البدعة



بسم الله الرحمن الرحيم

 


تعريفها:

البدعة في اللغة: مأخوذة من البدع وهو الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله - تعالى -: (بَدِيعُ السّمَاوَاتِ وَالأرضِ)56،أي مخترعهما على غير مثال سابق وقوله - تعالى -: (قُل مَا كُنتُ بِدعاً مّنَ الرّسُلِ)57، أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل.ويقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبق إليها.



والابتداع على قسمين:

ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة وهذا مباح لأن الأصل في العادات الإباحة.

وابتداع في الدين وهذا محرم لأن الأصل فيه التوقيف، قال - صلى الله عليه وسلم -(من أحدث في أمرنا هذا ما)58 وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)59.



أنواعها:

البدعة في الدين نوعان:

النوع الأول: بدعة قولية اعتقادية كمقالات الجهمية والمعتزلة والرافضة وسائر الفرق الضالة واعتقاداتهم. مثل بدعة القول بخلق القرآن.

النوع الثاني: بدعة في العبادات كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها وهي أقسام:

القسم الأول: ما يكون في أصل العبادة: بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع كأن يحدث صلاة غير مشروعة أصلاً أو أعيادا غير مشروعة كأعياد الموالد وغيرها.

القسم الثاني: ما يكون من الزيادة في العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلاً.

القسم الثالث: ما يكون في صفة أداء العبادة المشروعة بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة، وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

القسم الرابع: ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام، فإن أصل الصيام والقيام مشروع ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.



حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها:

كل بدعة في الدين فهي محرمة وضلالة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)60 وفي رواية (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فدل الحديثان على أن كل محدث في الدين فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة مردودة، ومعنى ذلك أن البدع في العبادات والاعتقادات محرمة ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة، فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها، والاستغاثة بهم وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة، ومنها ما هو من وسائل الشرك كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها، ومنها ما هو فسق اعتقادي كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة في أقوالهم واعتقاداتهم المخالفة للأدلة الشرعية، ومنها ما هو معصية كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.



تنبيه:

من قسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة فهو مخطئ ومخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - (فإن كل بدعة ضلالة) لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكم على البدع كلها بأنها ضلالة، وهذا يقول ليس كل بدعة ضلالة بل هناك بدعة حسنة، قال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل بدعة ضلالة) من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول الدين وهو شبيه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة، والدين بريء منه وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة انتهى 61.

وليس لهؤلاء حجة على أن هناك بدعة حسنة إلا قول عمر - رضي الله عنه -في صلاة التراويح: (نعمت البدعة هذه).

وقالوا أيضا: إنها أحدثت أشياء لم يستنكرها السلف مثل جمع القرآن في كتاب واحد وكتابة الحديث وتدوينه والجواب عن ذلك أن هذه الأمور لها أصل في الشرع فليست محدثة، وقول عمر (نعمت البدعة) يريد البدعة اللغوية لا الشرعية فما كان له أصل في الشرع يرجع إليه إذا قيل إنه بدعة فهو بدعة لغة لا شرعا، لأن البدعة شرعاً: ما ليس له أصل في الشرع يرجع إليه، وجمع القرآن في كتاب واحد له أصل في الشرع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بكتابة القرآن، ولأنه كان مكتوباً متفرقا فجمعه الصحابة - رضي الله عنهم -في مصحف واحد، حفظاً له، والتراويح قد صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ليالي وتخلف عنهم في الأخيرة خشية أن تفرض عليهم واستمر الصحابة - رضي الله عنهم -يصلونها أوزاعاً متفرقين في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته إلى أن جمعهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -على إمام واحد كما كانوا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هذا بدعة في الدين، وكتابة الحديث أيضاً لها أصل في الشرع فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابة بعض الأحاديث لبعض أصحابه لما طلب منه ذلك، وكان المحذور من كتابته بصفة عامة في عهده - صلى الله عليه وسلم - خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه، فلما توفي - صلى الله عليه وسلم - انتفى هذا المحذور- لأن القرآن قد تكامل وضبط قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - فدون المسلمون الحديث بعد ذلك حفظاً له من الضياع فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيراً حيث حفظوا كتاب ربهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من الضياع وعبث العابثين.





نماذج من البدع المعاصرة:

البدع المعاصرة كثيرة بحكم تأخر الزمن وقلة العلم وكثرة الدعاة إلى البدع والمخالفات وسريان التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)63.

1- الاحتفال بمناسبة المولد النبوي في ربيع الأول:

وهو تشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بمولد المسيح، فيحتفل جهلة المسلمين أو العلماء المضلون في ربيع الأول من كل سنة بمناسبة مولد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت أو الأمكنة المعدة لذلك، ويحضر جموع كثيرة من دهماء الناس و عوامهم - يعملون ذلك تشبهاً بالنصارى في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح - صلى الله عليه وسلم - والغالب أن هذا الاحتفال علاوة على كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى درجة دعائه من دون الله والاستغاثة به، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في مدحه فقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)64.

الإطراء معناه: الغلو في المدح. وربما يعتقدون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحضر احتفالاتهم ومن المنكرات التي تصاحب هذه الاحتفالات الأناشيد الجماعية المنغمة وضرب الطبول وغير ذلك من عمل الأذكار الصوفية المبتدعة، وقد يكون فيها اختلاط بين الرجال والنساء مما يسبب الفتنة ويجر إلى الوقوع في الفواحش، وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام وإظهار الفرح - كما يقولون - فإنه بدعة محدثة\"وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة\"وأيضاً هو وسيلة إلى أن يتطور ويحصل فيه ما يحصل في الاحتفالات الأخرى من المنكرات.

وقلنا: إنه بدعة، لأنه لا أصل له في الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والقرون المفضلة، وإنما حدث متأخراً بعد القرن الرابع الهجرى، أحدثه الفاطميون الشيعة، قال الإمام أبو حفص تاج الدين الفاكهاني رحمه الله: أما بعد: فقد تكرر سؤال جماعة من المباركين عن الاجتماع الذي يعمله بعض الناس في شهر ربيع الأول ويسمونه المولد - هل له أصل في الدين، وقصدوا الجواب ضمن ذلك مبيناً والإيضاح عنه معيناً، فقلت وبالله التوفيق: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون 65.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وكذلك ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى - صلى الله عليه وسلم -، وإما محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً.. من اتخاذ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف - رضي الله عنهم -أحق به منا، فأنهم كانوا أشد محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص وإنما كان محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان 67 انتهى ببعض اختصار.

وقد ألف في إنكار هذه البدعة كتب ورسائل قديمة وحديثة وهو علاوة على كونه بدعة وتشبها فإنه يجر إلى إقامة موالد أخرى كموالد الأولياء والمشائخ والزعماء، فيفتح أبواب شر كثيرة.





2-البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله:

البدع التي أحدثت في مجال العبادات في هذا الزمان كثيرة - والأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع شيء منها إلا بدليل، وما لم يدل عليه دليل فهو بدعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)68.

والعبادات التي تمارس الآن ولا دليل عليها كثيرة جداً، منها:

الجهر بالنية للصلاة: بأن يقول نويت أن أصلي لله كذا وكذا، وهذه بدعة لأنه ليس من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأن الله - تعالى - يقول: (قُل أَتُعَلّمُونَ اللّهَ بِدِينِكُم وَاللّهُ يَعلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيءٍ, عَلِيمٌ)69

والنية محلها القلب، فهي عمل قلبي لا عمل لساني، ومنها الذكر الجماعي بعد الصلاة، لأن المشروع أن كل شخص يقول الذكر الوارد منفردا، ومنها طلب قراءة الفاتحة في المناسبات وبعد الدعاء وللأموات، ومنها إقامة المآتم على الأموات وصناعة الأطعمة واستئجار المقرئين يزعمون أن ذلك من باب العزاء أو أن ذلك ينفع الميت وكل ذلك بدع لا أصل لها وآصار وأغلال ما أنزل الله بها من سلطان.

ومنها الاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الإسراء والمعراج ومناسبة الهجرة النبوية وهذا الاحتفال بتلك المناسبات لا أصل له في الشرع، ومن ذلك ما يفعل في شهر رجب كالعمرة الرجبية وما يفعل فيه من العبادات الخاصة به كالتطوع بالصلاة والصيام فيه خاصة، فإنه لا ميزة له على غيره من الشهور لا في العمرة والصيام والصلاة والذبح للنسك فيه ولا غير ذلك.

ومن ذلك الأذكار الصوفية بأنواعها. كلها بدع ومحدثات لأنها مخالفة للأذكار المشروعة في صيغها وهيئاتها وأوقاتها.

ومن ذلك تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام ويوم النصف من شعبان بصيام فإنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيء خاص به.. ومن ذلك البناء على القبور واتخاذها مساجد وزيارتها لأجل التبرك بها والتوسل بالموتى وغير ذلك من الأغراض الشركية وزيارة النساء لها مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعن زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.

وختاماً:

نقول إن البدع بريد الكفر، وهى زيادة دين لم يشرعه الله ولا رسوله والبدعة شر من المعصية الكبيرة، والشيطان يفرح بها أكثر مما يفرح بالمعاصي الكبيرة، لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها، والمبتدع يفعل البدعة يعتقدها ديناً يتقرب به إلى الله فلا يتوب منها، والبدع تقضي على السنن وتكره إلى أصحابها فعل السنن وأهل السنة.

والبدعة تباعد عن الله وتوجب غضبه وعقابه وتسبب زيغ القلوب وفسادها.
 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply