشرك أصلاً في الآدميين، بل كان آدم ومن كان على دينه من بنيه على التوحيد لله، لاتباعهم النبوة، قال تعالى(وَمَا كَانَ ٱلنَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَٱختَلَفُوا) يونس: 19]، قال ابن عباس: (كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام). ثم وقع بعد ذلك الشرك والله - تعالى - أخبر في كتابه أن الفطرة التي فطر الناس عليها هي فطرة الإسلام التي هي التوحيد الخالص. فقال - تعالى -: (فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدّينُ ٱلقَيّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعلَمُونَ} [الروم30 ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {فِطرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا} [الروم: 30] هذا هو الإسلام يا عباد الله، وما سمي إسلاما إلا لما فيه من الاستسلام لله، والذل له، والعبودية له، والانقياد لطاعته، وتوحيده والإخلاص له.، تعلم أنه - سبحانه - هو الإله الحق، والمستحق لأن يعبد ويطاع ويعظم لا إله غيره ولا رب سواه. ونحن نردد ونقول في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ) أي إياك نعبد وحدك، وإياك نستعين وحدك، لا رب ولا معين سواك، فجميع ما يقع من العباد هو من الله قال - تعالى -: (وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ, فَمِنَ اللَّهِ) فهو - سبحانه - المنعم، وهو المستعان والمعبود بالحق - جل وعلا -. فأنت يا عبد الله إذا جاءتك نعمة على يد أي أحد من الناس فكله من نعم الله - جل وعلا - عليك، وهو الذي ساق ذلك ويسره لك - سبحانه -، وخلق من جاء بها وساقها على يديه إليه وحرك قلبه ليأتيك بها، وأعطاه القوة والقلب والعقل، وجعل في قلبه ما جعل حتى أوصلها إليك. يدبر الأمر - جل وعلا -، كما قال - سبحانه -: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) وتوحيد الله - عز وجل - الذي هو معنى لا إله إلا الله، يعني أنه لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله بالحق، وتثبتها لله وحده، كما قال سبحانه عن سيد الموحدين (قَد كَانَت لَكُم أُسوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذ قَالُوا لِقَومِهِم إِنَّا بُرَآءُ مِنكُم وَمِمَّا تَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرنَا بِكُم وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ العَدَاوَةُ وَالبَغضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤمِنُوا بِاللَّهِ وَحدَهُ) وبهذا نعلم أن ما يصنع حول القبور المعبودة من دون الله. مثل قبر البدوي، والحسين وأشباه ذلك، وما يقع من بعض الجهال من الحجاج وغيرهم عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من طلب المدد والنصر على الأعداء، والاستغاثة به والشكوى إليه ونحو ذلك، أن هذه عبادة لغير الله - عز وجل -، وأن هذا شرك الجاهلية الأولى، عن عائشة أن أم سلمة - رضي الله عنهما - ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) وهاهي آيات القرآن تصدح ببيان واضح جلي لتبين أن دعاء المخلوق الميت لا يمكن بحال أن ينتفع به أحد قال - تعالى -(إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين) فهل هناك تقريع أشد من هذا، وهكذا ما قد يقع من بعض الصوفية من اعتقادهم أن بعض الأولياء يتصرف في الكون ويدبر هذا العالم والعياذ بالله إن لم يكن هذا الشرك بعينه فما هو الشرك إذا،،.إذا علم هذا فلنعلم أنه لا توحيد ولا إسلام ولا إيمان ولا نجاة إلا بإفراد الله بالعبادة،، وهذا معنى قوله - تعالى -: إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ وإذا أنحرفنا عن هذا المنهج القويم وقع في شر أعمالنا قال - تعالى -(وَلَو أَشرَكُوا لَحَبِطَ عَنهُم مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) عباد الله: نحن في زمان غلب فيه الجهل، وقل فيه العلم، وأقبل الناس إلا من شاء الله، على علوم أخرى وعلى مسائل أخرى، تتعلق بالدنيا، فقل علمهم بالله، وبدينه لأنهم شغلوا بما يصدهم عن ذلك، وصارت أغلب الدروس في أشياء تتعلق بالدنيا، أما التفقه في دين الله، والتدبر لشريعته - سبحانه -، وتوحيده، فقد أعرض عنه الأكثرون، وأصبح من يشتغل به اليوم هو أقل القليل.قال - تعالى -(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) لقد جهل المشركون توحيد العبادة الذي هو الأساس الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وخلق من أجله الثقلان \"الجن، والإنس\"، وظنوا أن ما هم عليه من الشرك دين صالح وقربة يتقربون بها إلى اللهº مع أنه أعظم الجرائم وأكبر الذنوب، وظنوا بجهلهم وإعراضهم وتقليدهم لآبائهم ومن قبلهم من الضالين أنه دين وقربة وحق، وأنكروا على الرسل وقاتلوهم على هذا الأساس الباطل، كما قال - سبحانه -: (وَيَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرٌّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) وقال - سبحانه -: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ مَا نَعبُدُهُم إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَى إِنَّ اللَّهَ يَحكُمُ بَينَهُم فِي مَا هُم فِيهِ يَختَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي مَن هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) وهكذا حال الروافض لعنهم الله يستغيثون ويدعون من دون الله الحسين - رضي الله عنه - وفاطمة الزهراء وعليا ويقولون ما قال المشركون من قبل (إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى) وهكذا قبر البدوي وغيرها من القبور وصدق الباري - سبحانه - (وَلَقَد صَدَّقَ عَلَيهِم إِبلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنِينَ) عباد الله لقد أقر المشركون بربوبية الخالق - سبحانه - ولكنهم أنكروا توحيده كما قال - سبحانه -: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُل أَفَلا تَتَّقُونَ) والمعنى ما دمتم تعلمون هذا أفلا تتقون الله في توحيده والإخلاص له، وترك الإشراك به، وأنتم مقرون بهذا وتعلمون أن الله هو ربكم وخالقكم ورازقكم، فيا من تقرأون كتاب الله تدبروا كتاب الله كما أمركم ربكم بذلك فقال (كتاب أنزلناه مبارك ليدبروا آياته) تدبروا كتاب الله الذي ينهاكم عن الشرك فيقول (والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون) وإذا كان المولى - جل وعلا - يقول لنبيه (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا) فكيف ينفع غيره - عليه الصلاة والسلام -، هذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول يلجأ إلى ربه فيقول (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) فهو يسأل بتوحيده والإيمان به، واعتراف العبد بأنه ربه الله ومعبوده الحق.وهكذا يجب على العبد أن يسأل ربه بالأعمال الصالحات، ويتوسل إليه بها، فهذا كله من أسباب الإجابة كما سأله أصحاب الغار بأعمالهم الصالحةº وهم قوم دخلوا غاراً للمبيت فيه والاتقاء من المطر، فأنزل الله عليهم صخرة سدت الغار عليهم، فلم يستطيعوا رفعها، فقالوا فيما بينهم: إنه لن يخلصكم من هذه الصخرة إلا الله بسؤالكم الله بأعمالكم الصالحة، فتوسل أحدهم ببره لوالديه، والآخر بعفته عن الزنا، والثالث بأدائه الأمانة، ففرج الله عنهم الصخرة فخرجوا، كما صح بذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتوسلوا بفلان أو فلان أو جاه فلان، بل لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يتوسلون بدعائه في حياته، فيقولون: يا رسول الله أدع الله لنا، ويدعو لهم - صلى الله عليه وسلم - كما وقع في أيام الجدب وكان على المنبر، فطلبوا أن يدعو الله لهم، فدعا الله لهم واستجاب الله له، وفي بعض الأحيان كان يخرج إلى الصحراء، فيصلي ركعتين ثم يخطب ويدعو. فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - عدل عمر إلى عمه العباس، فقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، فقام العباس ودعا فأمنوا على دعائه فسقاهم الله. ولو كان التوسل بالذات أو الجاه مشروعاً لما عدل عمر والصحابة - رضي الله عنهم - إلى العباس، ولتوسل الصحابة بذاتهº لأن ذاته عظيمة - عليه الصلاة والسلام - حيا وميتا. والمقصود من هذا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صان هذا التوحيد وحماه، وبين أن الواجب على الأمة إخلاص العبادة لله وحده، وأن يتوجهوا إليه - جل وعلا - بقلوبهم وأعمالهم في عبادتهم، وألا يعبدوا معه سواه لا نبيا ولا ملكا ولا جنيا ولا شمسا ولا قمرا ولا غير ذلك. فوجب على الأمة أن تخلص لله العبادة، فالعبادة حق الله وحده وليس لأحد فيها نصيب، كما قال الله - سبحانه -: (فَاعبُدِ اللَّهَ مُخلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ)، وقال - سبحانه -: (فَادعُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ) وقال - تعالى -: (إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ)وقال - جل وعلا -: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا اللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) متفق على صحته عباد الله ولقد وفق محمد - صلى الله عليه وسلم -، نجح في دعوته أعظم توفيق، وأكمل الله له ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة، وجعل شريعته شريعة كاملة عامة لجميع الثقلين وناسخة لجميع الديانات ونافعة لجميع مصالحهم العاجلة والآجلة، كما قال الله - عز وجل -: (اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا) وهذا نص قرأني يرد على الروافض لعنهم الله الذين يقولون أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - فشل في تربية أصحابه فارتدوا كلهم بعد موته إلا سبة نفر منهم (قاتلهم الله أنى يؤفكون) إنهم يكذبون الله القائل في كتابه (لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبلُ لَفِي ضَلالٍ, مٌّبِينٍ, (164) عباد الله لقد أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزل عليهم الكتب لإنكار الشرك، ودعوة الخلق كلهم إلى عبادة الله وحده دون كل ما سواه فلا يدعى إلا الله ولا يستغاث إلا به ولا يتوكل إلا عليه ولا يتقرب بالنذور والذبائح إلا له - عز وجل -، إلى غير ذلك من أنواع العبادة ومتى حققنا التوحيد الخالص تحقق لنا النصر والتمكين والإستخلاف في الأرض بإذن الله قال - تعالى -(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد