تقديس الأولياء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



* مهدي بن إبراهيم مبجر.

*سعود بن سالم السفري.

* عبد اللطيف بن هاجس الغامدي.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء و المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله - تعالى - لم يخلق الخلق ليستكثر بهم من قلَّة، أو ليعتز بهم من ذلَّة، أو ليتقوى بهم من ضعف، فهو القوي العزيز، و الخلق كلهم فقراء ضعفاء لا غنى لهم عنه طرفة عين، وإنما خلقهم لعبادته. قال - تعالى -: {وما خلقت الجن والإنس إلاَّ ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين}

وقد أمرهم الله بتوحيده وهو إفراده بالعبادة، ونهاهم عن الإشراك به، وألزمهم بطاعته والانقياد لأمره، وحذَّرهم أسباب سخطه ونقمته، وأنذرهم مغبَّة معصيته ومخالفة شرعه. قال - تعالى -: {وما أمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء..}

والعبادة اسم جامع لكلِّ ما يحبٌّه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .

والعبادة مبنية على الإخلاص والمتابعة لشرعه، فلا يعبد إلاَّ الله - تعالى -، ولا يعبد - سبحانه - إلاَّ بما أمر وشرع، فلا محدثات ولا بدع، وإنما سيرٌ على ما كان عليه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، ولا تزال ـ بحمد الله ـ طائفة من أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - على الحقِّ منصورة لا يضرٌّها من خالفها أو خذلها إلى يوم الدين.

و أهل السنَّة والجماعة أصحاب منهج وسط بين طرفي نقيض من الغلاة الـمُفرِطين والجفاة الـمُفرِّطين.قال - تعالى -: {وكذلك جعلناكم أمَّة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...}

وهم الناجون ـ بفضل الله - تعالى - ـ لأنهم سلكوا المنهج القويم والصراط المستقيم بين سبل المغضوب عليهم الذين يعلمون ولا يعملون، والضالين الذين يعملون ولا يعلمون. قال - تعالى -: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}

رائدهم في ذلك كتاب الله - تعالى - وصحيح سنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - على وفق فهم سلف هذه الأمة المباركة، لا يحيدون عن هذا المعين الطيب قيد أنملة. قال - تعالى -: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

ومن الأمور التي زلَّت فيها الأقدام، وكثرت فيها الطُرق، وتعددت فيها السٌّبل، موضوع [تقديس الأولياء].

ولبيان المنهج الصحيح في تقديس الأشخاص جاء هذا الكتاب بطريق السؤال والجواب، حرصنا فيه أن يكون سهل العبارة، واضح الإشارة، سلس الأسلوب، قوي الحجة، صاطع البرهان، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل، بل هو عوان بين ذلك.

عسى الله أن يشرح به الصدور، وينير به العقول، ويصلح به القلوب، حتى لا تتعلق القلوب بغير الله ولا ترجو أحداً سواه.

وقد جاء وقت الشروع في الموضوع: فبسم الله نبدأ، وعلى الله نتوكل، وبالله نستعين:

س ـ ما معنى التقديس؟

ج ـ التقديس ـ هنا ـ بمعنى التعظيم.

س ـ و من أولياء الله - تعالى -؟

ج ـ أولياء الله - تعالى - هم المؤمنون به المتقون له، العاملون بطاعته، المجتنبون لمعصيته. قال - تعالى -: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون}.

س ـ وما أعظم درجات الولاية لله - تعالى -؟

ج ـ أعظمها درجة النبوة والرسالة.

س ـ إذاً هل يجوز تقديس الأولياء؟

ج ـ أما محبتهم، والذود عنهم، والأدب معهم، والدعاء لهم، وكفٌّ الأذى عنهم، وذكر محامدهم في تقواهم وطاعتهم لربهم للإقتداء بهم، فمن علامة الإيمان ومن طاعة الرحمن.

أما المجاوزة في الحد عن ذلك بدعائهم، والاستغاثة بهم، والذبح لهم، واعتقاد قدرتهم على تصريف الكون فمن الغلو فيهم، ومن رفع منزلتهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله - تعالى - إيَّاها.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو إمام الأولياء وخاتم الأنبياء وخير الأصفياء لمن رآهم يغالون في محبَّته ويخرجونه عن عبوديته: \" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله \"

س ـ وما المراد بالعبودية لله - تعالى -؟

ج ـ المراد بالعبودية لله - تعالى -º الإيمان به، والخضوع له تعظيماً وإجلالاً ومحبة، وتكون بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد إلاَّ بما شرع، سواء في كتابه أو على ألسنة رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.

س ـ فمتى تقبل هذه العبادة، ومتى تُردٌّ على صاحبها؟

ج ـ تقبل العبادة من صاحبها إذا توفَّر فيها شرطان، وهما:

أولاً: إذا كانت العبادة خالصة لوجه الله - تعالى - خوفاً ورجاءً، فلا رياء ولا سمعة ولا التفات فيها لغير الله بخوف ولا رجاء. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: “ قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه \"

ثانياً: إذا كان متابعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في زمن العبادة وصفتها وعددها وكيفيتها. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد \" أي: مردود عليه، فلا يقبل منه.

س ـ فكيف تدرك الولاية لله - تعالى -؟

ج ـ أخبر عن ذلك رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: \" قال الله - عز وجل - : من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ, أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه... \"

فتبين بهذا أنَّ تفاضلهم إنما كان بقيامهم بفرائض الله - تعالى -، وتقربهم إليه بالنوافل.

س ـ إذاً معنى هذا أنَّ الأولياء كسائر البشر، لا يعلمون الغيب؟!

ج ـ نعم، هم كسائر البشر لا يعلمون الغيب، فالله - تعالى - يقول في كتابه: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيبَ إلاَّ الله وما يشعرون أيَّان يبعثون}

فلا يعلم الغيب في السماوات والأرض في الماضي أو الحاضر أو المستقبل إلاَّ الله - تعالى -. ولو كانوا يعلمون الغيب لما وقع عليهم ما يكرهون، أو منع منهم يحبون. قال - تعالى -: {و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسَّني السوء}

س ـ فهل للأولياء قدرة على جلب الرزق أو منعه؟

ج ـ الله - تعالى - هو الرزاق ذو القوة المتين، ولا رازق غيره، بيده خزائن السماوات والأرض، يرزق من يشاء، بما يشاء، متى يشاء، كيفما يشاء. قال - تعالى -: {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟! }

س ـ أو ليس للأولياء طاقة في إنزال الغيث أو منعه؟

ج ـ ذلك مما اختصَّ الله به نفسه، فلا أحد غيره - سبحانه - يعلم بمكان وزمان ومقدار نزول الغيث قبل نزوله، ولا أحد سوى الله - تعالى - يقدر أن يجلبه أو يمنعه أو يبارك فيه أو يمحق بركته، ولا أحد غير الله - تعالى - يستطيع إنزال الغيث أو منعه.

قال - تعالى -: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}

س ـ فهل الأولياء يستطيعون أن يهبوا للناس أولاداً وذريَّة؟

ج ـ لا يقدر على ذلك إلاَّ الله. قال - تعالى -: {ولله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً}

فلا يعلم بذلك ولا يقدر عليه إلاَّ الله - تعالى -.

س ـ وهل للأولياء قدرة في تقديم الآجال أو تأخيرها؟

ج ـ فما لهم يموتون لو كانوا يقدرون ؟! لو كان ذلك لهم لدفعوا الموت عن أنفسهم أو أخروه عمَّن يحبٌّون!

قال - تعالى -: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}

س ـ فهل الولي ينوب عن الله في تصريف الكون؟

ج ـ كبرت كلمة! فماذا بقي لله - تعالى - في كونه لو كانوا كذلك؟!

قال - تعالى -: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}

س ـ ما حكم من اعتقد ذلك؟

ج ـ اعتقاد ذلك فيهم شرك بالله - تعالى -. قال - تعالى -: {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تبتوا شجرها أ إله مع الله. بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أ إله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}

فالله - تعالى - خالق الكون، وهو المصرف له، والمدبر لما فيه، لا يشاركه أحد من خلقه في ذلك. قال - تعالى -: {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون}

س ـ فما الحكم إذاً فيمن اعتقد أن أحداً غير الله - تعالى - يمنع عذاب القبر، ويكفِّر السيئات، ويخرج من النار، ويدخل الجنة؟

ج ـ لا شكَّ أن من اعتقد أن أحداً غير الله - تعالى - يمنع من عذاب القبر أو النار يوم القيامة أو يدخل الجنة أو يكفر السيئات فقد وقع في الشرك الأكبر المخرج من الملة.

قال - تعالى -: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون}. وقال - تعالى -: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}

س ـ على هذا يكون اعتقادهم أنَّ غير الله - تعالى - يغيث الملهوف ويجيب الدعاء و يكشف السوء شرك بالله - تعالى -؟

ج ـ نعم هو شرك في العبادة وشرك في الربوبية. قال - تعالى -: {أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكرون}

س ـ هل لأحد من الأولياء أن يترك العبادات كالصلاة والصوم بزعم أنه بلغ درجة اليقين؟



ج ـ قال - تعالى - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} يعنيº حتى يأتيك الموت، وليس معناه بلوغ درجة اليقين لأن النبوة والرسالة أعلى الدرجات الإيمانية، فالواجب على المسلم أن يعبد ربَّه حتى يأتيه اليقين، وهو الموت كما فسَّره الله - تعالى - في كتابه بقوله: { ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين * وكنا نخوض مع الخائضين * وكنا نكذب بيوم الدين * حتى أتانا اليقين}

والنبي - صلى الله عليه وسلم - ـ وهو أعبد الخلق لله - تعالى - وصحابته الكرام من العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم ـ وهم خير الخلق بعد الأنبياء ـ لم يتركوا العبادة حتى قضى عليهم الموت، ومن اعتقد أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد خرج من الدين، وتولى غير سبيل المؤمنين، واحتوشته الشياطين.

س ـ هل يستطيع الشيخ أو الولي العروج إلى السماوات أو اختراقها؟

ج ـ العروج إلى السماوات خاص بالملائكة الكرام، ومن شاء الله من أنبيائه ورسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ كما حدث ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - في أُمَّته عندما عرج به إلى السماء في ليلة الإسراء والمعراج، وليس لأحدٍ, من النَّاس أن يدعي ذلك، حتَّى لا يكون مكذباً لله - تعالى - الذي تحدَّاهم عليه. قال - تعالى -: {يا معشر الجنِّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاَّ بسلطان} فمن ادعى أنه يدخل السماوات من أبوابها أو أنه يخترقها فهو أفاكٌ مبين، مكذِّب لله ربِّ العالمين.

س ـ فهل يجوز لنا أن نحتفل بليلة الإسراء والمعراج هذه؟

ج ـ وأيٌّ ليلة هي؟! هل عندكم من علم بهذا فتخرجوه لنا؟! أم تقولون ما لا تعلمون؟!

العلماء مختلفون في تحديد ليلة الإسراء والمعراج اختلافاً كبيراً، فلحكمةٍ, بالغة من الله - تعالى - أُنسى النَّاس زمن هذه الليلة.

و لو ثبت تحديدها في ليلة بعينها، فإنَّه لا يجوز الاحتفال بها ـ كما يفعل البعض في ليلة السَّابع والعشرين مِن رجب ـ لأنه بدعةٌ منكرة محدثة، فقد عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدها أكثر من إحدى عشرة سنة ولم يشرعها لأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ولهذا لم يفعلوه من بعده، وخير الهدي هدي محمدٍ, - صلى الله عليه وسلم -، وشرٌّ الأمور محدثاتها.

س ـ أليس الاحتفال بها دليل على محبَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

ج ـ محبَّته ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ واجبة، وهي تقتضي طاعته، واجتناب مخالفته، وأن لا يعبد الله - تعالى - إلاَّ بطريقته وسنَّته.

قال - تعالى -: {قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وكلٌّ الأبواب الموصلة إلى الله - تعالى - قد أغلقت إلاَّ بابه. قال - صلى الله عليه وسلم -: \" كلكم يدخل الجنة إلاَّ من أبى \" قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟

قال \" من أطاعني دخل الجنَّة ومن عصاني فقد أبى \"

س ـ هل صحيحٌ أن الله - تعالى - خلق الكون لأجل النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

ج ـ الحقيقة أنَّه لا يجوز اعتقاد ذلك، لأنَّ الله - تعالى - قال: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} فقد جعل الله الخلق للناس أجمعين ليتمكنوا من عبادته، وللبلاء والتمحيص، ولبيان عظمته في خلقه. قال - تعالى -: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}

س ـ فهل يجوز لنا الاحتفال بالمولد النبوي؟

ج ـ المولد النبوي كان في عام الفيل في يوم الاثنين، واختلف المؤرخون في اليوم والشهر، ولم يثبت في مولده شيء. فنبؤني بعلمٍ, إن كنتم صادقين!

س ـ فما حكم الاحتفال بيوم الثاني عشر من ربيع الأول؟

ج ـ هذه بدعة ما عرفها الصدر الأول، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفل بمولده، ولم يأمر أمته به، وأولئك أصحابه رضوان الله عليهم وهم أكثر النَّاس حباً له، ومتابعة لمنهجه، وحرصاً على القيام بحقه، لم يقوموا بعمل الموالد، فدلَّ هذا على أنه بدعة محدثة لا يشرع الاحتفال بها. فعليك بما كانوا عليه، فقد كانوا على الصراط المستقيم والمنهج القويم، ولا تلتفت إلى غيرهم فتضل! ولا تُقلِّد مخالفهم فتزل!

س ـ وما الحكم الشرعي في الاحتفال بليلة النصف من شعبان؟

ج ـ لا يشرع الاحتفال بها، لعدم وجود الدليل عليها، ولم يصح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك أو رغَّب فيه أو حثَّ عليه، ولم يرد عن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم خير القرون أنَّهم احتفلوا بها.

س ـ فهل ورد في فضلها دليل؟

ج ـ ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله فيها: \" إنَّ الله يطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل مسلم غير المشاحن والمشرك \" والحديث ـ إن صحَّ ـ دليل على فضلها، وليس دليل على مشروعية تخصيصها بعبادة فيها، فقف حيثُ وقف محمد - صلى الله عليه وسلم -، وافعل كما فعل، فلن تأتي بأفضل مما جاء به، فقد كُفيت، والحقَّ أحقٌّ أن يُتَّبع، وماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضلال.

س ـ هل للأولياء كرامات؟

ج ـ للأولياء كرامات جعلها الله - سبحانه - لبعضهم تقويةً لإيمانه أو تثبيتاً له أو لبيان الحقِّ الذي هو عليه، وسببها الإيمان الصادق والعمل الصالح، فلا تنال بمعصية الله - تعالى - والإحداث في دينه ما ليس منه، ومن زعمها فليعرض عمله على كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان موافقاً لهما ولما جاء فيهما، فليحمد الله - تعالى - وليثبت على طاعته، ومن كان على خلاف ذلك من بدع وضلالات، فتلك أحوالٌ شيطانية من تلبيس إبليس على النَّاس.

س ـ أذكر لي أمثلة على الأحوال الشيطانية لبعض من يدعي الولاية وهو على سبيل الغواية.

ج ـ مثل الطيران في الهواء، وإدعاء السفر إلى مكة بخطوة والرجوع منها بخطوة أخرى، وبلع الجمر والسيوف، والمشي على النَّار، وغير ذلك.

س ـ هل المؤمن مبارك؟ وهل يستشفى به لبركته؟

ج ـ المؤمن مبارك ـ في الجملة ـ لكن البركة من الأمور الغيبية التي لا يدرك كنهها إلاَّ الله - تعالى -، ولم يأذن الله لنا في التبرك بأحد من المؤمنين، ولم يفعل ذلك أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال - تعالى - على لسان إبراهيم - عليه السلام - وهو يحاور قومه :

{وإذا مرضت فهو يشفين} فإنه لا يشفي إلاَّ الله.

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" اللهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقماً \"

س ـ فما حكم من يذهب للسحرة والكهنة و المشعوذين ليعالج مريضه أو يظهر مفقوده أو يرد غائبه ؟

ج ـ لقد جاء النصٌّ الشرعي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكفر من يعمل ذلك، حيث قال: \" من أتى عرافاً أو كاهناً فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد \" لأن ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلاَّ الله - عز وجل -.

س ـ ولكن بعضهم ربما يخبرك بما هو غائب عنك في بعض المرات ويصدق في ذلك!

ج ـ ذلك ناتج من استخدامهم لبعض الجان و الشياطين، فإنَّهم يرون ما لا نرى.

س ـ وربما يشفى المريض أو يعرف المفقود أو يرد الغائب! فما سبب ذلك إذاً؟!

ج ـ ذلك من استدراج الله - تعالى - للعبد، فإنَّ الله - تعالى - إذا رأى من عبده غفلة عنه وتعلقاً بغيره وفزعاً إلى سواه لا يبالي - سبحانه - بذلك العبد في أيِّ واد هلك، فيعطيه ما يريد، و يملي له ويستدرجه حتَّى يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

قال - تعالى -: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين}

س ـ فهل يجوز شراء حياة الأبناء الذين يُخاف عليهم من الموت من الأولياء والمشايخ وممن يدَّعون علم الغيب والقدرة على حفظهم وبقاء حياتهم ؟

ج ـ قل لي ـ بربك ـ من بيده الضرٌّ والنفع غير الله - تعالى -؟! لا أحد سواه!

قال - تعالى -: {قل أفرءيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هنَّ كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته. قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون}

هذا شرك في الربوبية يخرج العبد من الملة، ولو كان هؤلاء السحرة والمشعوذون قادرين على ذلك، لكانوا قادرين ـ من باب أولى ـ على إحياء الموتى، ولحفظوا أنفسهم من الموت، و معلوم أن هذا مما لا يقدرون عليه.

س ـ فما الحل فيمن خاف على أولاده أو ماله من التلف والأذى بالعين أو الجان أو الموت؟

ج ـ تكون نجاتهم من الضرر والأذى بالتوكل على الله. قال - تعالى -: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وعليه بتقوى الله - تعالى -. قال - تعالى -: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً} وعليه بتلاوة القرآن الكريم كالمعوذتين وآية الكرسي وذكر الأذكار الشرعية الثابتة عن خير البرية - صلى الله عليه وسلم -. ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها الذي كتب الله لها. قال - تعالى -: {لكل أمةٍ, أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون}

س ـ ما الحكم فيمن وضع هيكلاً من القماش أو دفن شيئاً نحوه في المزارع لدفع العين والحسد أو تعلّق خرزة أو حلقة أو غير ذلك؟

ج ـ إذا اعتقد أن هذا الفعل أو غيره من الأسباب التي تنفع أو تضر بذاتها، أو أنها تجلب البركة بذاتها، فهذا شركٌ أكبر مخرج من الملة ـ عياذاً بالله ـ، وهو شرك في الربوبية من حيث أن جعل هذه الأسباب شريكاً مع الله - تعالى - في الخلق والتدبير، وهي شرك في الألوهية من ناحية تعلق قلبه بهذه الأسباب طمعاً ورجاءً أو خوفاً وخشية.

أما إذا اعتقد أن هذه الأمور مجرد أسباب، وأن الله هو الذي يملك الضر والنفع، وإعطاء البركة أو منعها، فهذا من الوسائل المفضية إلى الشرك. وهي وسائل يحرم فعلها لأنه لم يثبت في شرع الله - تعالى - أنها أسباب لتحصيل تلك المنافع أو دفع تلك المضار.

وقد نهى الشرع عن فعل مثل هذه الأسباب..

فعن عبد الله بن عكيم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن تعلَّق شيئاً وُكِلَ إليه \"

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" مَن تعلَّق تميمة فقد أشرك \"

وهي ـ أيضاً ـ ليست من الأسباب القدرية التي قد عُلِمَ أو جُرِّب نفعها، مثل: الأدوية المباحة ونحوها من الأسباب المعهودة التي يحصل بها المقصود.

س ـ فما الحكم في نصب شاخصٍ, في المزارع لتراه الطير والقرود وغيرها، فتهرب منه، ولا تؤذي المزارع؟

ج ـ لا بأس به إذا سلم من الاعتقاد فيه، على ألاَّ يكون كهيئة الصلبان.

س ـ هل نداء الشيخ والولي والاستغاثة به عند الضرورة جائز؟

ج ـ الاستعانة والاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلاَّ الله - تعالى - شركٌ أكبر مخرج من الملَة. قال - تعالى -: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين. وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلاَّ هو..}

س ـ فما حكم دعاء الأولياء الأموات والاستغاثة بهم؟

ج ـ قال - تعالى -: {ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين} فدعاء الأموات واللجوء إليهم والاستغاثة بهم وطلب كل ما لا يقدر عليه إلاَّ الله - تعالى - منهم كفر وشرك بالله - تعالى -، لأنَّ الدعاء محض عبادة يجب صرفها لله - تعالى -. قال - تعالى -: {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير} ومن فعل ذلك فهو داخل تحت عموم قوله - تعالى -: {إنَّه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} ويتوب الله على من تاب.

والموتى عاجزون عن دفع الضرِّ عن أنفسهم أو جلب الخير لها، وهم عن فعل ذلك لغيرهم أعجز! يتمنون من يدعو لهم بخير، لا أن يدعوهم من دون الله - تعالى -.

قال - تعالى -: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون}

هذا من اتخاذهم آلهة من دون الله - تعالى -. قال - تعالى -: {واتخذوا من دونه آلهةً لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً}

س ـ حتَّى لو كان المستغاث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟!

ج ـ الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - خير خلق الله وأكرمهم على الله، لكنَّه عبدٌ لله - تعالى - ورسول، لا يجوز رفعه فوق هذه المنزلة التي ارتضاها الله له، وكرمه الله - تعالى - بها، إلاَّ أنه بعد موته لا يملك من أمر نفسه أو غيره شيئاً. قال الله - تعالى - عنه: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلاَّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاَّ نذير وبشير لقوم يؤمنون}

وغيره من الأولياء مثله من باب أولى.

س ـ وهل يجوز الذبح والنذر لهم رجاء نفعهم أو لدفع ضرِّهم؟

ج ـ الذبح والنذر عبادة يجب صرفها لله - تعالى -. قال - تعالى -: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}

وصرف هذه العبادة لغير الله - تعالى - شركٌ أكبر مخرج من الملة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لعن الله من ذبح لغير الله.. \"

س ـ وما حكم طلب الشفاعة من الولي؟

لا يجوز طلب الشفاعة من الولي، لأنه لا يملكها إلاَّ الله - تعالى -. قال - تعالى -: {قل لله الشفاعة جميعاً \" ولا يشفع أحد عنده إلاَّ بإذنه، قال - تعالى -: {من ذا الذي يشفع عنده إلاَّ بإذنه} وطلبها من غير الله - تعالى - شركٌ أكبر ينافي التوحيد. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لـمَّـا سئل عن أسعد النَّاس بشفاعته قال: \" من قال: لا إله إلاَّ الله خالصاً من قلبه \".

س ـ فما حكم من يعتقد أن عرش الله - تعالى - في قلب المؤمن؟

ج ـ العرش فوق الجنَّة، وتحته الفردوس، والجنَّة في السماء. قال - تعالى -: {عند سدرة المنتهى * عندها جنَّة المأوى}

س ـ فأين الله - تعالى -؟

ج ـ الله - تعالى - في السماء، على العرش استوى ـ كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه ـ فوق السموات السبع. قال - تعالى -: {الرحمن على العرش استوى}

س ـ فما حكم من قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟

ج ـ قال الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - : يكفر.

س ـ أليس الله - تعالى - معنا؟

ج ـ الله - تعالى - معنا بعلمه واطلاعه، فلا يغيب عنه من أمرنا شيء. قال - تعالى -: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات والأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}.

وهو مع عباده المؤمنين بنصرته وتأييده وبمعونته وتوفيقه. قال - تعالى -: {.. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} وقال - تعالى -: { والله معكم ولن يتركم أعمالكم.. } .

و ليس الله - تعالى - معنا بذاته، بل هو مستوٍ, على عرشه بائن عن خلقه. لا يشابهه شيء من مخلوقاته. قال - تعالى -: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .

كلٌّ شيءٍ, يسبح بحمده، ويسجد له، ويشهد له بالوحدانية في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.

س ـ هل يجوز للمرأة أن تسجد لزوجها؟

ج ـ لا يجوز لها ذلك، فإن السجود لغير الله - تعالى - شركٌ أكبرٌ يخرج من الملَّة، وينافي أصل الإيمان.

س ـ إنَّه سجود احترام وتقدير، وليس سجود عبادة وتعظيم.

ج ـ هو حرامٌ كذلك، فإنَّ الاحترام يقتضي الطاعة في المعروف والإحسان في المعاملة، والقيام بكل ما أمر الله ورسوله به من حقوق الزوج في غير إفراط ولا تفريط.

س ـ وماذا تقول في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها \"؟!

ج ـ أقول ما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \" \" لو كنت آمراً أحداً \"

فهل أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك؟! حاشا وكلاً.

وكيف يأمر به وهو القائل لثوبان مولاه رضي الله عنه: \" إنَّك لن تسجد لله سجدة إلاَّ رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة \"؟!

س ـ إذا ما المعنى الصحيح للحديث الشريف؟

ج ـ معناه ـ وليس له معنى سواه ـ أن السجود لو كان جائزاً لغير الله - تعالى - لكان زوج المرأة أحقّ به من غيره لِـمَا له من حقٍّ, عليها، ولكن السجود لا يكون إلاَّ لله - تعالى -، فهو عبادة لا تصرف لغيره - سبحانه -.

قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلَّكم تفلحون}

وأخيراً: فمحبَّة الأولياء العاملين بطاعة الله - تعالى - المقتدين برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لوازم محبَّة الله - تعالى -، على أن لا يُصرف لهم شيء مما هو لله - تعالى -، فالشرك بالله - تعالى - هو مساواة غير الله مع الله فيما هو من خصائص الله - تعالى -، فلا يلجأ إليهم، ولا يتوكل عليهم، ولا يتبرَّك بهم، ولا ينذر ويذبح لهم، ولا يحلف بأسمائهم، ولا يطيعهم إلاَّ فيما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا طاعة لهم ولا كرامة إذا أمروا بما يخالف دين الله - تعالى -، فالطاعة المطلقة إنما هي لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.

نسأل الله - تعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شرَّ أنفسنا، وأن يوفقنا في سائر أمورنا، وأن يهدينا سبل السلام.

وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات.

تم بفضل الله - تعالى -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply