بسم الله الرحمن الرحيم
يؤمن المسلم بربوبيته تعالى لكل شيء ، وأنه لا شريك له في ربوبيته لجميع العالمين ، وذلك لهداية الله تعالى له أولاً ، ثم للأدلة النقلية والعقلية الأتية ثانياً .
الأدلة النقلية :
1 _ إخباره تعالى عن ربوبيته بنفسه ، إذ قال تعالى في الثناء على نفسه : ( الحمد لله رب العالمين ) ، وقال في تقرير ربوبيته : ( قل من رب السموات والأرض ؟ قل الله ) . وقال في بيان ربوبيته وألوهيته : ( رب السموات والأرض ، وما بينهما إن كنتم موقنين ، لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين ) .
وقال في التذكير بالميثاق الذي أخذه على البشر وهم في أصلاب آبائهم بأن يؤمنوا بربوبيته لهم ، ويعبدوه ولا يشركوا به غيره : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ) .
وقال في إقامة الحجة على المشركين وإلزامهم بها : ( قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ) .
2 _ إخبار الأنبياء والمرسلين بربوبيته تعالى وشهادتهم عليها وإقرارهم بها ، فآدم عليه السلام قال في دعائه : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) ونوح قال في شكواه إليه تعالى : ( رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً) . وقال : ( رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين) ، وقال إبراهيم عليه السلام في دعائه لمكة حرم الله الشريف ، ولنفسه وذريته : (رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) . وقال يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام في ثنائه على الله ودعائه إياه : ( رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) . وقال موسى في بعض طلبه : ( رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي ) وقال هارون لبني إسرائيل : ( وإنَّ ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) وقال زكريا في استرحامه : ( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً ) . وقال في دعائه : ( رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين ) وقال عيسى في إجابته له تعالى : ( ما قلت لهم إلا ما امرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم ) . وقال مخاطباً قومه : ( يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه المرسلين ، كان يقول عند الكرب ( لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ، ورب العرش الكريم ) . رواه مسلم
فجميع هؤلاء الأنبياء والمرسلين وغيرهم من أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام كانوا يعترفون بربوبية الله تعالى ، ويدعونه بها وهم أتم الناس معارف واكملهم عقولاً وأصدقهم حديثاً ، وأعرفهم بالله تعالى وبصفاته من سائر خلقه في هذه الأرض .
3 _ إيمان البلايين من العلماء والحكماء بربوبيته تعالى لهم ، ولكل شيء ، واعترافهم بها ، واعتقادهم إياها اعتقاداً جازماً .
4 _ إيمان البلايين والعدد الذي لا يحصى من عقلاء البشر وصالحيهم بربوبيته تعالى لجميع الخلائق .
الأدلة العقلية :
من الأدلة العقلية المنطقية السليمة على ربوبيته عز وجل لكل شيء ما يلي :
1 _ تفرده تعالى بالخلق لكل شيء ، إذ من المسلم به لدى كل البشر أن الخلق والإبداع لم يدَّعِهما أو يقو عليهما أحدٌ سوى الله عز وجل ، ومهما كان الشيء المخلوق ، صغيراً وضئيلاً حتى ولو كان شعرة في جسم إنسان أو حيوان ، أو ريشة صغيرةً في جناح طائر ، أو ورقة في غصن مائل ، أو .. فضلاً عن خلق جسم تام أو حي من الأجسام ، أو جرم كبير ، أو صغير من الأجرام .
أما الله تبارك وتعالى فقد قال مقرراً الخالقية له دون سواه : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) وقال : ( والله خلقكم وما تعملون ) . وأثنى على نفسه بخالقيته فقال : ( الحمد لله الذي يبدأُ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ) . أفليست إذاً خالقيته سبحانه وتعالى لكل شيء هي دليل وجوده وربوبيته ؟ بلى ، وإنا يا ربنا على ذلك من الشاهدين .
2 _ تفرده تعالى بالرزق ، إذ ما من حيوان سارح في الغبراء أو سابح في الماء ، أو مستكن في الأحشاء ، إلا والله تعالى خالق رزقه وهاديه إلى معرفة الحصول عليه وكيفية تناوله والانتفاع به .
فمن النملة كأصغر حيوان ، إلى الإنسان الذي هو أكمل وأرقى أنواعه ، الكل مفتقر إلى الله عز وجل في وجوده وتكوينه ، وفي غذائه ورزقه والله وحده موجده ومكونه ومغذيه ورازقه ، وها هي ذي آيات كتابه تقرر هذه الحقيقة وتثبتها ناصعةً كما هي . قال تعالى : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقضباً وزيتوناً ونخلاً وحدائق غلباً وفاكهة وأباً ) .
وقال تعالى : ( وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم ) . وقال لا إله إلا هو ولا رب سواه : ( وأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه ، وما أنتم له بخازنين ) وقال لا رازق إلا هو سبحانه : ( وما من دابة ٍ, في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها ) .
وإذا تقرر بلا منازع أنه لا رازق إلا الله كان ذلك دليلاً على ربوبيته سبحانه وتعالى لخلقه .
3 _ شهادة الفطرة البشرية السليمة بربوبيته تعالى ، وإقرارها الصارخ بذلك ، فإن كل إنسان لم تفسد فطرته يشعر في قرارة نفسه بأنه ضعيف وعاجز أمام ذي سلطان غني قوي ، وأنه خاضع لتصرفاته فيه ، وتدبيره له بحيث يصرخ في غير تردد : أن الله ربه ورب كل شيء.
وإن كانت هذه الحقيقة مسلمةً لا ينكرها ، أو يماري فيها كل ذي فطرة سليمة فإنه يذكر هنا زيادة في التقرير ما كان القرآن الكريم ينتزعه من اعترافات أكابر الوثنيين بهذه الحقيقة التي هي ربوبية الله تعالى للخلق ولكل شيء ، قال الله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ) وقال جل جلاله : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) وقال عز وجل : ( قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله ) .
4 _ تفرده تعالى بالملك لكل شيء ، وتصرفه المطلق في كل شيء ، وتدبيره لكل شيء دال على ربوبيته ، إذ من المسلم به لدى كافة البشر أن الإنسان كغيره من الكائنات الحية في هذا الوجود لا يملك على الحقيقة شيئاً ، بدليل أنه يخرج أول ما يخرج إلى هذا الوجود عاري الجسم حاسر الرأس حافي القدمين ، ويخرج عندما يخرج منه مفارقاً له ليس معه شيء سوى كفن يواري به جسده . فكيف إذاً يصح أن يقال : إن الإنسان مالك لشيء على الحقيقة في هذا الوجود ؟ .
وإذا بطل أن يكون الإنسان ، وهو أشرف هذه الكائنات مالكاً لشيء منها ، فمن المالك إذاً ؟ المالك هو الله والله وحده ، وبدون جدل ، ولا شك ولا ريب ، وما قيل وسلم في الملكية يقال ويسلم كذلك في التصرف والتدبير لكل شأن من شؤون هذه الحياة ، ولعمر الله إذاً لهي صفات الربوبية : الخلق الرزق ، الملك ، التصرف التدبير . وقديماً قد سلمها أكابر الوثنيين من عبدة الأصنام ، سجل ذلك القرآن الكريم في غير سورة من سوره .قال تعالى :( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد