الرزق على الله!!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



إن أردت زعامة في عزم وحزم وعدل، وقيادة في شجاعة وحكمة ودهاء، وإمامة في خشية وعطف وفقه، وإمارة في عز وعزوة وسخاء، ووجاهة في بيان وفراسة وذكاء فاطلبها في بني أمية.

وإذا أردت أمة في رجل أو رجلاً في أمة فعليك برجال محمد - صلى الله عليه وسلم - في القرنين الأول والثاني، أولئك الرجال خلق ليسوا كبقية الخلق. عجنتهم مدرسة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشكلتهم في قالبها، فاستووا نسخاً منسوخة، لا تكاد تفرق بين واحد وواحد. الضعيف فيهم قوي حتى يأخذ حقه، والقوي فيهم ضعيف حتى يؤدي الحق. إن اعوجَّ سبيل أميرهم قوّموه بلا مواربة ولا نفاق، وإن سار فيهم بشرع الله التزموا الطاعة له.

يقصد القاصد دار الإمارة غير خائف ولا وجل، يطلب لنفسه حقاً في مال الله فيؤدى إليه، أو يدفع عن نفسه ظلماً فيُرفع عنه، أو يقدم رأياً ارتآه في غير معصية ولا ضرر فيؤخذ به، أو يقول شعراً فيمدح بحق دون إسفاف ويهجو بحق دون إقذاع فيعطى العطاء دون منٍّ,، ويقرّب ويستعمل في صالح الأمة.

أولئك الرجال صنعوا هذه الأمة التي قال عنها – صلى الله عليه وسلم - إنها كالبنيان يشد بعضه بعضاً. توارث الأبناء هذه الصفات عن الأجداد عقداً بعد عقد، وقرناً بعد قرن حتى إذا وصلوا قرننا هذا نسوا وتناسوا، وضعفوا واستكانوا، فأكلتهم الأمم القوية، وذهبت بهم سنن الخالق كل مذهب، فما لبثوا أن استبدلوا جلود أعدائهم بجلودهم، فعموا وصمّوا، وطأطأوا رؤوسهم بعدما رفعها أجدادهم، وهكذا هي الحياة يوم لك ويوم عليك.

وبعد فهذه لوحة من ثمرات الأوراق بألوان زاهية جميلة، تضيء لنا الطريق المظلم الذي دفعنا إليه أعداؤنا كما يدفع الراعي ماشيته، ولا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل. قيل إن عروة بن أذينة الشاعر وفد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء، فلما دخلوا عليه عرف عروة فقال له: ألست القائل:

لقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسـعى لـه فيعنـــــــــيني تطـلّــــبُه ولـو قعــدتُ أتـانـي لا يعنيـنّــي

وأراك قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق. فقال له: يا أمير المؤمنين زادك الله بسطة في العلم والجسم، ولا ردّ وافدك خائباً، والله لقد بالغت في الوعظ، وأذكرتني ما أنسانيه الدهر، وخرج من فوره إلى راحلته فركبها، وتوجه راجعاً إلى الحجاز، فلما كان في الليل ذكره هشام وهو في فراشه فقال: رجل من قريش قال حكمة ووفد إليّ فجبهتُه ورددته عن حاجته، وهو مع ذلك شاعر لا آمن ما يقول، فلما أصبح سأل عنه فأخبر بانصرافه. فقال: لا جرم ليعلم أن الرزق سيأتيه، ثم دعا مولى له، وأعطاه ألفي دينار وقال: الحق بهذه ابن أذينة وأعطه إياها. قال: فلم أدركه إلا وقد دخل بيته، فقرعت الباب عليه فخرج إليّ، فأعطيته المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين قولي: سعيتُ فأكديت، ورجعتُ إلى بيتي فأتاني رزقي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply