أنواع التوحيد


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

الحمد لله الذي كان أول أمر في كتابه هو الأمر بتوحيده فقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ....] وذلك لأنه مناط النجاة عنده، وكان أول نهي في كتابه هو النهي عن الشرك فقال: [فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا...] وذلك لأنه مخالف للخلق والأمر من كل وجه.

والصلاة والسلام على المبعوث لتقرير ذلك، والدعوة إلىه وعلى اله وصحبه ومن اهتدي بهداه إلى يوم الدين.

أما بعد:
فهذا تبيان لأنواع التوحيد التي أرسلت بها الرسل وأنزلت من أجلها الكتب على وجه الإجمال والتي استقرئها علماء الشريعة من النصوص الشرعية. ثم اتبعه بالكلام على قسمي الشرك وما يتعلق بهما. وهو في الأصل درس أملي على بعض الأخوان في أحد المجالس، وقد قرأه وصححه فضيلة الشيخ: صالح الفوزان -حفظه الله- وعلَّق على بعض المواضع فيه، وكلامه موضوع بين معكوفتين.

تمهيد:
يجدر بنا قبل البدء في الكلام على أنواع التوحيد أن نبين تعريفه عند أهل العلم في اللغة والاصطلاح.
التوحيد في اللغة: مصدر وَحَّدَ يُوَحد توحيدًا، أي: جعل المتعدد واحدًا، قال تعالى: [أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا...].
وهو في الاصطلاح: الاعتقاد الجازم بوحدانية الله تعالى [في ربوبيته وألهيته وأسمائه وصفاته] وهذا راجع إلى اعتقاد الحق على ما هو عليه. أي أن الله واحد ولو لم يجعله أحد واحدًا، بمعني أن أحدًا من الخلق لم يجعله أو لم يصيره واحدًا، بل صدق بوحدانيته الثابتة له أزلًا وأبدًا [وإفراده بالعبادة].


سبب تسمية دين الإسلام توحيدًا:
وسمي دين الإسلام [دين التوحيد] لأن مبناه على [اعتقاد] أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا ند له، وواحد في ذاته [وأسمائه] وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته لا شريك له. وإلى هذه الأنواع ينقسم توحيد المرسلين.

(أنواع التوحيد):
يقسم التوحيد عند أهل العلم باعتبارين:
الأول: باعتبار ما يجب على الموحد:
ينقسم التوحيد بهذا الاعتبار إلى قسمين:
الأول: توحيد المعرفة والإثبات: وهو إثبات حقيقة ذات الرب وأسمائه وصفاته وأفعاله وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات.
الثاني: توحيد الطلب والقصد: وهو توحيد الألوهية، ويأتي تعريفه.

أدلة التوحيد:
أولًا: أدلة التوحيد في المعرفة والإثبات:
منها: قوله تعالى: [سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] الآيات الست الأولى من سورة الحديد وقوله تعالى: [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ]. الآيات إلى آخر السورة. وسورة الإخلاص بكمالها.


ثانيًا: أدلة التوحيد في الطلب والقصد:
منها: قوله تعالى: [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا...] الآية ومنها ما تضمنته سورة [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ] وغيرها. قال ابن القيم: (كل سور القرآن متضمنة لنوعي التوحيد داعية إليه).


علاقة التضمن والاستلزام بين أنواع التوحيد:
اعلم أن توحيد الطلب والقصد يتضمن توحيد المعرفة والإثبات قال تعالى: [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ].
وتوحيد المعرفة والإثبات يستلزم توحيد الطلب والقصد قال تعالى: [قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ] الآيات.

تنبيه:
يسمي توحيد المعرفة والإثبات (التوحيد العلمي الخبري).
وذلك لأنه من باب الخبر الدائر بين النفي والإثبات من جهة المخُبِر المقابل بالتصديق أو التكذيب من جهة المخبَر.
يسمي توحيد الطلب والقصد (التوحيد الإرادي الطلبي).
وذلك لأنه من باب الطلب الدائر بين الأمر و النهي من قبل الرب المقابل بالامتثال أو عدمه من قبل العبد.

الثاني: باعتبار المتعلق، وهو المكان الذي يحصل فيه التوحيد: (الله).
ينقسم التوحيد بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
الأول: توحيد الربوبية: وهو اعتقاد أن الله واحد في ربوبيته.
أو هو: إفراد الله بأفعاله.
قال شيخ الإسلام: (توحيد الربوبية انه لا خالق إلا الله فلا يستقل شيء سواه بإحداث أمر من الأمور). مجموع الفتاوى(1/331) .

وهذا التوحيد علمي تصديقي، [ومن] أدلته سورة الإخلاص. واعلم أن هذا التوحيد فطرت النفوس على الإقرار به ولم ينكره [أحد] حتى المشركين بل كانوا يقرون به ولا ينازعون في ثبوته ويشهد لذلك قوله تعالى: [وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ] ونحوها من الآيات.

وهذا التوحيد لا يكفي في حصول الإسلام بل لا بد من أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الألوهية.

فمن أقر بهذا التوحيد وآمن به لم يتعدى بإيمانه هذا إيمان أبي جهل وأبي لهب، وأمثالهم من رؤوس الكفر الذين قاتلهم رسول الله، وهذا ما قرره شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في أول قاعدة من كتابه القواعد الأربع، [وأدلته في القرآن والسنة كثيرة].

الثاني: توحيد الأسماء والصفات:
قال شيخ الإسلام: (الأصل في هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسله نفيًا وإثباتًا). الفتاوى (ج 3/3).
وهذا التوحيد لا يكفي أيضًا في حصول الإسلام [لأنه داخل في توحيد الربوبيته الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام]، والكفار مقرون [بتوحيد الربوبية بما فيه الأسماء والصفات، وإن كان بعضهم قد ينكر ذلك أو بعضه تكبرًا أو عنادًا].
قال في [تيسير العزيز الحميد]: (لم يعرف عنهم أي المشركين إنكار شئ من هذا التوحيد إلا في اسم الرحمن خاصة، ولو كانوا ينكرونه لردوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك كما ردوا عليه توحيد الألوهية).

تنبيه:
هذا التوحيد توحيد اعتقادي تصديقي: لأنه يتطلب الإيمان به.

الثالث: توحيد الألوهية:
هو اعتقاد أن الله هو المستحق للعبادة دون من سواه. وهو مبني على إخلاص التأله لله تعالى الذي هو إفراد الله بالعمل فلا يكون في القلب أحدٌ سواه. وهو توحيد الله بأفعال العباد.
وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قوله تعالى [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ].
وقوله تعالى: [فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ]. وقُدِّم فعل العبد هنا ليعلم أنه يجب عليه أن يعمل ثم يستعين بالله ويتوكل عليه.
وهذا التوحيد هو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو الذي من أجله كان هذا الوجود، وكانت الجنة والنار، وهو أول واجب على العبد. وهو معنى (لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) فإن الإله هو المألوه بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادة المستحق لذلك. وهو التوحيد الذي حصل الخلاف فيه بين الرسل وأممهم.
قال شيخ الإسلام: (توحيد الألوهية لله وحده أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: لا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه ولا يوالى إلا فيه، ولا يعادى إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله).
وهذا التوحيد هو توحيد العبادة، أي: إفراد العبادة لله وحده.

تعريف العبادة:
العبادة في اللغة: هي الذل والخضوع. وهي في الشرع على اعتبارين:

1- باعتبار فعل العبد، وهي كما قال شيخ الإسلام: (العبادة هي طاعة الله بامتثال ما أمر الله به على ألسنة رسله).
وحقيقة العبادة: هي امتثال الأمر والنهي، قال تعالى: [أيحسب الإنسان أن يترك سدى] قال الشافعي -رحمه الله-: (أي لا يؤمر ولا ينهى).
2- باعتبار ذات العبادة، وهي كما قال شيخ الإسلام: (هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). [وهذا هو التوحيد العملي].

علاقة التضمن والاستلزام بين أنواع التوحيد:
توحيد الربوبية يستلزم [توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية] بما في ذلك توحيد الأسماء والصفات.

 

صلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply